logo
منوعات

يهزؤون بالسوشيال ميديا.. ويبدعون في الظل

يهزؤون بالسوشيال ميديا.. ويبدعون في الظل
تعبيرية المصدر: Getty Images
27 أغسطس 2024، 9:47 ص

يتركون مواهبهم تقودهم، فلا يهتمون بالدعاية والتسويق؛ لأنهم مجبولون هكذا بشكل فطري، يخدمون شغفهم بالفن ويعملون، فتأتي الشهرة إليهم؛ لتحتفي بما يقدمون، ينصحهم الكثيرون بالإعلان عن أعمالهم عبر السوشيال ميديا، فيبتسمون دون أن يهرعوا إلى إنستغرام أو التيك توك.

صانع الأعواد والكمنجات والربابة

الدخول إلى منزل نزيه عيسى، يشبه المتاهة. فمن الباب الرئيسي، يبدأ الطريق بالانعطاف يميناً ويساراً ليفضي إلى ساحة واسعة، في نهايتها مشغل صناعة الآلات الموسيقية.

المكان بسيط، لكن سمعته أصبحت أشهر من نار على علم. هنا اخترع نزيه، أشكالاً مختلفة لآلة العود الأصيلة، وطوّر الربابة والكمنجة، مستخدماً أنواعاً مختلفة من الأخشاب والجلود.

ويقول نزيه لـ"إرم نيوز""أحنّ خشب يناسب عزف العود، هو الجوز البلدي. لكن الناس تُغرم بالأبنوس الأجنبي، وتعود بعد التجربة للجوز".

e21f19be-daf8-470d-9b4a-ab888d3a4225

لم يدرس نزيه صناعة الآلات الموسيقية أكاديمياً، بل سار خلف عشقه للموسيقى، وجرب أن يصنع العود لأول مرة منذ 40 سنة، فنجح وطور التجربة، ليصبح من أشهر صانعي الأعواد في سوريا والعالم. يضيف نزيه "صنعت أشكالاً مختلفة من آلة العود، وجربت العود المسطح، والعود مستقيم الذراع. استبدلت الخشب بالجلد على الواجهة، وعدت إلى الربابة، آلة الوتر الواحد، فجعلتها تتفوق على آلات الأوتار المتعددة".

أشهر عازفي العالم، يقتنون أعواد نزيه عيسى، لكنه لا يضع علامة تجارية على أعواده، ويزهد في الشهرة وكسب المال. ويضيف "أخدم عشقي لصناعة الآلات الموسيقية. الثروة لا تعني شيئاً، ولا أهتم بكسب الجمهور، فليس لدي صفحات على السوشيال ميديا".

اخترع نزيه آلاتٍ تساعده على صناعة الأعواد، ووسّع مشغله البسيط قليلاً، نظراً للطلب الكثيف. ولأنه يعزف بشكل احترافي على العود والكمنجة والربابة، صار يفهم تلك الآلات جيداً، ويعرف ما يناسبها. يضيف نزيه "هناك علاقة يجب أن تنشأ بين العازف وآلته الموسيقية، حتى يتمكن من الإبداع. وإذا لم ينسجم العازف مع آلته، فلن يتمكن من العبور إلى أرواح المستمعين وجعلهم يصغون".

جعل الرخام ينطق

يقول الفنان علي فخور، إن أول منحوتة صنعها، كانت من الجبس، وقد أذهلت أساتذة المدرسة، فاحتفظوا بها في غرفة الإدارة، وصاروا ينادونه لمقابلة مسؤولي التربية، ليشاهدوا طالب الصف الخامس الابتدائي، الذي نال لقب الفنان الواعد مبكراً. يقول علي لـ"إرم نيوز":"هرعت إلى البرية بحثاً عن الأحجار، وعانيت كثيراً في التعامل مع الصخور، وعندما تمكنت من نحت أول عمل، أعجب به الناس، ولم يصدقوا أنني من فعل ذلك".

430c08e7-426a-40d1-9f04-31024795a366

وتنقل علي، بين عدة مواد، ثم استقر على نحت الرخام. ذلك الصخر القاسي الحساس، كان بمثابة امتحان بالنسبة إليه. فاستمر بالعمل في المنزل، ونحت أشكالاً مذهلة، دون أن ينال أي شهرة. ويقول علي "تبعت عشقي، وكان الناس يرون أعمالي عند زيارتنا، فتصيبهم الدهشة. وعندما جاءتني دعوة إلى المشاركة في معرض محلي، قدمت عدة أعمال نالت شهرة جعلتني أتلقى دعوة إلى المشاركة في معرض عالمي".

وتعرّض علي، في بداية مسيرته الفنية، إلى الكثير من التشكيك، بسبب عدم دراسته الأكاديمية للفن. وقال بعضهم إنه يستخدم أحماضاً تؤثر في الرخام لتجعله يأخذ تلك الأشكال. فصور مراحل عمله في المنحوتة على شكل فيديو.

مضت سنوات، وعلي يعمل في إحدى غرف المنزل التي حولها لمشغل للنحت. فجاءته دعوة إلى المشاركة في معرض خارجي، وتلك كانت بداية إطلالته العالمية. ويضيف "حققت أعمالي نجاحاً كبيراً في أوروبا، وأتتني عدة دعوات للمشاركة في معارض أخرى. كانت أعمالي تقود مسيرتي الفنية، وليس الدعاية أو السوشيال ميديا".

تطورت تجربته النحتية، وكلما مضى الوقت، كان علي يضيف شيئاً جديداً إلى منحوتاته الرخامية. اعتمد على الأسطورة، ومزج بين السريالية والواقعية، وصارت أعماله موزعة في أهم الأماكن حول العالم.

ميزانية العمل المسرحي 50 دولاراً

يقاتل أبو الفنون في سوريا، كي يستمر رغم الحرب والظروف الاقتصادية الصعبة. ويبدو الفنان محمد الشعراني، كمن يقارع طواحين الهواء، وهو يعتلي الخشبة ليقدم عرضاً مونودرامياً بميزانية تبلغ 720 ألف ليرة، "50" دولاراً.

ويقول الشعراني لـ"إرم نيوز": نحن نتبع شغفنا، بصرف النظر عن الصعوبات والمكافآت المالية، وقد أضطررت مؤخراً للتركيز على المونودراما، عرض الممثل الواحد، بسبب الميزانية الضعيفة للأعمال.

ورغم أن محمد، كان قد درس في المعهد المتوسط للمراقبين الفنيين، بيد أن موهبته وعشقه للمسرح، أخذاه إلى مكان آخر، فحضر دورات أقامها الراحل نضال سيجري وإيليا قجميني، بهدف صقل الموهبة.

77dc121a-8004-44a8-afe9-f4181c1c9f3d

وشارك محمد في تأسيس "مهرجان الماغوط المسرحي" في حماة، العام 2006، ونال جائزة أفضل ممثل في مهرجان الرقة المسرحي العام 2008، وبدأ إطلالته العربية في مهرجانات الأردن وقطر.

ويؤكد محمد، أن التعلق بالمسرح، خيار إبداعي لا مفر منه، بصرف النظر عما تعانيه الفنون بسبب السوشيال ميديا التي تقدم الوجبات السريعة غير الدسمة. ويضيف "لسنا محكومين بالشهرة والجري وراء المال. نحن نقتفي أثر شغفنا الذي يرضينا، فهو الوحيد القادر على منحنا التوازن".

وظهر محمد الشعراني، مثل دونكيشوت، منذ أيام، وهو يقدم عرضاً مونودرامياً بعنوان "الحفار والغربة"، بميزانية ضعيفة، دعمها بعض المهتمين بالمسرح. يقول محمد"720 ألف ليرة لا تكفي لإنتاج مسرحية، فاخترت عرض المونودراما، وقام بعض المتحمسين للمسرح والثقافة، بتقديم تكاليف الديكور والطباعة، فأنجزت العمل وكنت الممثل والمخرج معاً".

ويظهر محمد أساه، وهو يستعرض ما آل إليه المسرح بعد الحرب. ويبدي تمسكه بالدورات المجانية التي يقيمها للشباب، ويقول "مثلما علمنا نضال سيجري وإيليا قجميني بشكل مجاني، نحن لا نتقاضى شيئاً على الدورات التدريبية، فالمهم هو استمرار المسرح".

تثبت التجربة، أن السوية الإبداعية لا تغرم بالشهرة والمال، بل تأتي الشهرة مرغمة إليها. أولئك العاملون تحت وطأة الظروف وضعف الإمكانيات، يظهرون كمقاتلين أسطوريين، يقاتلون، فقط، من أجل مجد الفنون. 

 

 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC