عاجل

الأمم المتحدة: استهداف الآلاف دون معرفة من كانت بحوزته الأجهزة ينتهك القانون الدولي الإنساني

logo
منوعات

بسبب ضعف القوانين وغياب الخطط... "جكتيس" مدينة أثرية تونسية يلفّها النسيان

بسبب ضعف القوانين وغياب الخطط... "جكتيس" مدينة أثرية تونسية يلفّها النسيان
31 يناير 2022، 7:22 ص

تعد منطقة "جكتيس" واحدة من أكثر المدن الأثرية التي اشتهرت في تاريخ تونس، اعتبارا للمحطات الحضارية التي مرت عليها والتي صقلت كيانها الجغرافي بلمسات أثرية مميزة، غير أنها لم تحظ بما يليق بها من اهتمام، وصارت جزءًا من تاريخ منسيّ.

ورغم أنّ المنطقة تختزن تراثا ضاربا في التاريخ، ويمثل امتدادا لهوية الشعب التونسي فإنّ جكتيس تبدو اليوم شاحبة يتراكم عليها غبار النسيان، ما بات ينذر بطمس ملامحها وإضعاف قيمتها التاريخية.

وتقع المنطقة الأثرية جكتيس في قرية بوغرارة التابعة لمحافظة مدنين، في الجنوب الشرقي للبلاد التونسية، وتعتبر المنطقة واحدة من أبرز المعالم الأثرية في تونس، وواحدة من أروع المدن الرومانية في الجنوب التونسي، ويعود تاريخها إلى العهد البونيقي وكانت تتميز بأهمية إستراتيجية بما أنّها تقع على الطريق بين لبدة الكبرى وقرطاج، شمالا (الواقعة في العاصمة تونس اليوم).

وكانت هذه المدينة البارزة خلال القرن السادس قبل الميلاد جزءا من الأراضي التابعة لسيطرة قرطاج، لتخضع فيما بعد للاحتلال الروماني بعد الحروب البونية، وتميزت المدينة في القرن الأول بعد الميلاد بنسيج عمراني متطور، وعرفت ازدهارا كبيرا في العهد الروماني لتصبح على إثر ذلك محطة تجارية هامة تحيط بها عدة أحياء سكنية، كما خلف هذا التعاقب البشري عليها عدة معالم من أهمها "فوروم" روماني و"كابيتول" إضافة إلى عدد من لوحات الفسيفساء.

وتختزل هذه المنطقة الأثرية العديد من الهويات التي مرت على التاريخ البشري هناك، وتحمل بصمات لمختلف الحضارات المتعاقبة عليها، منها البربرية التي تجسدت في عدد كبير من الأدوات والتحف وأيضا الرومانية التي اختزلتها المعابد والحمامات والساحات العامة، وعرفت جكتيس ازدهارا كبيرا في العهد الروماني وكان لها دور اقتصادي وسياسي هام في العهود القديمة بالنسبة إلى كامل الإمبراطوريات الواقعة على سواحل الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.

امتداد للتاريخ

ويقول محافظ المنطقة الأثرية الأسعد بوملاسة في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، إنّ "المنطقة تعكس امتدادا شاسعا للتاريخ ولها خصوصية مميزة مثل المناطق الأثرية الأخرى الموجودة في تونس، حيث تحتوي على معالم متعددة وتمتد مساحتها على مدار 88 هكتارا، وإلى حد هذه اللحظة شملت الحفريات 5 هكتارات وتحتوي المنطقة على مجموعة من المعالم السياسية والدينية والاجتماعية، بالإضافة إلى الساحة العامة للمنطقة".

وأكد المحافظ أنّه بعد تراجع جائحة "كورونا" ستنطلق في القريب حفريات جديدة وستقوم بكشف أجزاء مهمة من المدينة التي مازالت مدفونة تحت الأرض.

ولا تكمن قيمة هذه المدينة الأثرية في المرجعية التاريخية فحسب، وإنما أيضا في المنطقة التي باتت جزءا لا يتجزأ منها، بوغرارة المنطقة البيئية النادرة، التي تأسست على أنقاض المدينة الأثرية وتحديدا الميناء البونيقي العريق، والذي كان على حد تعبير الأسعد بوملاسة هو الفيصل في جعل المنطقة إستراتيجية عالميا، وذلك اعتبارا للميناء الذي ينفتح على خليج بحيرة بوغرارة اليوم، ومن ثم على البحر الأبيض المتوسط ككل.

جغرافيا منعزلة

عندما يتوجه الزائر إلى المنطقة هناك، ينجذب بداية إلى خصوصية المنطقة عموما نظرا لطبيعتها الزراعية وانعزالها عن كل المدن بالمحافظة فيما تحيط بها قرية بوغرارة الريفية، وتتمركز المدينة أيضا على ضفاف بحيرة بوغرارة، فقبل أن يتراجع منسوب المياه عن اليابسة كان ميناء المدينة قريبا من المنطقة الأثرية، وكانت سفن التجار والحرب ترسو على الجزء الشرقي من المدينة حيث يتوقف التجار والجند هناك ويدخلون معابد جكتيس الساحرة وساحاتها العامة ويدخلون أسواقها الفاخرة ليتبضعوا ويروجوا منتجاتهم التي شقت البحر الأبيض المتوسط من روما إلى جنوب البلاد.

ومع مرور كل تلك السنوات ومع تعاقب حضارات عدة على تونس، تحولت المدينة إلى معلم أثري يبدو اليوم في أمس الحاجة إلى من ينبش الغبار عنه ويكشف عما خلفه القدامى من آثار وإنجازات، تختزل في معالم العبادة والتحف والتماثيل واللوحات والمقابر وغيرها من القطع النادرة.

تهميش غير استثنائي

ولا تمثل جكتيس في ذلك استثناء حيث تعاني معظم المناطق الأثرية في تونس من التهميش، كما يتعرض عدد كبير منها إلى النهب وذلك جراء غياب سياسات واضحة من طرف الدولة لحمايتها.

وبخصوص القيمة الأثرية لهذه المنطقة يقول المدير السابق لمعهد التراث عدنان الوحيشي في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، "تعتبر جكتيس من أبرز المعالم الأثرية المعروفة في تونس نظرا للقيمة الأثرية والتاريخية التي تتمتع بها، لكن حالها كحال معظم المناطق الأثرية في تونس والتي تعاني من غياب قانون واضح يقر بحمايتها، فالدولة التونسية مسؤولة على هذا وبموجب اتفاق حماية التراث العالمي الذي أمضت عليه تونس في سبعينيات القرن الماضي مع منظمة "اليونسكو" كان من المفترض أن يتمّ وضع تشريعات قانونية تحمي المناطق الأثرية ووضع سياسات حفريات واضحة".

ويشير عدنان الوحيشي في هذا الصدد إلى المنطقة الأثرية بقرطاج كنموذج من المناطق التي طالتها الانتهاكات ويقول في الإطار نفسه، إنّه "خلال سنة 2014 كنت على رأس إدارة معهد التراث ووضعت مع مجموعة من الخبراء في مجال التراث مخططا للتهيئة، حتى ننطلق في حماية المناطق الأثرية من الانتهاك ومن ثمة وضع خطط حفريات واضحة تكشف عن معالم هذه المناطق، لكن للأسف وقع سوء تفاهم ولم نتمكن من تمرير هذا المشروع ".

ووفق الوحيشي فإنّ وضعيات جكتيس وقرطاج وصقانس (بمحافظة المنستير الساحلية) وعدد كبير من المناطق الأخرى لا تختلف كثيرا عن بعضها البعض، الانتهاكات تسجل باستمرار ويبقى المشكل في هذا وذاك في غياب التشريعات القانونية الواضحة التي يمكن أن تنظم هذا القطاع وتحميه."

ولا تزال آمال القائمين على التراث في تونس معلّقة تتطلع إلى انطلاق الحفريات اللازمة والكشف عن مخزون مكنون في هذه الأرض، ذلك أن جزءا كبيرا من هذه المدينة الأثرية مدفون تحت الأرض، ويتطلب الأمر مبادرات وإستراتيجيات جادة من السلطات للنهوض بالمناطق الأثرية وتثمين محتوياتها.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC