وزيرا الخارجية والدفاع احتفظا بحقيبتيهما في الحكومة السورية الجديدة
لطالما كانت القوة الاقتصادية الكبرى في أوروبا و المنقذ الأول لجيرانها في أحلك الأزمات.. لكنها اليوم تقف عند مفترق طرق حاسم يهدد استقرارها بل و يضع مستقبل أوروبا بأكملها على المحك..
إنها ألمانيا في عمق العاصفة بين انكماشٍ اقتصاديّ و تقلبٍّ سياسيّ ينذر بخسارة القارة العجوز لقلبها النابض.
اقتصاد ألمانيا.. من قاطرة النمو إلى الانكماش.
في الماضي كانت ألمانيا تمثل العمود الفقري لاقتصاد القارة الأوروبية؛ إذ ساهمت في إنقاذ دول مثل اليونان وإسبانيا والبرتغال وغيرها من انهيار اقتصادي كامل خلال أزمة الديون الأوروبية عام 2010، أما اليوم فإن المشهد يبدو معكوساً؛ إذ يعاني الاقتصاد الألماني من انكماش للعام الثاني على التوالي وهو ما يبدد الآمال بعودة التعافي.
الأزمة الحالية تختلف عن سابقاتها كالأزمة المالية العالمية و جائحة كورونا.. فالأزمتان الأخيريتان حدثتا بشكل يمكن وصفه بأنه صاعق ليشكل صدمة دفعت الحكومات المعنية ومن بينها الحكومة الألمانية آنذاك إلى الإسراع في تخصيص حزم مالية وإجراءات لمواجهتها غير أن الأزمة الحالية تزحف بشكل بطيء وكأنها تسترق الوقت لتصيب رويداً رويداً عصب الاقتصاد الألماني المتمثل بالصناعات التحويلية وفي مقدمتها صناعة السيارات، والصناعة الهندسية والكهربائية والمعدنية والكيميائية.
ما وراء التراجع المخيف؟
معهد إيفو( IFO) للبحوث الاقتصادية في تقرير حديث له يقول إن نصف الشركات تقريباً أي نحو 48 بالمئة منها تشكو من قلة الطلب على بضائعها.. كما تشكو من الضرائب وتكاليف الطاقة المرتفعة ومن البيروقراطية.. ولا تبدو الصورة وردية أيضاً خارج القطاعات الأساسية.
صناعة السيارات تمثّل المصدر الرئيس للصادرات الألمانية؛ إذ ساهمت في عام 2022 بـ15.4% من إجمالي الصادرات.. ومع ذلك تواجه شركات السيارات الكبرى مثل فولكسفاغن، وأودي، ومرسيدس، وبي إم دبليو تحديات كبيرة.
فعلى سبيل المثال أعلنت شركة فولكسفاغن التي تُعتبر واحداً من أكبر مشغلي العمالة في البلاد بـ650 ألف موظف، عن تراكم إنتاج يزيد على 500 ألف سيارة غير مباعة، فيما تضطر لإلغاء آلاف الوظائف على مستوى الدولة وفقاً لوكالة بلومبيرغ .. فيما صرح رئيس الشركة بأن ألمانيا تشهد تراجعاً في القدرة التنافسية على الصعيد العالمي خصوصاً أمام الصين التي أصبحت السوق الكبرى والأكثر نمواً للسيارات الكهربائية في العالم.. والأكثر من ذلك بدأت الصين تنافس ألمانيا داخل السوق الأوروبية.
أيضاً قطاع الكيماويات الذي لطالما كان أحد أهم مصادر الصادرات الألمانية، يعاني من أزمات خانقة بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة بعد انقطاع الإمدادات الروسية نتيجة الحرب الأوكرانية.. شركة BASF التي تعد الأكبر في أوروبا والعالم لم تعد تحقق أرباحاً كما كانت من قبل، وللحد من الخسائر اضطرت الشركة إلى إغلاق عدة مصانع داخل ألمانيا بعد أن فقدت ميزة الحصول على الطاقة الرخيصة من روسيا.
الاضطرابات السياسية.. حكومة على شفا الانهيار
في خطوة مفاجئة تعكس عمق الانقسامات داخل الحكومة الألمانية الائتلافية أقال المستشار الألماني أولاف شولتس وزير المالية كريستيان ليندنر في السادس من نوفمبر 2024.. جوهر الخلاف كان حول ما يسمى "فرملة الديون" وهي آلية دستورية تحد من العجز السنوي للميزانية عند 0.35% من الناتج المحلي.
شولتس طالب بتعليق هذه القاعدة عبر إعلان حالة طوارئ للاقتراض و تمويل الأزمات الاقتصادية ودعم أوكرانيا، لكن ليندنر رفض بشدة، مقترحاً بدلاً من ذلك إصلاحات جذرية لتحفيز الاقتصاد كتخفيض الضرائب وتقليص البيروقراطية.
قرار الإقالة شمل أيضاً وزراء الحزب الديمقراطي الحر؛ ما جعل حكومة شولتس أقلية برلمانية غير قادرة على الصمود، فاتحة الباب أمام انتخابات مبكرة قد تعيد تشكيل المشهد السياسي في ألمانيا في مطلع عام 2025 وربما تتعثّر أيضاً يقول محللون.
دروس من الماضي.. كيف غيّرت ميركل وجه ألمانيا؟
في عام 1999 وصفت صحيفة "الإيكونوميست" ألمانيا بـ"رجل أوروبا المريض"؛ إذ كانت البلاد تواجه أزمة اقتصادية خانقة حينها.
في عام 2005 تولت أنجيلا ميركل قيادة ألمانيا المرهقة من الركود الاقتصادي الخانق، والبعض اعتبرها خياراً غير موفق لتلك الظروف.. حيث بلغت نسبة البطالة 11.7% وعانت الميزانية من عجز بلغ 94 مليار دولار.
لكن ميركل صدمت الجميع بفضل سياسات جريئة شملت خفض الضرائب وتحفيز الاستثمار و نجحت في تحويل ألمانيا من "رجل أوروبا المريض" إلى القوة الاقتصادية الأكبر في القارة خلال عامين فقط .. ومع اندلاع الأزمة المالية العالمية عام 2008 وأزمة الديون الأوروبية في 2010، برزت ألمانيا كقاطرة للنمو حيث خصصت 500 مليار دولار لإنقاذ البنوك، وساعدت اقتصادها على تحقيق أعلى معدلات النمو منذ توحيد البلاد.
حتى سياسياً نجحت ميركل في تحقيق توازن مع روسيا والصين مستفيدة من الطاقة الروسية الرخيصة وازدهار التجارة مع الصين.. لكنها لم تسلم من الانتقادات فقد أدى الاعتماد الكبير على موسكو وبكين إلى أزمات لاحقة.
فوز ترامب يهز ألمانيا..
كان من المفترض أن يوحد فوز دونالد ترامب الائتلاف الحكومي بقيادة أولاف شولتس، ليقف صفاً واحداً أمام التحديات التي يفرضها الرئيس الأمريكي الجديد على العلاقات الأوروبية والألمانية.. لكن المفاجأة الصادمة جاءت بانهيار هذا التحالف خلال أقل من 24 ساعة على إعلان فوز ترامب حين أقال شولتس وزير المالية و أعقبها انسحاب حلفاء رئيسيين من الائتلاف الحاكم.
فالرئيس ترامب توعد بفرض رسوم جمركية تصل إلى 20% على السلع الأوروبية، وهو ما قد يدفع الاقتصاد الألماني نحو ركود أعمق، خاصة وأن السوق الأمريكية تستحوذ على صادرات ألمانية بقيمة 170 مليار دولار سنوياً.
و لا ننسى أن ترامب سيزيد الضغط على أعضاء الناتو لزيادة الإنفاق العسكري و هذا سيزيد الطين بلةً في ظروف برلين الحالية
يصف خبراء ألمان الوضع بأنه "الأصعب في تاريخ الجمهورية الاتحادية"؛ إذ غابت القيادة القوية وتعمقت الأزمات الاقتصادية وازدادت الانقسامات السياسية؛ ما يثير التساؤلات حول قدرة ألمانيا على تكرار معجزة ميركل.