فايننشيال تايمز: الصين تقطع استثماراتها الجديدة في شركات الأسهم الخاصة الأمريكية
الموحدون الدروز، طائفة تمتد على مساحة ضيقة من العالم العربي، وتُعتبر سوريا أهمَّ مراكز تواجدها، حيث يقدّر عددهم بنحو مليون نسمة، يليها لبنان بنحو 400 ألف نسمة، ثمّ فلسطين بنحو 143 ألف نسمة وفق تعداد العام 2019، ثمّ الأردن بنحو 32 ألف نسمة، فيما يُقدّر عدد أفرادها بمن فيهم أولئك الذين في المهجر، بنحو مليونين.
يتميّز الدروز بأنّهم طائفة معروفة بتماسكها الداخلي، وقد حُكي الكثير عن هذه الطائفة كعقيدة وما تختزن من عادات وتقاليد، لكن مع التغييرات السياسية الجديدة، لاسيّما في سوريا بعد سقوط النظام، تسيّد تجاذب الموقف من جديد، على وقع تعابير العروبة الانتماء الانفصال، في مواجهة ما يصفه البعض بالمخاوف الأمنية من المجهول القادم.
ويقول المؤرخ الدكتور صالح زهر الدين لـ "إرم نيوز"، إنّ طائفة الموحدين الدروز في كل أماكن تواجدها هي طائفة إسلامية عربية موحدة وموحّدة، وهي فرقة إسلامية من الدين الإسلامي، وأنها جزء لا يتجزأ من الأمّة العربية والقومية العربية.
رغم التاريخ العتيق للدروز أو بني معروف أو الموحّدين، إلّا أنّ الكثير من الغموض مازال يلفُّ عقيدة الطائفة ومذهبها، وكذلك الحال على المستوى السياسي، حيث يتمتعون بخصوصية في الدول التي يتواجدون فيها منذ التأسيس قبل أكثر من 1000 عام وحتى اليوم، ويؤكّد الخبراء أنّ الطائفة عربية أصيلة ضاربة في التاريخ.
من المناطق الدرزية في سوريا، وتحديدًا من السويداء والجولان، حيث يتمثّل الثقل الدرزي في المنطقة العربية، غالبًا ما كان الجدل يتجدّد بشكل أوسع، حول بقاء الدروز ضمن النسيج الوطني السوري أو الخروج من تلك العباءة إلى مظلّة أخرى، وإمّا التوجه إلى إنشاء حكم ذاتي لاعتبار البعض أنّ ذلك يضمن لهم البقاء في أرضهم من دون التعرّض لأيّ مخاطر.
وفي السياق، يقول القيادي في تجمّع رجال الكرمة في السويداء الشيخ ليث البلعوس لـ "إرم نيوز": "الدروز مطمئنون مع أهلنا السوريين، ونحن نرى أنّنا مشاركون في بناء الدولة الجديدة ومساهمون في إحقاق العدالة والمساواة للشعب السوري وتطلعاته". وأشار إلى أنّ "الدروز متوافقون على أنّ سوريا هي الوطن وهم مع وحدة سوريا أرضًا وشعبًا".
قد يكون واقع الدروز في سوريا أكثر تعقيدًا من أيّ مكان آخر في بقعة انتشارهم، بحكم أنّ الكثير من العوامل تحكم مسارهم، منها ما هو سياسي ومنها ما هو جغرافي، إذ إنّهم على تخوم الحدود مع إسرائيل، حيث يعيش ما يقدّر بـ 143 ألف درزي وفق تعداد العام 2019، ويشكّلون أكثر من 7% من السكان العرب في الأراضي التي احتلتها إسرائيل العام 1948.
لكن وفيما يبدي أبناء الطائفة الدرزية هواجس عديدة لاسيمّا في المرحلة الراهنة، على ما يبدو ثمّة مَنْ يفضّل التوجه جنوبًا، إذ يرى البعض من أبناء الطائفة أنّ إسرائيل ملاذ آمن يجنّبهم الكثير من التوترات الأمنية ويؤمّن لهم السلام.
ذلك الحديث برز مؤخرًا بالتزامن مع ما نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية، نقلًا عن نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق عوزي دايان، الذي زعم أنّ عددًا من قادة الطائفة الدرزية في جنوب سوريا، طلبوا المساعدة منه عقب تصاعد الحرب في البلاد. وتطوّر ذلك إلى مواقف علنية من قبل القيادة الإسرائيلية، إذ قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إنّ "إسرائيل تمدّ يد السلام لجيراننا الدروز، فهم في المقام الأوّل إخوة لإخواننا الدروز في دولة إسرائيل".
لكن على الجهة المقابلة، يعتبر الكثيرون من الدروز لاسيّما على مستوى ممثلي الطائفة الرسميين، أنّه لا يمكن للدروز الانسلاخ عن المحيط العربي والذهاب باتجاه إسرائيل، ويعارضون تحرّك رئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في اسرائيل الشيخ موفق طريف الذي يسعى انطلاقًا من موقعه الديني، وعلاقاته الجيدة مع كل من الطرفين الإسرائيلي والروسي، إلى ايلاء مطالب أبناء الطائفة في سوريا، وتحديدًا في محافظة السويداء التي تضم النسبة الأكبر من الأقلية الدرزية كل اهتمام .
وتربط طريف برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علاقة قوية، فهو اختير ليكون أحد مشعلي شعلة "الاستقلال" خلال الاحتفال الرسمي، في نيسان 2018، خلال احتفالات الذكرى السبعين لقيام دولة إسرائيل. وقد زار نتنياهو عائلات درزية قتل ضباط وجنود من ابنائها في الحرب "الاسرائيلية" على غزة، فكان في استقبالهم الشيخ طريف ما استفز دروز لبنان.
يعتبرُ طريف أنّ الدروز باتوا جزءًا من الدولة الإسرائيلية؛ مشيرًا إلى أنّها تحترم حقوق الدروز الدينية والمدنية، وهو أحد المؤيدين لانضمام الشباب الدروز إلى الجيش الإسرائيلي، وتلك نقطة خلاف جوهري مع باقي الدروز في المنطقة لاسيّما دروز لبنان.
وفي السياق، يرى الزعيم الدرزي في لبنان وليد جنبلاط أنّه لا يمكن لأبناء الطائفة الانخراط في جيش إسرائيل والقتال ضدّ الفلسطينيين، مع الإشارة إلى أنّه إبّان حرب غزّة قتل عدد من الجنود الدروز في الجيش الإسرائيلي في رفح، بينهم ضابط، وفي التشييع ظهرت صورة رمزية للزعامة الدرزية في منطقة سلطان باشا الأطرش وكمال جنبلاط خلف علم إسرائيل؛ ما دفع وليد جنبلاط إلى التعبير عن الخجل الشديد من هذه الصورة.
يرى البعض من الدروز أنّ الشيخ موفق طريف هو مهندس المخطط القائل بضمّ دروز الجولان ومعهم دروز السويداء إلى إسرائيل، في ظلّ كلام يسوّقه البعض عن فكرة إقامة دولة درزية على الحدود مع إسرائيل وهو أمر يرفضه الكثيرون من الدروز لاعتبارهم أنّهم لا يريدون أن يكونوا حُماة حدود إسرائيل التي لا تتوقف عن عرض المغريات، وآخرها ما نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" بأن إسرائيل تخطّط إلى إنفاق أكثر من مليار دولار من أجل إقناع دروز سوريا برفض الحكومة الجديدة، وقالت الصحيفة إن التمويل الإسرائيلي مخصص لدعم الدروز في جنوب سوريا، وكسب تأييدهم لموقف تل أبيب، وذلك في ظل مخاوف إسرائيلية، من التطورات السياسية في سوريا.
وقال مسؤولون أمنيون إن إسرائيل تضغط على القوى العالمية لتأييد نظام فدرالي في سوريا، يضم مناطق عرقية مستقلة، مع جعل المناطق الجنوبية القريبة من حدود إسرائيل، منطقة منزوعة السلاح.
ورغم العلاقة الطيبة بين نتنياهو وطريف إلا أنّ الأخير يعتبر أيضًا أن هناك تقصيرُا وإجحافُا بحق أبناء الطائفة الدرزية وأرسل كتابًا إلى نتنياهو مطالبًا بقضايا المساواة والميزانيات وتعديل قانون القومية في 2018 وقانون كيمينيتس الذي يرى أنها تنتقص من حقوق الدروز في اسرائيل، إضافة إلى رفض طريف تجنيد الفتيات الدرزيات في الجيش الإسرائيلي.
وقد توقف محللون عند عملية الطعن في حيفا مطلع شهر مارس العام 2025، التي نفذها شاب من الطائفة الدرزية، ليكون ذلك ردًّا واضحًا على رفض انخراط الدروز ضمن النسيج الإسرائيلي، ورفض كل الروايات حول ولاء الدروز للدولة العبرية، مع التذكير أن نسبة رفض التجنيد الإلزامي في صفوف الشباب الدرزي بلغت 63%، وفق احصاءات لجامعة حيفا ومؤتمر هرتسيليا.
في واحدة من المواقف اللافتة للدروز، فيمكن التذكير بحادثة قرية مجدل شمس في الجولان، حيث سقط في يوليو العام 2024 صاروخ على مجموعة من الأطفال بينما كانوا يلعبون كرة القدم، إبان الصراع بين إسرائيل وحزب الله؛ ما أدّى إلى مقتل 12 طفلًا وإصابة 34 آخرين، وحينها رفض السكان الدروز استقبال الوزراء والمسؤولين الإسرائيلين في البلدة للمشاركة في تشييع القتلى، وطالبوهم بالمغادرة ورفعوا لافتات مناهضة لتل أبيب خلال زيارة نتنياهو القصيرة إلى القرية.
ومع سقوط النظام في سوريا، انتشر فيديو مصوّر لمطالبة أحد مشايخ بلدة الحضر في مرتفعات جبل الشيخ السوري، بضمّ البلدة لإسرائيل، وتعتبر تلك المنطقة أبرز قرى جبل الشيخ في مرتفعات الجولان من الجهة الشرقية، وتقع ضمن المنطقة العازلة التي احتلتها إسرائيل مؤخرًا وتقطنها غالبية درزية. لكن سرعان ما أكّدت الهيئة الروحية لطائفة الموحدين الدروز أنّ البلدة جزء لا يتجزأ من سوريا الموحدة، مشدّدة على أنّ ما يصدر خلاف ذلك هو غير شرعي ولا يمثل رأي غالبية الأهالي.
وتعقيبًا على واقع الدروز في إسرائيل، يقول الدكتور صالح إنّ "المخطط الإسرائيلي ينصب على أمر مفاده، كيف يعملون على سلخ الجلد الدرزي عن لحمه وخلق هوية خاصة به، إلّا أنّ بقاء الموحدين الدروز في أرضهم وتشبثهم بها وبهويتهم العربية الإسلامية هو بحد ذاته مقاومة".
وذكّر بأنّ "كمال جنبلاط والأمير مجيد أرسلان وشيخ العقل أبو شقرا في لبنان وسلطان باشا الأطرش في سوريا، هم الذين أصروا على الموحدين الدروز للبقاء في فلسطين وعدم الهجرة كما فعل غيرهم؛ لأنّ البقاء والصمود والمواجهة رغم كلّ الظروف هو أرقى أنواع المقاومات".
وعلى خط موازٍ، تواصل الإدارة السورية الجديدة المحاولات من أجل التوصل إلى تفاهمات مع الدروز، ولا ينفك الرئيس السوري أحمد الشرع يتحدّث عن وحدة المصير، وأول تلك التلميحات عندما قال مع استقباله وليد جنبلاط على رأس وفد من الطائفة في لبنان بأنّ جدّ والده قاسم الشرع كان أحد المجاهدين في الثورة السورية ضدّ الاحتلال الفرنسي في عشرينات القرن الماضي، وقد لجأ إلى الأردن مع القائد العام للثورة السورية سلطان باشا الأطرش.
مع اندلاع الأزمة السورية العام 2011، كانت محافظة السويداء قد اتخذت موقفًا حياديًا تحت شعار حماية الأرض والعرض، إذ تمكن أهاليها من تشكيل أحزاب سياسية وفصائل عسكرية محلية لإدارة شؤونهم بنفسهم، واليوم مع سقوط النظام عاد الجدل بين دروز سوريا حول مستقبلهم، إن كان ضمن الدولة السورية أو ضمن نموذج آخر.
الدروز عنوان عريض لملف بقي ساخنًا على مرّ العقود، يتنازعه كثيرون على وقع المتغيّرات السياسية والمصالح الاقليمية، فيما الغوص فيه يحتاج إلى دراية بكلّ تفاصيله نظرًا لتشعّبه وتعقيداته.
مرحلة جديدة يتوجس منها الدروز اليوم، فهل تكون هذه الأقلية ضحيّة للتحوّلات السياسية الكبرى، أم تكون المرحلة بداية لانطلاقة جديدة بإطار مختلف، يجعل من هذه الطائفة كيانًا مستقلًا، أم أنّ بقاءها في كنف النسيج الوطني ضمانة لأمنها؟
شاهدوا أيضاً: "إرم نيوز" في "مخيم الهول".. خزان داعش وأخطر سجن بالعالم