بلاريجيا.. حارسة التاريخ الشاهدة على أمجاد الرومان في تونس (فيديو إرم)

ما إن تطأها بقدميك، حتى تشعر أنك ولجت إلى أزمنة سحيقة مغادرًا الألفية الثالثة لتهبط إلى ما قبل الميلاد أو ما بعده.

فضاء مكاني مذهل يمتلك وجوده المستقل وكأنه رقعة جغرافية انسلت من شرفة التاريخ، وهبطت في تلك البقعة الساحرة من ولاية "جندوبة" التي ترقد آمنة في حضن جبل "ربيعة" وترنو في شموخ وكبرياء إلى الدنيا من موقعها، شمالي غرب تونس.

تلك هي "بيلاريجيا"، حارسة التاريخ وكاتمة أسرار الرومان ومستودع الحضارات المتعاقبة على مر التاريخ.

موقع أثري عبقري في خصائصه، يجمع بين المعابد والأعمدة والحصون وأقواس النصر والمسارح في سبيكة مدهشة صهرها الزمن لتصبح عصية على النسيان.

منازل أثرية فخمة مكونة من طابقين، أحدهما تحت الأرض، لتحكي تعامل القدماء مع تقلبات الطقس صيفًا وشتاءً، أما الحمامات فمؤشر حضاري لا تغفله العين، على حين تأتي لوحات الفسيفساء على الجدران والأرضيات لتصنع إبداعًا مذهلًا في دقته وجمالياته.

تُنطق أيضًا "بولاريجيا" ويقال إن اسمها يعود في جذره اللغوي إلى اللغة اللاتينية، إذ تشير إلى معنى قريب من "العاصمة" أو"المدينة الملكية" في عهد الملك النوميدي "ماسينسيا".

وعلى الرغم من أن جذورها الأولى ترجع إلى القرن الرابع قبل الميلاد، ولكنها لم تكتسب حضورها المتوهج إلا بعد سيطرة القرطاجنيين عليها.

اكتست "بيلاريجيا" برونق السحر الأخاذ على يد الرومان، قبل أن تتحول إلى حاضرة مملكة النومديين وعاصمتهم الزاهرة عام 156 بعد الميلاد في عهد الملك "ماسينيسا"، حليف الرومان.

 تستمد أحد أسباب شهرتها العالمية من روعة العمارة في مساكنها العتيقة التي تحكى الأمجاد الرومانية في تونس القديمة حيث تتنوع أسماء منازلها مثل "منزل القنص" و"منزل الصيد" و"منزل الكنز" و"منزل الصيد البري" و"منزل الصيد البحري"، بحسب نوعية الاكتشافات والأنشطة الأساسية بداخل كل منزل، التي تتجسد في لوحات فسيفساء ضخمة.

وللجانب الروحاني حضور عميق هنا عبر الكنائس الأثرية التي يعود تاريخها إلى القرنين السادس والسابع الميلاديين، ويطل التفكير في العالم الآخر عبر التوابيت والغرف الجنائزية والمقابر المشيدة أفقيًّا وعموديًّا في منظومة معمارية بديعة.