نتانياهو يعلن أن إسرائيل ستواصل ضرب حزب الله في لبنان

logo
بحر الصين - في العمق
فيديو

"كنوز مدفونة".. كيف تتصارع الدول العظمى في بحر الصين الجنوبي؟

24 سبتمبر 2024، 7:01 ص

ألا يكفي بأن ما يُقدر بثلث التجارة العالمية يمر عبره؟ وماذا لو كان طريقًا لتجارة سنوية تبلغ قيمتها أكثر من ثلاثة تريليونات دولار، أهلًا بكم في مياه لا تعرف إلا النزاع، بحر الصين الجنوبي، الأكبر مساحة مناصفة مع المتوسط بعد المحيطات الخمسة.

تتحارب الدول فوق هذه المياه لنيل ما تخفي تحتها، فعند الحديث عن هذه البقعة المائية الضخمة، لا بد لنا أن نضع في صدارة الأحداث نزاعات لا تنتهي، بدأ تاريخها منذ قرون وتعاظم في العقود الأخيرة..

أما عن الأطراف المتنازعة، فهي تُقسم بين الصين كطرف أول، و5 دول أخرى تطل على البحر ذاته، وهي فيتنام، ماليزيا، بروناي، إذ تدخل هذه الدول الصراع بخجل وتلتزم الحياد، بينما تتصدر الفلبين وتايوان قائمة النزاع في وجه الصين.

على ماذا تستند بكين في أحقية هذا النفوذ؟ وكيف عززته؟

تأتي الإجابة الصينية على طريقة السهل الممتنع، وتقول إن الصينيين القدماء هم الذين اكتشفوا بحر الصين الجنوبي بالقرن الثاني قبل الميلاد، وللصين الأحقية التاريخية فيه، بل إنها تدعي سيادتها على منطقة تطلق عليها اسم "خط الخطوط التسع" وهي تمتد لمئات الأميال جنوبي وشرقي جزيرة هاينان إلى أقصى الجنوب الصيني.

منذ العام 2013، أدركت الصين أن نفوذها يجب أن يتحول فعلًا، فبدأت بناء ما يعرف بالجزر الاصطناعية، وفعلًا بنت 7 منها على امتداد أكثر من 15 كم، فيها ما هو شامل لمطارات ومهابط عسكرية وأنظمة رادار وغيرها، وزودتها بالأسلحة والمعدات والطائرات الحربية، بل إنها بنت الأنفاق في المياه وتحدت الطبيعة حينما عملت على حقن مادة مختلطة بجزيئات إسمنتية دقيقة في الأرض، لأن الرمال المرجانية الناعمة في المنطقة كانت غير مناسبة للبناء، وفق ذا إندبدنت.

في العام 2022 نشرت "ذا تايمز أوف إنديا" تقريرًا فصّل طريقة الصين في قضم نقاط من البحر تبعًا للظروف العالمية، وفي الأمثلة قال إنه وفي العام 1995، عندما كان العالم يعيد ضبط التوازن في فترة ما بعد الحرب الباردة، فرضت الصين نفوذها على منطقة الشعاب المرجانية ميستشيف ريف، في الشرق من جزيرة سبراتلي، وهي واحدة من أربع جزر ينصب النزاع عليها، وعندما تركز انتباه العالم بشكل حاد على غرب آسيا و"الحرب ضد الإرهاب"..

سيطرت الصين على منطقة سكاربورو الغنية سمكيًا في سبتمبر 2013، أما ومع انغماس العالم في الصراع الروسي الأوكراني حاليًا، فتعمل بكين على بناء مزيد من الجزر الاصطناعية. 

كنوز مدفونة.. الطريق للسيطرة على العالم يبدأ بكابل بحري

بحر الصين الجنوبي الذي تبلغ مساحته 3.5 مليون ميل مربع، يخفي كنوزًا دفينة، وتعتمد عليه الصين في حوالي 40% من إجمالي تجارتها سنويًا، وفقًا لوكالة معلومات الطاقة الأمريكية، يحتوي الممر المائي على ما لا يقل عن 190 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي و11 مليار برميل من النفط، وهي ثروات يتوزع الكثير منها بالقرب من الجزر الأربع المتنازع عليها، وهي جزر سبراتلي، باراسيل، براتس، وماكلسفيلد، ولا تزال غير مستغلة إلى الآن نتيجة للصراع الدائر.

لكن بعيدًا عن ثروات النفط والغاز وحتى المعادن الثمينة، فهناك ما هو أكثر قيمة من كل هذا، نتحدث عن الكابلات البحرية، أو مستقبل الإنترنت العالمي بصيغة أخرى..

يحوي بحر الصين الجنوبي على أكثر من 486 كابلًا بحريًا، وهي مسؤولة عن 99% من حركة الإنترنت العالمية، وبمعادلة بسيطة، فإن من يسيطر على هذا الممر المائي فإنه أحكم السيطرة على أكثر من خمس التجارة العالمية..

أما من يتحكم بالبنية التحتية للكابلات البحرية فإنه ببساطة سيتحكم بالإنترنت العالمي، وبكل البيانات المتدفقة بخباياها، من المعاملات المصرفية إلى الأسرار العسكرية، حتى إن صحيفة ذا هيل الأمريكية وصفت هذه السيطرة بأنها أعلى قيمة من النفط.

وفي لعبة شد الحبل بين الصين وأمريكا، فإن الأخيرة تسيطر شركاتها التكنولوجية العملاقة على الجزء الأكبر من هذه الكابلات، وهي ألفابت، المالكة لشركة جوجل، وميتا، المالكة لشركة فيسبوك، وأمازون، ومايكروسوفت.

بينما نجحت بعض الشركات الصينية بالاستثمار بجزء أصغر من هذه الكابلات، وأهمها خط SAIL، الذي يربط البرازيل بالكاميرون بطول 5800 كم، في صراع جيوشه بيانات لا ترى، إذ من المتوقع أن تصل قيمة اقتصاد الإنترنت جنوب شرق آسيا فقط إلى ترليون دولار بحلول عام 2030.

أمريكا في بحر الصين الجنوبي.. مباراة واشنطن الأصعب خارج أرضها

أمريكا في بحر الصين الجنوبي، معادلة لا تشبه فرض نفوذها في أي بقعة أخرى، لا في أفريقيا أو أي مثال شرق أوسطي، فالخصم هنا مختلف، وساحة المعركة مياه إقليمية تجمع ست دول، حيث يمثل بحر الصين الجنوبي بقعة مائية من ذهب للصين، يمكن لها أن تعزز مكانتها اقتصاديًا وعسكريًا، وترفع من شأنها دوليًا كقوة عظمى أمام أمريكا، وعليه فإن واشنطن تسعى ومنذ عقود لتفكيك هذا الخطر وفرض وجودها هناك لكن كيف؟

تطبيقًا لمقولة أن الدول العظمى لا تلتقي وجهًا لوجه، فلا بد من وسطاء لتحريك خيوط اللعبة، فوطدت أمريكا علاقاتها مع دول بحر الصين واتفقت مع فيتنام على استخدام 5 قواعد عسكرية لحماية الاستقرار في بحر الصين الجنوبي، لتنضم إلى قواعد عسكرية كانت أساسًا قد بنتها في كل من كوريا واليابان وأستراليا وسنغافورة وتايلاند.

كما أنها أبرمت مع الفلبين اتفاقية تاريخية تحت مسمى الدفاع المشترك العام 1951، تُلزم كلا الطرفين بالدفاع عن حليفه إذا ما وقع اعتداء أو هجوم على أراضيهما، وهو ما أعطى الضوء الأخضر لدولة مثل الفلبين لمناكفات مستمرة مع البحرية الصينية، بينما تايوان فلا تتوقف عن تلقي السلاح من أمريكا، الداعمة لها علنًا في حربها المائية مع بكين.

تطمع أمريكا بكنوز بحر الصين الجنوبي، لكنها قبل هذا تهدف لحد المد الصيني وتقزيم خطوط التجارة الصينية المرعبة، وتبعًا لنظرية الوسطاء ذاتها التي تحدثنا عنها، أنشأت أمريكا مع أستراليا وبريطانيا التحالف العسكري السياسي "أوكوس" (AUKUS)، الذي يجري من خلاله توسيع الأسطول النووي للدول الثلاث، وابتكرت حوارًا أمنيًا رباعيًا تحت اسم "كواد" (QUAD) العام 2007 يضم إلى جانبها كلا من أستراليا واليابان والهند، فيما وصفته الصين آنذاك بأنه مشروع ناتو آسيوي جديد.

بحر الصين الجنوبي، موضوع غير قابل للنقاش في الصين، التي دأبت على تحصين تواجدها فيه بأكبر أسطول بحري في العالم، يضم 340 سفينة حربية مع تقارير تشير لتجاوز هذا العدد حاجز ال400 سفينة مع الوقت، وهي خلف الأسطول الأمريكي من حيث القوة بفوارق بسيطة، كل هذا يزيد الضغط الصيني على أمريكا من هاجس يدعى الصين، تفوق عليها تجاريًّا ودبلوماسيًّا، وربما يجاريها عسكريًّا في المستقبل القريب.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC