تُردنَ إيقاع قلوب الرجال في الحب ودفعهم لطلب الزواج؟ ما عليكنّ إلا الاستلقاء داخل صندوق مفروش بحبات الزيتون الطازج في موسم القطاف والدعاء. هكذا تقول الأسطورة الشعبية في بلاد الشام!
وتعتقد الأمهات في مناطق زراعة الزيتون، مثل حمص السورية، أن بناتهنّ المتأخرات بالزواج، لابد أن يتمددن داخل الصندوق فوق حبات الزيتون، ثم تدور الأم حوله وهي تدعو بعدد الحبات المفروشة تحت ابنتها بأن تتزوج ابنتها قريبا.
ويرى الباحث التاريخي الدكتور عبد الوهاب، أن ذلك يرجع إلى مكانة شجرة الزيتون الكبيرة في تراث بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين، فالناس يتعاملون مع الزيتون وزيته كإكسير للحياة وشفاء الأمراض، والخلاص من النحس وجلب الحظ.
ومن أجل أن تكون تلك الوصفة ناجحة، لا بد أن تطبق في أثناء قطاف الزيتون، بحيث تتكثف الطاقة في الحبّات المجموعة تحت الشجرة الأم، ويُختار زيتون شجرة معمرة شهدت الكثير من العصور والظروف واستمرت بالإنجاب.
وتقول أم محمد، من ريف حمص، لـ"إرم نيوز": "الزيتون شجر مبارك، ذكر أكثر من مرة في القرآن الكريم، وهو مصدر رزق وخير وتفاؤل، لذا يعتقد الناس هنا أنه يساعد في حل المشكلات".
وفي أثناء موسم قطاف الزيتون، يزور البعض حقول الزيتون في الريف، من أجل تنفيذ تلك الوصفة السحرية التي تساعد الفتيات في الزواج، وإذا كانت الأم متوفاة أو غير موجودة من أجل الابتهال والدعاء، يمكن الاستعانة بإحدى قريبات أو صديقات الفتاة الراغبة في الزواج.
وتقول إحدى العاملات في حقول الزيتون لـ"إرم نيوز": "إن المرأة التي تستلقي على فراش حبات الزيتون تتخلص من حظها العاثر مباشرة، ويختلف لون وجهها وبريق عينيها يصبح صافيا".
ويرافق قطاف الزيتون أغنيات شعبية تدل على مكانته الكبيرة في الحب والخير، وتحظى "القطفة الأولى" من الحقل بمكانة مميزة، يحرص الفلاح على الاحتفاظ بها كفأل خير في البيت.
ويشبّه الفلاحون الفلسطينيون شجرة الزيتون بالعروس، ويرددون في أثناء القطاف أغنية تقول: "زيتونتي أطيب عروس.. ما بتتثمن بالفلوس.. تحميني الفقر والبؤس.. ومن شر يوم عبوس.. ما أحلاها وقت النوار.. والشجر بدون أزهار".
وفي دراسة نشرتها مجلة "الثقافة الشعبية"، يقول الكاتب عمر عتيق: "حينما يكون الموسم غنيا يتفاءل المزارعون ويسمونه موسم "الماسية"، وإذا كانت كمية ثمار الزيتون قليلة يُسمى "شلتونة". ومن الأغاني الفلسطينية التي تعبر عن الخصب في حبات الزيتون: "زيتونا حامل والزيت بنقط منه.. زيتونا يا وحداني يا رب كثّر منه.. زيتونا حامل والزيت ع جراره.. نايف يا وحداني يا رب تعمر داره".
ويقول الدكتور أبو صالح لـ"إرم نيوز": "ذكرت شجرة الزيتون في الأديان السماوية الثلاثة، ففي العهد القديم ترجع الحمامة التي أرسلها سيدنا نوح من السفينة بعد الطوفان، وهي حاملة غصن زيتون.
كما استقبل السيد المسيح عند دخول القدس، بأغصان الزيتون والنخيل".
أما في الإسلام، فقد كانت شجرة الزيتون مثالًا للنور الإلهي، إذ يقول تعالى في سورة النور «اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ، الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ، الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ، نورٌ عَلَىٰ نُورٍ".
ويتكرر كثيرا وجود أغصان الزيتون على الآثار القديمة، وتقول الباحثة "فابريزيا لانزا" في كتابها "الزيتون.. تاريخ عالمي": "إن تاريخ هذه الشجرة يعود إلى ما بين 5000 و6000 سنة، في سوريا وفلسطين وجزيرة كريت".
وتعتقد أم محمد، أن حبة الزيتون لحظة قطافها من الشجرة تكون مختزنة لكامل طاقتها الإيجابية في التأثير، لذا، لابد من استخدامها في هذا الوقت تحديدا، وتضيف: "حتى السائل والآثار التي تتركها حبات الزيتون في أثناء القطاف على الأيدي، لها مفعول ساحر".
ويضيف الباحث أبو صالح: "إن شجرة الزيتون باخضرارها الدائم ترمز إلى الخصب والاستمرارية والثبات، فهي تعيش مئات السنوات وتبقى قادرة على العطاء والإثمار".
وترسّخ حضور الزيتون في حياة الناس تاريخيا، إذ كان زيته يستخدم لإضاءة الفوانيس ليلا قبل اختراع الكهرباء. ويقول أبو صالح: "حضر تنظيم إنتاج وتجارة زيت الزيتون في قوانين حمورابي البابلي، كما زُينت مقابر الفراعنة بأغصانه الزيتون منذ نحو 1300عام قبل الميلاد".
ويشير الباحث أبو صالح إلى أن صفة المسيح، التي أطلقت على يسوع، تعني الشخص الممسوح بزيت الزيتون. ويضيف: "في الإمبراطورية الرومانية كانت الضرائب تدفع على شكل زيت الزيتون. وفي اليونان القديمة كانت المنتصر في الألعاب الأولمبية ينال إكليلا من أغصان الزيتون وجرة زيتون مكافأة له".