ترامب: سنفرض رسوماً على الأدوية
مع حلول عيد الفطر، تستعيد البيوت العراقية واحدة من أبرز طقوسها المرتبطة بهذه المناسبة، وهي صناعة الكليجة، الحلوى التي لا تزال تحتفظ بمكانتها الخاصة رغم الظروف الاقتصادية وتغيّر الأجيال.
وتتكوّن الكليجة العراقية، من عجينة طريّة تُحضّر من الطحين والسمن أو الزيت، ويُضاف إليها السكر والحليب، وتُنكّه بالهيل أو ماء الورد أحيانًا، لتُشكّل بأشكال دائرية أو بيضوية باستخدام قوالب مزخرفة.
وتحرص آلاف العائلات في مختلف المحافظات على إعدادها داخل المنازل، بوصفها جزءًا من تقاليد العيد التي لا تكتمل من دونه.
وفي منازل بغداد ومدن الجنوب والوسط، تبدأ العائلات في تحضير الكليجة قبل يوم أو يومين من العيد، حيث تُجهز المواد الأساسية مثل الطحين والسكر والتمر والهيل، وسط أجواء يشارك فيها الجميع.
وتتولى الجدات عادة مهمة العجن، فيما تتكفل الأمهات بالحشوات والتشكيل، بينما يسعى الأبناء لتعلّم خطوات التحضير، في تقليد سنوي يربط أفراد الأسرة بذكريات الطفولة ومظاهر الفرح.
وتتنوع الكليجة العراقية من حيث الحشوة وطريقة الإعداد، فهناك من يفضلها محشوة بالتمر، وآخرون يستخدمون الجوز أو جوز الهند، وبعض العائلات تبتكر أشكالًا جديدة، لكن الطابع التقليدي يبقى هو الغالب، خاصة في البيوت التي تحرص على نقل الوصفة من جيل إلى آخر.
وقالت أم حسنين، وهي سيدة من منطقة الحرية في بغداد، لـ"إرم نيوز": "نحرص على إعداد الكليجة في كل عيد، فهي جزء من عاداتنا، ورغم ارتفاع أسعار موادها، لا زلنا نتمسك بهذا الطقس لما يحمله من معنى اجتماعي خاص، وفرصة لجمع العائلة قبل العيد".
بالمقابل، تفضّل بعض العائلات شراء الكليجة من الأسواق أو المخابز، خاصة ممن يواجهون صعوبة في توفير المواد أو لا يمتلكون الوقت الكافي، وذلك بسبب التزامات العمل أو الانشغال بترتيبات العيد الأخرى.
وقالت مروة عادل، موظفة في إحدى الدوائر الحكومية، لـ"إرم نيوز": "نظراً لضيق الوقت، أصبحنا في بعض السنوات نشتري الكليجة جاهزة، لكنها لا تحمل نفس الطابع والمذاق الذي اعتدنا عليه عندما تُحضّر في المنزل، فالتصنيع اليدوي يمنحها طابعًا خاصًا يصعب تكراره".
وتلعب الكليجة أيضًا دورًا اجتماعيًا في تعزيز العلاقات بين الجيران والأقارب، إذ لا تزال عادة تبادل الصحون بين البيوت قائمة في بعض المناطق، حيث تُقدّم الكليجة كهدايا صغيرة، تعكس روح المشاركة في العيد، وتمنح المناسبة طابعًا إنسانيًا حتى في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
وأكد حسين عبد الجليل، وهو شاب في العشرينات من عمره، لـ"إرم نيوز"، أن "رائحة الكليجة مرتبطة بذاكرتنا مع العيد، وهي من التفاصيل التي تمنح للمناسبة طابعها الخاص، حتى وإن تغيّرت بعض المظاهر الأخرى، فوجودها في البيت يمنح شعورًا بأن العيد حاضر فعلًا".
وتعد الكليجة أيضًا رمزًا للثبات الاجتماعي في ظل المتغيرات، إذ يرى كثير من العراقيين أن التمسك بإعدادها هو نوع من مقاومة الضغوط اليومية، وتأكيد على استمرار التقاليد، فحتى في البيوت المتواضعة، تُجهز كميات بسيطة تكفي لتزيين مائدة الضيافة، وتُقدّم مع الشاي للزائرين، كعلامة ترحيب وأصالة.
وفي وقت تراجعت فيه العديد من مظاهر العيد، مثل الزيارات الواسعة أو توزيع العيديات كما في السابق، بقيت الكليجة عنصرًا ثابتًا، يتكرّر حضوره في كل موسم، ويتحول في كثير من البيوت إلى مناسبة قائمة بذاتها، تستعيد من خلالها العائلات جزءًا من الذاكرة، وتمنح العيد ملامحه الخاصة.
وفي صباح العيد، تُرص الكليجة إلى جانب أكواب الشاي العراقي على صواني الضيافة، لتكون من أول ما يُقدّم للزائرين كجزء من تقاليد الاستقبال والترحيب التي تميز هذه المناسبة.