الصين: مستعدون للقيام بدور بناء لإنهاء حرب أوكرانيا
لا تخفي الدول الأوروبية تعويلها على الأجيال الجديدة من المهاجرين العرب الذي وصلوا القارة السمراء بكثرة خلال السنوات الأخيرة.
وتحرص الحكومات الأوروبية على دمج الجيل الجديد في المجتمع الأوروبي، عبر المؤسسات التربوية والاجتماعية والمجتمع المدني.
ولذا، وجد أبناء المهاجرين العرب أنفسهم في كنف عائلة ربّها عربي شرقي، ويكبرون في مجتمع أوروبي غربي يشارك بكل مفرداته في تنشئتهم، ما جعلهم ضحية فجوة تسبب لهم اضطرابات نفسية عديدة أهمها اضطراب الانفصال عن الواقع.
بين أهلي ومجتمعي
وقال رواد جرجور (18 عاماً) وهو سوري يعيش في هنغاريا لـ"إرم نيوز": "أجمل ما في هذه البلاد هو التحرر والاستقلالية، وهو ما يحسدنا عليه الأقارب في سوريا، فهل يعقل أن نعيش هنا على طريقتهم وعاداتهم البالية!؟".
وأضاف رواد الذي يدرس الثانوية ويعيش مع أهله: "أشعر بأنني أعيش حياتين، أو عالمين، الأول شرقي في المنزل والثاني أوروبي متحرر في المدرسة والنادي، والمشكلة في الشعور الذي انتابني مؤخراً وهو الجدار بيني وبين أهلي".
وما يشعر به رواد بحسب علم النفس هو اضطراب الانفصال عن الواقع، والذي يعرف علمياً بأنه شعور المريض بتشوش البيئة المحيطة به أو عدم وضوحها أو بأنها ثنائية الأبعاد أو زائفة أو على جانب آخر فرط الوعي بهذه البيئة ووضوحها له.
وهنا قال رواد: "دائماً ما أخفي بعض السلوكيات عن أهلي، لكنني مؤخراً سئمت هذه الحياة، والعيش في هذا الانفصام".
وعن المفاضلة بين النمطين تحدث رواد: "إذا اخترت نمط حياة أهلي، لن أنسجم مع أقراني الذين أشاركهم كل تفاصيل حياتي وأتحدث لغتهم، وفي المقابل لا أجيد مصارحة أهلي بأي تفصيل له علاقة بحياتي الاجتماعية، لأنها بنظرهم سلوكيات غير صحيحة، لا تتناسب مع ديننا ومجتمعنا".
الغلبةُ لـ"الشرقية"
ويمنح المجتمع الأوروبي الدور الأكبر في التربية والتنشئة إلى المدرسة والمؤسسات التربوية والفعاليات الاجتماعية، وذلك على حساب الأسرة التي تنال الحصة الأكبر في المجتمعات العربية.
ويصطدم الآباء العرب بهذه الحقيقة عندما يربون أطفالهم في أوروبا، ويرفضونها في بعض الأحيان ويزجون نفسهم في صراع معها، والضحية دائماً الطفل الذي يعيش هذا الانفصال.
وهنا قال عرفان العلي (62 عاماً) لـ"إرم نيوز": "أعلم أن مسؤولية خلق التوازن بين الأسلوب الشرقي والغربي تقع على عاتق الأهل، وأحاول جاهداً عمل ذلك، لكنني أفشل في معظم الأحيان".
ويربي عرفان شابين وفتاة خلقوا في ألمانيا ولا يعرفون من العربية إلا لغتها، وجميعهم في سن المراهقة، بينما يتمسك عرفان بالعادات العربية والتقاليد الشرقية ويعترف بفشله في الانعتاق عنها رغم وجوده في ألمانيا لمدة 22 عاماً.
وتابع العلي: "عاشرت المجتمع الأوروبي طويلاً، هم متفوقون علينا في الكثير من الأمور ولديهم الكثير من العادات الاجتماعية الصحيحة، لكنها لا تتناسب مع ديننا وأعرافنا، لذلك لم أربِّ أطفالي عليها"، وفقا لقوله.
ويروي عرفان بـ"فخر" حادثة حصلت مع ابنته ذات الـ 17 عاماً: "عادت ذات مرة إلى المنزل باكية، سألتها عن السبب، قالت لي أن زميلها في المدرسة حاول أن يقبلها فصفعته على وجهه، ومضت إلى المنزل".
لم يكترث الأب لسبب بكاء ابنته الحقيقي، ومضى متفاخراً بدفاعها عن "شرفها"، ضارباً بعرض الحائط حالة الانفصال عن الواقع التي تعيشها وتداعياتها.
تلك التداعيات بحسب ما نشره موقع منظمة الصحة العالمية يمكن أن تؤدي إلى صعوبة في التركيز على المهام أو تذكر الأمور، وتعارض العمل والأنشطة اليومية الأخرى، ومشكلات عديدة في العلاقات مع العائلة والأصدقاء تصل حد القلق أو الاكتئاب وأحيانا شعوراً باليأس.
غدا الكذب حلاً
هنادي النحاس (اسم مستعار) فلسطينية، تدرس الذكاء الاصطناعي في جامعة بروكسل الحرة، قالت لـ"إرم نيوز": "الكذب هو الوسيلة الوحيدة لمداراة والدي العربيّين في أوروبا".
وتحدثت ابنة الـ 25 عاماً عن حياتها: "اخترت الدراسة في مدينة أخرى لأخلع الحجاب، ولدي حسابان على مواقع التواصل الاجتماعي، واحد للأهل والأقارب، وواحد لأصدقائي في بلجيكا".
وتابعت هنادي: "أعيش حياتين بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وبالتأكيد أنا أميل إلى الحياة الأوروبية فأنا خلقت هنا، وحياتي الآن هنا، ولا أعرف فلسطين إلا من خلال أحاديث جدتي ووسائل الإعلام".
لجأت هنادي العام الماضي إلى الأخصائي النفسي في جامعتها الذي شخّص ما تشعر به من قلق وآلام هضمية ناجمة عن التوتر باضطراب الغربة عن الواقع وتبدد الشخصية.
وهنا أكدت هنادي عدم إمكانية تطبيق العلاج الذي وصفه الطبيب، وقالت: "عادة يصيب هذا الاضطراب الأشخاص الانطوائيين، ويعالج بجعل الشخص متواصلا مع عالمه ومشاعره تواصلاً أكبر، وهذا لا يمكن القيام به بالنسبة لحياتي القابعة بين عالمين اثنين".
وختمت هنادي حديثها: "حياة شاقة ابتليت بها ولا خروج منها إلا بنسف علاقتي مع أهلي، وهو أمر لا أقوى عليه، لذلك قررت مداراتهم على حساب حياتي وصحتي".