يواجه الاقتصاد الروسي ضغوطًا حادة مع دخول الحرب في أوكرانيا عامها الثالث، حيث تشير المؤشرات الاقتصادية إلى زيادة التصدعات في الهيكل الاقتصادي للبلاد.
وتشمل هذه التحديات، بحسب تقرير نشرته صحيفة "تليغراف"، التضخم المتسارع ونقص العمالة والضغوط على القدرات الإنتاجية؛ ما يضع الاقتصاد الروسي أمام اختبارات حاسمة.
ورغم نجاح الكرملين في تجنب الانهيار الاقتصادي، يحذر الخبراء من أن الضعف البنيوي للاقتصاد بات أكثر وضوحًا.
ورفع البنك المركزي الروسي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أسعار الفائدة إلى 21%، وهو أعلى مستوى منذ 21 عامًا، ما أثار استياء الأوليغارشية المقربين من الكرملين.
ووصف رئيس شركة "روستيخ" الدفاعية الحكومية، سيرغي تشيميزوف، القرار بأنه "فرملة خطيرة للنمو الصناعي"، محذرًا من إمكانية دخول الاقتصاد في مرحلة "ركود تضخمي".
من جانبه، انتقد أليكسي مورداشوف، أحد كبار رجال الأعمال في قطاع الصلب، هذه السياسة، مشيرًا إلى أنها تثبط الاستثمار في التطوير.
ورغم هذه الانتقادات، تحظى محافظة البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، بدعم وثقة الرئيس فلاديمير بوتين، الذي يعتمد على خبرتها لإدارة تداعيات العقوبات والحرب.
وأوضح خبراء أن بوتين يضع أولويته في السيطرة على التضخم على حساب إرضاء الأوليغارشية.
وقال أحد الخبراء: "يدرك بوتين أن المشكلات الاقتصادية قد تزعزع استقرار الحكومات، لذا فهو يركز على احتواء التضخم".
ومن أبرز مؤشرات الأزمة الاقتصادية انخفاض معدل البطالة إلى 2.3% في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو أدنى مستوى في تاريخ روسيا، لكن هذا الرقم يعكس نقصًا حادًّا في العمالة بدلًا من القوة الاقتصادية.
وتم تحويل ملايين العمال إلى جهود الحرب، سواء في القتال بأوكرانيا، أو في تشغيل الآلة الحربية المحلية لإنتاج الأسلحة والطائرات المسيرة.
وأكدت نابيولينا، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن "الطلب فاق بشكل كبير القدرات الإنتاجية للاقتصاد".
وتشير تقارير إلى أن الشركات تواجه نقصًا في الأيدي العاملة والمعدات، ما أجبر روسيا على اللجوء إلى دول، مثل: كوريا الشمالية لتلبية احتياجاتها.
وأكد التقرير بقاء التضخم مصدر قلق رئيسًا، حيث ارتفعت الأسعار 8.5% على أساس سنوي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وفقًا للأرقام الرسمية، بينما يعتقد الخبراء أن المعدل الحقيقي يتراوح بين (15- 20)%.
وأظهرت دراسة أجرتها شركة "رومير" لاستطلاعات الرأي أن تكلفة السلع والخدمات اليومية قفزت 28% خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مقارنة بالعام السابق.
وأدى ارتفاع الأسعار إلى إجراءات غير مألوفة، مثل وضع منتجات الزبدة في أجهزة مضادة للسرقة في المتاجر.
وزاد التضخم المرتفع وأسعار الفائدة المتصاعدة من تفاقم الأوضاع الاقتصادية.
ويتوقع المحللون أن يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة إلى 25% قريبًا لمحاولة استقرار الاقتصاد، اذ أدى تراجع قيمة الروبل مؤخرًا إلى تفاقم الضغوط التضخمية، ما رفع تكلفة الواردات وأضعف القوة الشرائية.
وأصبح الاقتصاد الروسي أكثر انقسامًا بين القطاعات المرتبطة بالمجهود الحربي، التي تزدهر بدعم حكومي كبير، وبين القطاعات الأخرى التي تعاني ارتفاعَ أسعار الفائدة وضعف الطلب.
وأوضح أحد الخبراء أن "الصناعات غير المرتبطة بالحرب تواجه ركودًا"، محذرًا من احتمال دخول الاقتصاد غير العسكري في حالة ركود.
وأشارت "تليغراف" إلى أن الاعتماد الكبير على عائدات النفط يبقى أحد نقاط الضعف الرئيسة في البلاد، فرغم أن الميزانية الروسية أصبحت أقل اعتمادًا على النفط مقارنة بخمس سنوات مضت، فإن تقلبات أسعار النفط العالمية لا تزال تشكل خطرًا كبيرًا.
ويحذر الخبراء من تأثير انخفاض الطلب في الصين، أو زيادة العرض من أوبك أو الولايات المتحدة، على تراجع الأسعار بشكل كبير.
ويواجه الكرملين معضلة حساسة في المرحلة المقبلة، فرغم أن السياسات الاقتصادية الحالية نجحت في تجنب الانهيار، فإن استمرار الضغوط الناتجة عن العقوبات والتضخم واضطرابات الحرب قد يهدد الاستقرار الاقتصادي.
ويشير الخبراء إلى أن مستقبل الاقتصاد الروسي يعتمد بشكل كبير على أسواق النفط العالمية، وقدرة الحكومة على إدارة التحديات المحلية، بما في ذلك نقص العمالة وارتفاع التضخم.
أما بالنسبة للمواطنين الروس، بحسب التقرير، فإن القلق الأكبر يبقى متمثلًا في ارتفاع تكاليف المعيشة، إذ أصبحت القدرة على شراء المواد الأساسية تعكس الأثر اليومي للتحديات الاقتصادية الكبرى.