المغرب.. اتهامات لبنكيران بتوظيف "مدونة الأسرة" للعودة إلى الواجهة

اعتبرت أوساط سياسية وحقوقية في المغرب أن أمين عام حزب العدالة والتنمية المغربي عبدالإله بنكيران يلعب بورقة مدونة الأسرة "قانون الأسرة"؛ للعودة إلى الواجهة من جديد.

وهدد بنكيران، في مهرجان خطابي، أخيرًا، اللجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة، بتنظيم مسيرة مليونية لـ"التنديد بالتعديلات التي تنوي الحكومة إدخالها على مدونة الأسرة"، معتبرًا أنها "تتعارض مع المرجعية الإسلامية ودستور البلاد".

وهاجم زعيم الإسلاميين في المغرب المذكرات الصادرة عن الأحزاب المغربية، بخصوص تعديل مدونة الأسرة، التي قال إنها "لا تراعي المرجعية الدينية، وكذلك مرجعية المجتمع".

وانتقد بنكيران بشدة زعيمي "التقدم والاشتراكية"، محمد نبيل بنعبد الله، و"الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، إدريس لشكر، ذاهبا إلى اتهامهما بـ"تغيير كلام الله" فيما صدر عن حزبيهما بخصوص المدونة.

وردًا على مقترحات تقدم بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تشمل دعوة لمنع تزويج القاصرات، أعلن بنكيران تأييده لزواج القاصرات في بلاده، معتبرًا أن تجريم ذلك سيفاقم العنوسة في المملكة، ويضاعف من العلاقات الجنسية خارج إطار مؤسسة الزواج.

           

وقال مراقبون إن تصريحات بنكيران تدخل في إطار المزايدات الشعبوية، التي يسعى من خلالها إلى البحث عن وسيلة للرجوع إلى دائرة الضوء من جديد، بعد الانتكاسات الانتخابية التي مُني بها حزبه.

دغدغة العواطف

وقال عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، جمال كريمي بنشقرون، إنه عندما يكون هناك نقاش مرتبط بالدين "ينزح بنكيران نحو فكره المتزمت ويهاجم الآخرين، وكأنه وصي على الدين الإسلامي"، مشدداً على أنه "ليس له الحق في ذلك".

وأضاف، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "ما قلناه في مذكرتنا بشأن إصلاح مدونة الأسرة واضح جدا، وما عبر عنه بنكيران في هجومه علينا هو افتراء وكذب"، لافتاً إلى أن الرجل "يسعى إلى استعطاف الشعب المغربي ودغدغة عواطفه".

وأكد بنشقرون أن "حزبه يساري تقدمي يخاطب العقول ولا يخاطب القلوب، وإيماننا راسخ بأننا نؤمن بالتغيير المجتمعي جماعة وليس فرادى، ولا نريد أن نصطدم مع أي أحد"، لافتاً إلى أن حزبه شارك مع حزب العدالة والتنمية في الحكومة السابقة، وكانت له أدوار فعّالة.

           

ومضى قائلًا: "نحن كحزب سياسي تقدمي يساري لن نسمح لأي أحد بأن يكفرنا، فنحن نخضع لدستور المملكة المغربية الذي يؤكد أن دين الدولة هو الإسلام"، مشيرًا إلى أن العاهل المغربي الملك محمد السادس "دعا إلى إصلاح مدونة الأسرة بعد ما يقارب 20 سنة على إقرارها".

وأكد بنشقرون أن "هذا النقاش الشعبوي مرفوض، وتحريف كلام حزبنا ومذكرتنا مرفوض بشدة". مشدداً على أن حزبه "لن يسكت، وفي الوقت نفسه منفتح على الحوار".

حصان طروادة

بدوره، قال المحلل السياسي محمد شقير إن بنكيران وجد في ملف تعديلات المدونة حصان طروادة للركوب عليه، خاصة أن حزبه ما زال يعاني من النكسة الانتخابية ويتعرض لانتقادات خصومه السياسيين.

وأضاف، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن بنكيران "لم يكتفِ بتقديم عرض مقترحات حزبه إلى اللجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة، بل أراد أن يتجاوز ذلك إلى خلق سجال سياسي كعادته، مهدداً بإمكانية تنظيم مسيرة مليونية".

وشدد شقير على أن بنكيران "يُدرك بأنه لن يستطيع القيام بهذه المسيرة والحشد لها"، مبينًا أن "الظروف الراهنة أضحت تختلف بشكل كلي عن الظروف التي كان فيها حزب بنكيران في المعارضة".

وأوضح أنه "عندما تواجد العدالة والتنمية في صفوف المعارضة قبل مشاركته في الحكومة كان هناك استقطاب أيديولوجي بسبب قوة الإسلام السياسي آنذاك"، مشيراً إلى أن تصريح بنكيران "يدخل ضمن خرجاته الشعبوية لا أقل ولا أكثر".

استغلال الدين

من جهته، رأى الناشط الحقوقي أحمد عصيد أن بنكيران "يقوم باستغلال ملف مدونة الأسرة لمهاجمة الأحزاب الأخرى والمزايدة عليها في المجال الديني، إذ يستعمل الدين في تكفير الأحزاب والقيادات السياسية لكي يستجلب الناس مرة أخرى".

وأضاف، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن حزب العدالة والتنمية الإسلامي "فقد مصداقيته وهو في الحكومة، وبالتالي لا يمكنه استعادتها من خلال استعمال الدين والمزايدة به"، لافتاً إلى أن حزب بنكيران "مطالب بتقديم الحلول وليس تكفير القيادات الحزبية".

واعتبر عصيد أن "تركيز بنكيران على الأيادي الأجنبية أو الضغط الأجنبي على المغرب في موضوع حقوق النساء، فيه نوع من التدليس وتغليط الرأي العام الوطني؛ لأن الجميع يعرف أن السبب الحقيقي لمراجعة مدونة الأسرة هو تزايد مطالب النساء داخل المجتمع المغربي بالمساواة".

وأكد "أن الفصل 19 من الدستور يتجاوز مدونة الأسرة؛ إذ لا يمكن مطلقا أن نبقى محتفظين بنص قانوني تجاوزه دستور البلاد"، مبينًا أن "بنكيران يحاول أن يحتل الواجهة من دون أن يقدم أي شيء للمغاربة"، واستدرك قائلًا: "ما نريده اليوم؛ الحلول للمشاكل التي عبّرت عنها النساء في مراكز الاستماع، وفي تقارير الدراسات، وملفات المحاكم".

           

وبخصوص تأييد بنكيران زواج القاصرات، اعتبر عصيد أن "زواج القاصرات جريمة، ومن يدعو إليه مجرم حقيقي؛ لأن عليه إدراك أن الطفلات عندما ندفع بهن إلى الزواج المبكر نحرمهن من حقهن في الدراسة، ونعرضهن للعنف والاغتصاب والضياع".

وأشار إلى أن "البلاد وصلت إلى أرقام مقلقة بشأن زواج القاصرات، وعلى بنكيران أن يدرك خطورة تصريحاته".