logo
العالم العربي

"مدونة الأسرة" المغربية.. هل تحسم "الفتوى" الجدل بين المحافظين والحداثيين؟

"مدونة الأسرة" المغربية.. هل تحسم "الفتوى" الجدل بين المحافظين والحداثيين؟
29 يونيو 2024، 2:59 م

دخلت مراجعة مدونة الأسرة (قانون الأسرة) في المغرب مرحلة حاسمة بعدما وجّه الملك محمد السادس، أمس الجمعة، المجلس العلمي الأعلى (أعلى مؤسسة دينية في البلاد) بدراسة المسائل الواردة في بعض مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، استنادًا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة.

وتثير العديد من التعديلات التي يطالب حقوقيون بإدخالها على مدونة الأسرة خلافًا وسجالاً حادين بين التيار المحافظ الذي يدافع عن ضرورة ارتباط هذه المراجعة بالمرجعية الإسلامية، وتيار حداثي يدعو إلى تكييف مراجعة المدونة مع الاتفاقيات الدولية.

وتأتي هذه الإحالة، بعد انتهاء الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة من مهامها داخل الأجل المحدد لها، ورفع مقترحاتها إلى العاهل المغربي، الذي اقتضى، بالنظر لتعلق بعض المقترحات بنصوص دينية، إحالة الأمر إلى المجلس العلمي الأعلى، الذي جعل منه الفصل 41 من الدستور، الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تُعتمد رسميًا.

ودعا الملك محمد السادس – وفق ما جاء في بلاغ للديوان الملكي، الجمعة، -المجلس العلمي الأعلى، وهو يُفتي فيما هو معروض عليه من مقترحات، استحضار مضامين الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، الداعية إلى "اعتماد فضائل الاعتدال والاجتهاد المنفتح البناء، في ظل الضابط الذي طالما عبّر عنه الملك، من عدم السماح بتحليل حرام ولا بتحريم حلال".

وكان المغرب قد أقرَّ، في العام 2004، مدونة الأسرة التي يتم العمل بها حاليًا بعد جدالات صاخبة، لتحل محل مجلة الأحوال الشخصية التي تم وضعها العام 1958 بعد استقلال البلاد. 

وفي سبتمبر الماضي، دعا العاهل المغربي إلى عقد مشاورات من أجل تعديل المدونة، ورفع التوصيات إليه في غضون 6 أشهر. 

ويرى مراقبون أن من شأن الفتوى المرتقبة أن تنهي هذا السجال الذي عمّر طويلاً.

أخبار ذات صلة

المغرب.. خطبة العيد حول "مدونة الأسرة" تثير جدلا واسعا

           

خطوة مهمة

وقال الشيخ محمد الفيزازي، رئيس "الجمعة المغربية للسلام والبلاغ"، إن الإحالة الملكية لبعض المقترحات المرتبطة بنصوص دينية على المجلس العلمي الأعلى وهي مؤسسة دستورية لإصدار فتوى شرعية فيها، خطوة مهمة لاستكمال المسلسل الخاص بمراجعة مدونة الأسرة، وحسم السجال بين التيار المحافظ والحداثي في المملكة.

وأضاف الفيزازي في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن الملك محمد السادس يريد الحفاظ على الأمن الديني للمغاربة؛ ولهذا فمن المنطقي أن يتم تكليف المجلس العلمي الأعلى بالإفتاء، باعتباره الجهة الوحيدة المخول لها ذلك في القضايا الشرعية العامة.

وأشار إلى أن هذه الإحالة -دون شك- قد أقلقت من يُسمّون بـ"الحداثيين" و"الليبيراليين" في البلاد.

واستطرد موضحًا: "عندما أُعطي الضوء الأخضر لمراجعة قانون الأسرة قام الحداثيون بترك نصوص المدونة وراحوا يطالبون بتغيير المحكمات في الدين الإسلامي والسنة؛ من قبيل: الدعوة إلى المساواة في الإرث، وإلغاء تعدد الزوجات، وشرْعنة الفساد عبر ما يسمونه بالعلاقات الرضائية".

وأكد رئيس "الجمعية المغربية للسلام والبلاغ"، أن الفتوى المرتقبة ستقوم بإنزال الحكم الشرعي على كافة المقترحات المرتبطة بنصوص دينية، وبالتالي فلن يتم السماح بتحليل حرام ولا بتحريم حلال، كما شدد على ذلك بلاغ الديوان الملكي، أمس الجمعة.

وأردف: "المجلس العلمي الأعلى أمام مسؤولية كبيرة، باعتبار مؤسسة الأسرة في نهاية المطاف مؤسسة دينية بامتياز".

ويعتقد الفيزازي أنه من سابع المستحيلات أن تتم إعادة النظر في منظومة الإرث، إلى جانب تعدد الزوجات، وجواز العلاقات الرضائية، وغيرها من النقاط المثيرة التي يطالب التيار الحداثي بتعديلها جذريًا، بل بالعكس قد تُصدر فتوى بتشطيب جميع المقترحات التي تمس عقيدة المسلمين في المغرب.

وزاد المتحدث: "الحداثيون يغردون خارج السرب، ويسترزقون بأفكار دخيلة على المجتمع المغربي"، مستدركًا: "مرحبا بالحداثة والعصرنة في أمور أخرى: مثل تحديث الإدارة، وجلب التكنولوجيا المتطورة إلى البلاد، وتعزيز البحث العلمي، وغيرها".

أخبار ذات صلة

المغرب.. اتهامات لبنكيران بتوظيف "مدونة الأسرة" للعودة إلى الواجهة

           

تحكيم ملكي

من جهته، رأى الدكتور إدريس الكنبوري، الكاتب والباحث المتخصص في الفكر الإسلامي، أن الجميع كان ينتظر تحكيمًا ملكيًا لحسم السجال الحاصل في المغرب حول مضامين مدونة الأسرة المرتقبة.

وأشار الكنبوري إلى أن تكليف المجلس العلمي الأعلى بالإفتاء له دلالات كبيرة.

وأضاف في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "التحكيم الملكي يشد العصا من الوسط بحيث لن يخوض المجلس العلمي الأعلى الذي يترأسه الملك محمد السادس في البنود التي لها تماس مباشر وواضح وحصري مع الأحكام الشرعية، وذلك بعد تأكيد العاهل المغربي -في أكثر من مرة- أنه لن يسمح بتحليل حرام ولا بتحريم حلال، بينما سيكون هناك اجتهاد منفتح وبناء لإيجاد حلول شرعية مبتكرة تراعي مقاصد الشريعة الإسلامية".

وشدد المتحدث على أن "تذكير بلاغ الديوان الملكي بمسألة التحريم والتحليل ليست اعتباطية، بل هي إشارة واضحة على أن مضامين مدونة الأسرة الجديدة ستكون قائمة على فضائل الاعتدال والاجتهاد المنفتح البناء".

وحيال ذلك، أوضح المتحدث ذاته: "بات مطلب المساواة في الإرث، وإلغاء تعدد الزوجات، أمرًا غير قابلة للتطبيق، في المقابل سيتم التركيز على عناصر أخرى متعلقة ببيت الزوجية بعد الطلاق، والنفقة، وصندوق الكفالة، وغيرها من المسائل الإجرائية".

ويبقى السؤال المطروح – يستطرد المتحدث – هل سيصدر المجلس العلمي الأعلى فتوى شاملة حول ما يجب إدخاله في المدونة الجديدة، أم سيكون هناك فتوى حول كل مقترح؟. مؤكدًا أن الملك محمد السادس باعتباره أميرًا للمؤمنين ورئيس المجلس العلمي الأعلى هو الذي سيحسم الجدل.

أخبار ذات صلة

المغرب .. "مدونة الأسرة" تفتح نقاشا واسعا بعد دعوة الملك لمراجعتها

           

الاجتهاد الديني

من جهتها، أكدت منظمة "النساء الاتحاديات" التابعة لحزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، أن تكليف المجلس العلمي الأعلى بالإفتاء حصرًا فيما يتعلق بالبنود التي لها تماس مباشر وواضح وحصري مع الأحكام الشرعية "يمثل ضمانة واستباقًا لأي تشويش قد يستهدف المدونة حين المصادقة على التعديلات بمزاعم مخالفتها لمقاصد الشرع الإسلامي". 

واعتبرت المنظمة، في بلاغ لها، أن حصر الإحالة على المجلس العلمي الأعلى فيما له علاقة بالنصوص الدينية "هو ضمنيًا دعوة إلى المزيد من التحديث والانفتاح فيما يتعلق بالبنود الأخرى"، مذكرة، في هذا الصدد، بالتنبيهات الملكية الهادفة إلى المواءمة بين احترام الأحكام الشرعية القطعية وبين متطلبات الانفتاح والمساواة، ومراعاة التحولات المجتمعية، بما يجعل الاجتهاد الديني بمقاصده السامية دافعًا للتحديث والتقدم. 

وشددت المنظمة على أن مؤسسة إمارة المؤمنين، بتعبيرها المؤسساتي المتمثل في المجلس العلمي الأعلى يظل لها الاختصاص في الإفتاء فيما يتقاطع حصريًا مع الأحكام القطعية الشرعية، أما ما عدا ذلك، "فإنه يدخل في نطاق: الأصل في الأشياء الإباحة، مما يجعلها محل التداول العمومي، القانوني، والنفسي، والاجتماعي". 

وتابعت أن بلاغ الديوان الملكي والرسالة الملكية التأطيرية إلى رئيس الحكومة "تظلان مرجعيتين أساسيتين للتعديلات المرتقبة، وهما المرجعيتان اللتان بقدر ما دعتا إلى عدم تجاوز الأحكام الشرعية القطعية، مع تطعيمهما بالاجتهاد القائم على الروح المقاصدية، فقد نصَّتا كذلك على احترام الثوابت الدستورية، والالتزامات الدولية للمغرب التي صادق عليها".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC