قبل الانتخابات التشريعية التي أعلن عنها رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في 4 يوليو/تموز المقبل، يشعر البريطانيون بـ"الملل" من حكم حزب المحافظين منذ أكثر من 14 عامًا، فيما يستعد حزب العمال لـ"اغتنام الفرصة"، بحسب خبراء.
ومن جانبه، قال فيليب شاسين، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة بوردو مونتين إنه "إذا كانت هزيمة حزب المحافظين لا تترك مجالاً كبيراً للشك، فإن المجهول الرئيسي يظل في المقام الأول هو حجم الأغلبية البرلمانية التي سيحصل عليها حزب العمال بزعامة كير ستارمر".
وأوضح شاسين، المتخصص في الشأن البريطاني لـ"إرم نيوز"، أن نظام التصويت بأغلبية الأصوات يؤيد فوز حزبي الأغلبية الرئيسيين، المحافظين والعمال. ويبقى الواقع أن الحصول على الأغلبية المطلقة بـ 326 مقعدًا (من أصل 650 مقعدًا) يشكل ضمانة لفاعلية الحكومة المقبلة واستقرارها.
وبدورها، قالت أنييس ألكسندر كوليير، أستاذة الحضارة البريطانية في جامعة بورجوندي، إن هذا التوقع مستوحي من عمل أدبي مشهور لجورج دانجرفيلد، الذي نظر إلى الوراء في الهزيمة الحاسمة للحزب الليبرالي، الذي هيمنت هيبته على الرغم من ذلك على القرن الماضي، لصالح صعود حزب العمال الجديد في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى.
وتساءلت: هل نحن في الوضع نفسه اليوم أم أن الحزب المحافظ، الذي أعلن نفسه ذات يوم "الحزب الطبيعي للحكم"، لا يزال له مستقبل؟، بحسب مجلة "كونفرزيشن" للبحوث السياسية.
وقال الباحث الفرنسي شاسين: "إنه "في عام 2010، فشل الحزب المحافظ، الذي تصدر استطلاعات الرأي، في الحصول على الأغلبية المطلقة لتشكيل الحكومة بمفرده، واضطر إلى تشكيل ائتلاف حكومي مع حزب الديمقراطيين الليبراليين، الذي كان يحتل المركز الثالث في الطيف السياسي آنذاك.. ولكن هذه المرة هناك فرضية برلمان جديد بلا أغلبية".
وأضاف أن حزب العمال يعمل اليوم على محاولة استعادة المقاعد التي خسرها في انتخابات 2019 الأخيرة التي شهدت فوز حزب بوريس جونسون المحافظ بفضل استيلائه على معاقل حزب العمال التاريخية المعروفة باسم "الجدار الأحمر" الممتدة من منطقة ميدلاندز إلى شمال شرقي البلاد.
قد يميل المحافظون إلى ممارسة المزايدة الشعبوية للحفاظ على مقاعدهمفيليب شاسين، أستاذ في التاريخ المعاصر
ووفقًا للباحث السياسي فإنه في هذه الدوائر الانتخابية، التي صوتت أيضًا بأغلبية ساحقة لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام 2016، فإن المنافسة من المرشحين من حزب الإصلاح الشعبوي المشكك في الاتحاد الأوروبي، والذي يستمد مصادره من حزب استقلال المملكة المتحدة الذي أصبح حزب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2019، تهدد في المقام الأول بإلحاق الضرر بالمرشحين المحافظين.
ولفت شاسين إلى أنه قد يميل المحافظون إلى ممارسة المزايدة الشعبوية للحفاظ على مقاعدهم، خاصة منذ الإعلان عن عودة الزعيم السابق لحزب استقلال المملكة المتحدة/خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكسيت"، نايجل فاراج، الذي يترشح عن دائرة كلاكتون الانتخابية.
ويبدو أن حزب المحافظين، الذي تلوح حملته الانتخابية بتلميحات من الانهزامية، يبتعد عن رئاسة الوزراء ليستهدف بشكل أساسي ما يسمى بالدوائر الانتخابية الهامشية، أي التي تغلب عليها خصومه، حزب العمال وأيضًا الديمقراطيون الليبراليون، بأغلبية ضئيلة للغاية في الانتخابات الأخيرة، لا سيما في اسكتلندا وشمال إنجلترا ومنطقة لندن الكبرى.
ورأى أستاذ التاريخ المعاصر أن فرضية التحول إلى اليمين في حزب المحافظين، التي اقترحتها سابقًا عودة نايجل فاراج إلى الحملة الانتخابية، تبدو مستوحاة أيضًا من الانقسامات داخل الحزب الذي، منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وحكومة بوريس جونسون، يفضح الشخصيات الإعلامية بشكل مبالغ فيه، لافتاً إلى اللعب بورقة الاستقطاب والحروب الثقافية.
أبرز وجوه اليمين داخل المحافظين
وتصدرت وزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان عناوين الأخبار في المؤتمر الأخير لحزب المحافظين في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 من خلال دفاعها الشرس عن مشروع القانون الذي ينص على ترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى رواندا.
أما كيمي بادينوش، التي تقدمها وسائل الإعلام على أنها الزعيمة المقبلة للحزب، فيبدو أن العديد من النواب يتقاسمون معركتها ضد الهوية العابرة وما يسمى بثقافة "الاستيقاظ".
ويدعم الحضور الإعلامي لهاتين المرأتين من الأقليات العرقية فرضية وجود حزب يخفي تنوع واجهته موقفًا سلطويًا متطرفًا بشأن القضايا الأخلاقية والهوية.
وتضمن البحث عن أوجه جديدة للحزب، الذي بدأه الزعيم ديفيد كاميرون في عام 2010، مجموعة أكبر من النساء والأقليات العرقية للسماح بتمثيل أفضل للحزب، وفقًا للبحاث السياسي الفرنسي.
وتابع: "اليوم، تتناقض صورة التنوع هذه، التي ظهرت بشكل خاص في الحكومات الأخيرة لبوريس جونسون وليز تروس وريشي سوناك، مع الصورة الأيديولوجية للنواب مزدوجي الجنسية، وهم ليسوا من أصول بريطانية، المعروفين بأنهم أكثر يمينية من نوابهم".