"الطاحونة الحمراء".. مسرحية غنائية حول هزيمة الحب في زمن القبح

لم تحقق رواية "الطاحونة الحمراء" التي كتبها كزافيه دو مونتبان شهرة روايته ذائعة الصيت "بائعة الخبز" التي تعد الأكثر مبيعا في القرن التاسع عشر، لكنها حافظت على التوجه العام للمؤلف الفرنسي الذي رحل عن عالمنا في 1902، واشتهرت كتاباته بطغيان الحس المأساوي والأجواء الميلودرامية.

وحين تم تحويل النص الأدبي إلى فيلم سينمائي، 2001، ولعبت بطولته النجمة نيكول كيدمان وإيوان ماكجريجور، استبعد صناع الفيلم التفاصيل المتعلقة بالخلفية السياسية وعلاقة الشخصيات الرئيسية بالبلاط والحكم في فرنسا أثناء القرن الثامن عشر، وركزوا فقط على الدراما الإنسانية داخل النص. 

وبعد مرور 23 عاما، نصبح على موعد مع النسخة الثالثة من "الطاحونة الحمراء" في ثوب مسرحي يحافظ على الاسم نفسه من خلال دراما مصرية شبابية جريئة تراهن على الطابع الغنائي الاستعراضي للعمل، وتعيد اكتشاف أسرار النفس الإنسانية ومفارقات الحياة وغرائب الأقدار.

يكاد يكون هذا العرض الأكثر جذبا للانتباه ولفتا للنظر ضمن 33 عملا تتسابق ضمن المهرجان القومي للمسرح الذي تحتضن القاهرة فعالياته حاليا.

وحافظ كل من مخرج العمل حسام التوني وصاحب الصياغة المسرحية أحمد حسن البنا على جوهر الرؤية الدرامية للفيلم مع الاحتفاظ بحقه في إجراء الكثير من تفاصيل الحذف والإضافة على هامش الخط الدرامي العام الذي يتمثل في وجود شاعر  إنجليزي حالم، بلا تجربة، يسعى لاكتشاف العالم في عنفوانه فيترك بلدته الخاملة ويتجه صوب باريس بحثا عن الإثارة والتجربة. 

قصة المسرحية

يلتقي "كرستيان" شخصا يقنعه بالتوجه إلى ملهى "مولان روج " أو "الطاحونة الحمراء"، وكتابة مسرحية للفرقة هناك، ومن خلال مكوثه وسط أعضاء الفرقة، سوف يجد التجارب والخبرات التي يبحث عنها. 

ويفاجأ الشاعر الشاب بعالم عجيب في "مولان روج" يختلط فيه الأثرياء مع الفقراء، ويرفع الجميع شعار "اللذة أولا"، لكنه يقع في غرام بطلة الفرقة "ساتين" بوجهها الشاحب وجمالها الذي يشبه وردة فاتنة تنبت في المستنقعات. 

وبعد ذلك، تبادله الفتاة حبا بحب، ويتفقان على الهروب من لحظة يتجسد فيه القبح زمانيا ومكانيا من امتهان الجسد، ولكن المشكلة أن هناك شخصا ثريا يدعى "الدوق مونروث" يعتبر "ساتين " ضمن ممتلكاته الشخصية ويغار عليها بجنون. 

وفي الوقت الذي يبدو فيه أن الرومانسية انتصرت على القبح والرقة هزمت الزمن الرديء، يتمكن مرض عضال من الفتاة لتموت بين أحضان حبيبها الذي استعد لكل سيناريوهات جنون الغرام، لكنه لم يفكر في حتمال حدوث زيارة مفاجئة يقوم بها طائر الموت الأسود. 

وهذه الرؤية السوداوية عبر عنها الشاعر أحمد زيدان، الذي نجح في تحويل معظم الحوارات العادية في المسرحية إلى حالة شعرية مغناة، قائلا: "هي قصة بنحكي فيها كل يوم الحب والغيرة والكره والشوق، بس إيه ممكن يدوم ؟ الوقوع في الحب خيبة منها مش ممكن نقوم" .

ويعود تميز المسرحية إلى جملة من الأسباب منها أنها أول عرض موسيقي غنائي، "دراما ميوزيكال"، يتم إنتاجه من خلال "الهيئة العامة لقصور الثقافة"، وهي جهة حكومية تتبع وزارة الثقافة، ولا تملك ميزانية كبيرة للمسرح، وتكاد تكون مخصصاتها في هذا الإطار رمزية للغاية.

واللافت أن العزف الموسيقي يقدم في البث الحي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما تم تبريره دراميا بأن الأحداث تدور داخل ملهى ليلي، وبالتالي وجود الفرقة مفهوم ضمنا ولا يعد شيئا مقحما على الجو العام للعمل. 

ونجحت الممثلة رحاب حسن وزميلها محمود متولي في تقديم "ثنائي عاطفي" يعيد المتفرج إلى زمن بعيد تحلق فيه عصافير البراءة، رغم الفخاخ المنصوبة في كل مكان. 

وتضافرت عناصر السينوغرافيا، لاسيما الإضاءة والملابس والديكور، لتقدم فضاء مكانيا يجسد أشهر ملهى ليلي في العالم، ليس فقط من حيث الشكل الخارجي، بل أيضا على مستوى ما يعتمل بداخله من مفارقات إنسانية وأرواح معذبة وقلوب محطمة.