تظاهرات في إسرائيل احتجاجا على عودة بن غفير للحكومة
أن تكون الموسيقى مصدر إلهام وارتقاء وتجاوز هو أمر لا يُختَلف عليه، لكن إثبات قدرتها على الشفاء هو تحدٍ أكبر، يستند في رهانه على وَقع الموسيقى وتأثيرها في النفس، وربما يرجّح بذلك نظريةً تقول بأن "غالبية الأمراض العضوية ذاتُ منشأ نفسي"
في كتابه "الموسيقى كدواء"، يقدم دانيال ليفيتين حججاً قوية لإثبات التأثير العلاجي للموسيقى، مشيراً إلى أمثلة من الفلاسفة مثل كونفوشيوس وأفلاطون.
ويستشهد بقول كونفوشيوس: "الموسيقى تنتج نوعاً من المتعة التي لا يمكن للبشر الاستغناء عنها"، وبتعبير أفلاطون: "الإيقاع والانسجام يتسللان إلى أعماق الروح".
ومن أبرز ما يورده ليفيتين، استشهاد بكتابات أوليفر ساكس، اختصاصي الأعصاب ومؤلف كتب مثل "الرجل الذي أخطأ زوجته بقبعة"، حيث يصف ساكس نهجه الطبي بأنه "موسيقي".
وفي الفيلم الوثائقي "Alive Inside" يظهر تأثير الموسيقى بشكل ملحوظ على رجل مسن في حالة شبه سُبات، حيث يستعيد نشاطه عند سماع موسيقى شبابه.
التأثير العلاجي للموسيقى الشرقية
وبالإضافة إلى ما ذكره ليفيتين، فليست الموسيقى الشرقية بريئةً من ذلك التأثير السحري، بل تلعب دوراً مهماً في تعزيز الصحة النفسية والروحية.
وتمتاز الموسيقى الشرقية بتنوع مقاماتها وأنغامها التي تحاكي المشاعر الإنسانية بعمق، ما يجعلها وسيلة فعالة للتخفيف من التوتر والقلق.
وفي التراث العربي، كانت الموسيقى دائما جزءا من الحياة اليومية، حيث تُستخدم في المناسبات السعيدة والحزينة على حد سواء.
وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن الأنغام الشرقية، مثل تلك المستخدمة في العود أو القانون، تمتلك قدرة فريدة على تهدئة الأعصاب وتحفيز الإيجابية.
ومن الأمثلة اللافتة، هو استخدام الموسيقى الشرقية في علاج المرضى الذين يعانون من اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب، حيث تساعد النغمات الهادئة في استعادة التوازن النفسي والعاطفي.
التأثير العلاجي للموسيقى الغربية
يستند ليفيتين، الذي يمتلك خلفية مزدوجة في علم الأعصاب والموسيقى، إلى خبراته المتنوعة، حيث عمل مستشارا موسيقيا لفنانين مثل سانتانا وستيفي وندر.
وفي كتابه "هذا هو دماغك على الموسيقى"، استكشف كيف تؤثر الموسيقى علينا نفسياً وعاطفياً.
ويوضح ليفيتين كيف أن الموسيقى تتجاوز كونها مجرد مصدر للراحة، لتصبح جزءًا أساسيًا من عمليات الشفاء. ففي معالجة الصدمات النفسية، تساعد ورش كتابة الأغاني المخضرمين العسكريين في التعامل مع أعراض اضطراب ما بعد الصدمة.
تأثير الأمراض على الأداء الموسيقي
يتناول ليفيتين أيضًا تأثير الأمراض على الأداء الموسيقي، حيث يسلط الضوء على حالات مثل ليندا رونستادت التي توقفت عن الغناء بسبب مرض باركنسون، في حين يواصل بوبي مكفيرين الأداء بفضل التمارين والعلاج الطبيعي.
ورغم تعقيد بعض فصول الكتاب التي تتناول نظريات الإدراك الموسيقي، فإن لقاءات ليفيتين الشخصية مع الموسيقيين والمرضى تضفي على الكتاب طابعًا عاطفيًا عميقًا. وكما يشير، فإن العزف على الآلات الموسيقية يتطلب تفعيل قدرات عقلية متعددة، مما يجعل الموسيقى تجربة شاملة وشفائية.
ويبقى السحر الذي تمارسه الموسيقى على النفس غامضاً، كما يبرهن الكتاب، فكلما تكشّفت أسرار عن العلاقة بين الموسيقى والمشاعر، ازدادت هذه العلاقة غموضاً وإثارة.
وسواء كانت الموسيقى شرقية أم غربية، فإن قدرتها على الإلهام والشفاء تظل واحدة من أعظم أسرار الفن.