الخارجية الأمريكية: ما نريد القيام به هو وقف المذبحة واستخدام الناس دروعا بشرية في غزة
تشتهر ليالي شهر رمضان في حضرموت اليمنية، بأعياد شعبية مصغرة، تُمارس فيها طقوس دينية واجتماعية، تتوارثها الأجيال منذ القدم، في تقاليد سنوية تتحدى أوضاع البلد.
ومع قدوم أول أيام الأسبوع الثاني من رمضان، تبدأ فعاليات "الختايم" في التوالي بين المناطق المحيطة بكبرى مساجد حضرموت بساحلها وواديها، ابتهاجا بإتمام التلاوة الجماعية للقرآن الكريم، في مواعيد محددة سلفا لكل مسجد.
تشير المصادر التاريخية، إلى ارتباط ظهور "الختايم" في حضرموت، بالشيخ سالم فضل الذي توفي في العام 581 هجرية، بعد عودته من العراق التي أمضى فيها 40 عاما طالبا علوم الشريعة، إلى مدينته تريم، وسط المحافظة.
وبحسب الروايات المتداولة، فإن الشيخ فضل، رتّب (حزوب) القرآن التي تُسمى بـ"المقارئ" ووزعها على الأسبوع، بحيث يُتلى في الحلقات 7 أجزاء يوميا، وفق ترتيب عجيب، يُنهي تلاوة المصحف في غضون 5 أيام، وهو ما ساعده على إعداد برنامج منظم خاص بمساجد تريم، لتوسيع الفكرة وتعميم البركة في أنحاء المدينة، قبل أن يشمل ذلك لاحقا كل مناطق حضرموت.
وذكر الباحث التاريخي، أحمد الرباكي، أن تلاوة ومدارسة القرآن تجري بشكل جماعي في حلقات مخصصة تقام بعد صلاة الظهر أو التراويح وقبيل الفجر، بمشاركة من رواد المسجد وسكان المنطقة القريبة منه.
وقال لـ"إرم نيوز"، إن تسمية "الختايم" أو "الختومات"، مشتقّة من ختم القرآن الذي يكون خلال الليالي الوترية، ووفق ترتيب مسبق، بالتزامن مع احتفالات وعادات اجتماعية تشهدها المناطق المحيطة بالمساجد.
وأشار إلى أن رواد المسجد الذين يختتمون القرآن، يقومون بدعوة أقاربهم وأصدقائهم في المناطق الأخرى، إلى الولائم التي يقيمونها ويحضرها الفقراء، وتتلوها جلسات منزلية خاصة بالأقارب تُسمى "التشهير"، لتقديم التهاني والتبريكات بالشهر الفضيل، وتبادل أطراف الحديث، في تقليد يعزز صلة الرحم والتماسك الأسري.
وتُدشّن الفعاليات بتهيئة المساجد وتزيينها للقادمين من المناطق الأخرى الذين يبدؤون بالتوافد عصرا لزيارة الأسواق الشعبية المقامة خصيصا لهذه المناسبة، ومشاهدة الرقصات التراثية والعروض التقليدية المصاحبة.
ويصطحب الآباء أطفالهم المزيّنين بأجمل الملابس، إلى المنطقة القريبة من المسجد، للهو واللعب بالمراجيح والألعاب، وتلقي الهدايا والحلويات أثناء مشاركتهم في الزيارات المخصصة التي يطوفون خلالها على منازل الأحياء، وسط أجواء عيدية خاصة، تتميز بها حضرموت.
ويقول رئيس مؤسسة "الرناد" للتنمية الثقافية، أحمد كرامة، إن الطقوس لا تقتصر على الجانب الاجتماعي فحسب؛ إذ تحظى هذه الليلة بأجواء روحانية فريدة، تقام خلالها الصلوات طوال المساء، وتُردد فيها الأدعية والموشحات الدينية والمدائح النبوية، عقب صلاة التراويح.
ويضيف كرامه، في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن هناك أبعادا دينية لهذه التقاليد المتوارثة، تهدف إلى مضاعفة الأجواء الإيمانية خلال الشهر الفضيل الذي يتميز بطابعه الروحاني الخاص، وأخرى اجتماعية، تسهم في تماسك المجتمع الحضرمي وتعزيز أواصره، وتكريس مبدأ التعايش والتكافل والتعاون بين الأهالي، فضلًا عن أجواء الألفة والمحبة التي تخلقها الزيارات، والابتسامات المرسومة على وجوه الأطفال.
مبيّنا أن استمرار "الختايم" على مدى القرون الماضية، وعدم تأثرها الكليّ بظروف البلد الحالية، دليل على عمقها وارتباطها الوثيق بالمجتمع المحلي في حضرموت، رغم الندوب المحدودة التي خلّفتها الأوضاع الاقتصادية على بعض الفعاليات والأنشطة.