الزعفران السوري.. قاتل السحر وذهب التجارة العالمية

لم تتوقع "أم محمد"، أن يكون علاج ابنتها هو 200 غرام من الزعفران السوري، المقطوف حصريًّا من منطقة "جوسية" في حمص، فقد أنفقت الكثير من المال للأطباء، دون جدوى، بينما كانت ابنتها تذوي بين يديها ولا يفيدها أي علاج.

الفتاة ممسوسة بالسحر الأسود، قالها الشيخُ لأم محمد، وطلب منها ركوب أول باص ينطلق من مدينة الحسكة إلى حمص، لتأتي بالزعفران بسرعة، قبل أن تفتك بابنتها تعويذة السحر الشيطاني كما سمّاها.

تخيلت أم محمد، أنها في فيلم من الخيال العلمي، لكنها نفّذت ما قاله الشيخ، ولم يكن تأمين 200 غرام من الزعفران السوري، أمراً سهلاً، فاستعانت بمؤونة فلاحي حمص، الذين جمعوا الكمية المطلوبة من منازلهم، وأعطوها لأم محمد بسعر مخفض.

ثلاثة أشهر من شرب ماء الزعفران والاستحمام به، مع قراءات تلاها الشيخ على هذا السائل الأصفر الذهبي الممدّد بكميات وفيرة من المياه، كانت كافية لتبرأ الفتاة من شيطان السحر، وتعود لحياتها الطبيعية.

حاولنا التواصل مع أم محمد في الحسكة، لكن ظروف الحرب والمعارك هناك، حالت دون ذلك، فحصلنا على تفاصيل القصة من مزارعي الزعفران في "جوسية" حمص، الذين تواصلوا مع الأم أثناء علاجها، قبل أن تنقطع الاتصالات نهائيًّا معها.

النبات الساحر المليء بالغموض

ويحتل الزعفران السوري، مكانة خاصة في الطب الشعبي، ويوصف كدواء للخلاص من السحر وأمراض الكآبة ووهن الجسم. ورغم أن الأطباء لا ينكرون فوائده الكثيرة، إلا أنهم يعتقدون بوجود مبالغات مشوبة بالخرافات، حول هذا النبات الساحر.

وتقول الدكتورة أليسار عجوب، لـ"إرم نيوز": "يتميز الزعفران بوجود مادة السافرانال، ومجموعة كبيرة من مضادات الأكسدة، مما يجعله قويًّا في مقاومة السرطانات، بالإضافة إلى أنه مصدر غذائي كبير".

 وتعتقد الدكتورة عجوب، أن ندرة النبات، وغلاء سعره، وضرورة زراعة مساحات واسعة من الأراضي للحصول على بضع غرامات منه؛ هي السبب وراء الروايات القائلة بأنه قاتل السحر الأسود، والشافي من جميع الأمراض.

وتقول المهندسة الزراعية، ريجينا ملوك، لـ"إرم نيوز":

"حتى نحصل على كيلوغرام واحد من الزعفران، يجب زراعة 10 آلاف م2 من الأراضي المناسبة لنموه. فالجزء الهام من الزعفران، هو الميسم، وكل زهرة تحمل ثلاثة مياسم، يجب قطفها بعناية وسرعة بعد النضوج، قبل أن تجفّ".

ويعتبر الزعفران السوري البرّي، من أفضل أنواع الزعفران، لكن وجوده أصبح نادراً بعد الحرب؛ بسبب تضرر مناطق واسعة من الأراضي بالحرائق والعمليات العسكرية.

الذهب الأحمر.. جاذب الثروة والحظ!

وخلال السنوات الماضية، عادت زراعة الزعفران للازدهار في سوريا، نظراً لغلاء سعره محليًّا وعالميًّا، فمراكز التسوق العالمية حددت سعر الكيلوغرام الواحد بأكثر من 1550 دولاراً. وبالتالي تعتبر زراعته خياراً جيداً من الناحية التجارية.

كما يعتمد على الزعفران، معظم العاملين في الطب الشعبي والبديل، ويحتل عند الكثيرين قيمة معنوية وروحية، خاصة أنه يستخدم في صناعة أدوية الصحة النفسية، والعديد من العلاجات الحديثة.

وتشجع وزارة الزراعة السورية، الفلاحين على زراعة الزعفران، كما تقوم مراكز البحوث الزراعية، بإجراءات الاختبارات وتوفير "الكرومات" الكافية للفلاحين من أجل توسيع زراعة الزعفران.

وقد أقامت الوزارة عدة ورشات عمل وتدريب على زراعة الزعفران في منطقة "جوسية" في حمص، باعتبارها المنطقة الأشهر لهذا النبات. كما نشرت صفحة الإعلام الخاصة بالوزارة، تفاصيل عن مشاريع تعاون مع منظمات دولية بهدف إحياء الزعفران السوري، ونشر زراعته في مدن الساحل، والسويداء، وحلب، والمنطقة الوسطى. 

ويترافق الاهتمام بالزعفران السوري، مع العناية بنباتات أخرى، لها شهرة كبيرة في معالجة الأمراض، مثل "القبار، والقندريس، والقرّيص.."، ويقول المعالج بالطب الغذائي، أمين محمد، لـ"إرم نيوز": "إن وصفات غذائية من هذه النباتات، تحمي الإنسان من عمليات القلب المفتوح، والقسطرة؛ لأنها تحافظ على صحة الشرايين والقلب".

الزعفران في الطعام والشراب

ويعشق محبو الزعفران في سوريا، شربه مع الشاي، لكنه لا يقدم إلا للضيوف المهمين في المناسبات؛ نظراً لندرته. ويفضل آخرون شربه مع الهيل، أو الحليب. وفي الشتاء يتفنّن محبّو الأعشاب الطبيعية، بإضافة القليل من الزعفران إلى الزنجبيل والقرفة. كما يمكن إضافة توابل الزعفران للطعام من أجل النكهة والتلوين.

ويمكن للضيف، اكتشاف مكانته عند المُضيف، من وجود الزعفران في الشراب المقدم. فإذا ما قُدم له الزعفران مع المكسّرات وماء الورد، فهو من المدللين عند أهل البيت حكماً.

وتقول الدكتورة أليسار عجوب:"بناء على قاعدة البيانات الوطنية للمغذيات التابعة لوزارة الزراعة الأمريكية، فإن الزعفران، يحتوي على أكثر من 150 مركباً، بما في ذلك الكاروتينات، والسفرانال، والكروسين، وهي من مضادات الأكسدة القوية".

وتضيف: "ويعتبر الزعفران منجماً للمعادن والفيتامينات، ففيه فيتامينات "أ و سي، وريبوفلافين، ونياسين، وثيامين، وفيتامين ب 6، وحمض الفوليك، وفيتامين ب 12، والبوتاسيوم، والحديد، والمغنيسيوم، والفوسفور، والصوديوم، والزنك".

وتكبر أسطورة الزعفران عند الكثير من الناس، فيستخدمونه كحرزٍ وقائيّ ضد الأمراض كي لا تحدث، ومضادٍّ لتعويذات السحر لأنه يفشلها منذ البداية. ويتخيل العشاق أن قلوب الحبيبات، تصبح حنونةً أكثر، إذا شربنَ الزعفران.

في كل هذا، يبدو الزعفران، أو الذهب الأحمر، كما يسميه جميع شعوب العالم، نباتاً مثيراً للخيال ومليئاً بالتفسيرات والأساطير. إنه نبع الثروة، والصحة، والراحة النفسية، والحكمة.