وزير الخارجية الإيراني: عُمان ستستضيف الجولة الثانية من المفاوضات لكن قد تعقد في مكان آخر
كشفت وثائق حكومية سرية تفاصيل من البرنامج الذي نفّذه نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإنشاء شبكة سرية من المخبرين بين سكان ألمانيا، وكيف جرى توظيف المعلومات المستقاة من المخبرين لتلفيق تهم جنائية بحق منتقدي أردوغان والنظام التركي.
وكانت الحكومة التركية قد توسعت كثيرا منذ عام 2014 في بناء وتشغيل شبكات المخبرين في مجتمعات الشتات التركية، خاصة في أوروبا، عندما وجد أردوغان نفسه مُدانًا في تحقيقات فساد واسعة النطاق تم نشرها في ديسمبر 2013.
أيامها كشفت ملفات قضية الفساد كيف أثرى أردوغان وشركاؤه من خلال العمولات والرشوة وإساءة استخدام السلطة وعمليات غسيل الأموال للنظام الإيراني. وشهدت المحاكم في حينه أدلة في شكل تنصت، وسجلات مصرفية، وأشرطة فيديو وصور، اضطر بعدها أربعة وزراء من حكومة أردوغان إلى الاستقالة.
البداية من الانقلاب القضائي
وترتب على ذلك، عام 2014، أن أردوغان اتهم معارضيه، وخاصة أعضاء حركة فتح الله غولن في الداخل وفي الدول الغربية بتلفيق سجلات التحقيق في الكسب غير المشروع من إجل إطاحته من السلطة.
ونفذ يومها ما سمي بـ"الانقلاب القضائي"، حيث جرى فصل آلاف القضاة والمدعين العامين، بمن فيهم الذين شاركوا في التحقيق مع المسؤولين الحكوميين، وكانت حملة قمع غير مسبوقة على حركة غولن، عززها أردوغان بتشكيل شبكات تجسس ومخبرين بين الأتراك في الشتات، وبالذات ألمانيا.
توظيف دولي وجنائي لمعلومات المخبرين
وتُظهر وثائق نشرتها "نورديك مونيتور" الأوروبية المتخصصة بالشأن التركي، كيف أن مغتربا في ألمانيا مؤيدا لأردوغان بعث برسالة سرية إلى خط هاتفي خاص بالمخبرين أنشأته المديرية العامة للأمن في تركيا من أجل تلقي المعلومات عن المنتمين إلى حركة غولن. لكن تلك المعلومات لم تلبث أن تحولت برسالة خاصة إلى وحدة الجرائم الإلكترونية، ليصار بعد ذلك إلى إرسالها لدوائر مكافحة الإرهاب والإنتربول / يوروبول، مع طلب تركي رسمي باتخاذ الإجراءات الجنائية ضد الأشخاص المذكورين في الرسالة.
كما تم تنبيه مكتب المدعي العام بشأن تلك المعلومات، ما يعني أن معلومات المخبر المزروع في ألمانيا تحولت إلى دليل في المحاكمات الصورية المصممة لمحاكمة منتقدي أردوغان ومعارضيه في الخارج، وتعرض الوثائق المسرّبة كيف أن أردوغان نفسه، ناشد أتباعه علانية وشجعهم على الاستفادة من الخط الساخن للمخبرين لإبلاغ الشرطة والمدعين العامين بأي معلومات عن منتقديه ومعارضيه.
وفي نفس السياق شنّت المنظمات المتحالفة مع أردوغان في أوروبا حملة في عام 2016، تدعو فيها المغتربين إلى إبلاغ الأجهزة التركية عن أي شخص يُعتقد أنه من أنصار فتح الله غولن.
كما قامت صحيفة الصباح، المملوكة لعائلة الرئيس أردوغان، بتشغيل خط تخابر خاص بها، وحثت الأتراك في ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى للإبلاغ هاتفيا او بالواتس أب عمن يعتقدون أنه يتعاون مع المعارضة.
وتشير الوثائق السرية التي نشرتها "نورديك مونيتور" إلى أن دعوة أردوغان وجدت جمهورًا في الشتات التركي الكبير في ألمانيا، مما أدى إلى إلحاق الأذى بالعديد من الأتراك الذين لا يؤيدون توجهات أردوغان أو يعارضون سياسات حكومته.
المخبر السري " س . يغيت"
في واحدة من الوثائق المتسربة من الحكومة التركية، يظهر المخبر التركي المقيم في المانيا تحت اسم مستعار " س . يغيت" وهو ينقل للهاتف المخصص للمخبرين في تركيا، أسماء سبعة أشخاص، مع عنوان ورقم هاتف بعضهم
حصل ذلك كما هو في الوثيقة المسربة، بتاريخ 4 أغسطس 2016. ولم تنقض سوى بضعة ايام حتى تحولت هذه المعلومات الجزافية من المخبر، إلى دعوى قضائية في إسطنبول، أطلقها مكتب المدعي العام في 9 أغسطس 2016، للتحقيق مع الأشخاص الذين حددهم المخبر في ألمانيا.
لكن ولأسباب بيروقراطية، كما يبدو، فإن تلك المعلومات التي جرى تعميمها عام 2016 على أقسام الشرطة و مكتب المدعي العام لم يتم الانتهاء من التحقيق الأولي بها إلا بعد أربع سنوات تقريبًا . ففي 12 مارس 2020 كتب جوخان نازليم، رئيس وحدة مكافحة الإرهاب في إدارة شرطة إسطنبول إلى المدعي العام يبلغه أن التحقيق بشأن الأشخاص المدرجين في رسالة المخبر قد اكتمل. أصبحت المعلومات التي تم نقلها إلى تركيا من ألمانيا جزءًا من الأدلة في الملاحقة الجنائية ضد الأشخاص المستهدفين من قبل حكومة أردوغان.
وتتضمن الوثائق المتسربة من الملفات الحكومية التركية، كما نشرتها"نورديك مونيتور" ، تفاصيل مما يخضع له معارضو نظام أردوغان، ممن تشي بهم تقارير شبكات المخبرين. فهم يخضعون للمراقبة والحرمان من الخدمات القنصلية مثل التوكيل وتسجيل المواليد، مع احتمال سحب جوازات سفرهم. وفي الوثائق ما يشير إلى أنه تم الاستيلاء على أصولهم في تركيا، مع حالات عديدة بملاحقة أفراد أسرهم بتهم جنائية.
مترتبات تقرير المخبر "يغيت"
تعرض إحدى الوثائق السرية التي نشرتها "نورديك مونيتور" عن إخبارية العميل " يغيت"، صورة تقرير للشرطة مختوم وموثق بتاريخ 11 مارس 2020 ، يتعلق بثلاثة أشخاص من بين السبعة الذين أبلغ عنهم المخبر، أحدهم هو إركان كاراكويون، الرئيس التنفيذي لشركة ستيفتونغ للانشاءات، حيث أضحى كاراكويون مطلوبا بمذكرة اعتقال بتهمة وجود روابط مع فتح الله غولن المعارض الذي يقيم في الولايات المتحدة.
الشخص الآخر المقيم في ألمانيا والذي كان قد وشى به المخبر التركي"" يغيت" هو هاليت إسندر ، الناشط الحقوقي الذي كان رئيسًا لـ "مجلس أخلاقيات الإعلام" والذي له تاريخ في الدفاع عن حقوق الصحفيين والإعلاميين في تركيا، وبالذات وسائل الإعلام التي أغلقتها الحكومة بشكل غير قانوني في عام 2016.
وتُظهر الوثيقة أن إخبارية العميل التركي في ألمانيا عن الصحفي "هاليت إسندر"، انتهت بتحويله للملاحقة من قبل حكومة أردوغان لآرائه النقدية واتهامه بالانتماء إلى حركة غولن. ويخضع ملفه لخمسة أوامر اعتقال بتهم تتراوح من التشهير بالرئيس إلى اتهامات بالإرهاب بدون أساس.
ويوثّق التقرير تفاصيل الحكم الذي كان صدر على "إسندر" بالسجن 11 شهرًا و 20 يومًا ، بتهمة وصفه لرئيس وكالة المخابرات الوطنية التركية هاكان فيدان بأنه كان عميلًا لإيران.
فقد سبق ونُقل عن إسندر، في مقابلة أجراها مع موقع "روتا هابر"، الإخباري المستقل، في 25 مارس 2014 أنه اطلع على ملف سري عن أنشطة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والتي يقوم بها في تركيا. وجاء في الملف السري الذي كان قد وقع بيد حزب الله ما يؤكد أن فيدان بدأ حياته بنهاية تسعينات القرن الماضي عميلا للأجهزة الإيرانية.
يشار إلى أن حكومة أردوغان ردّت على ذاك التقرير في عام 2016 بإغلاق موقع "روتا هابر"، وتم سجن رئيس تحريره أونال تانيك والمراسل أحمد مميش الذي كان أجرى المقابلة مع " اسندر"، الذي بدوره عاود القضاء التركي ولاحقه بأحكام جزافية اعتمادا على تقرير مخبر للأجهزة التركية يعيش في ألمانيا.
ومن بين الذين لاحقتهم الأجهزة التركية بسبب وشايات المخبرين في ألمانيا، كاتب العمود الصحفي عبد الله أيماز، الذي كان عضوًا في مجلس إدارة مؤسسة الصحافيين والكتاب، مقرها إسطنبول، قبل أن تغلقها الحكومة في عام 2016.
وتشير الوثائق إلى أنه صدرت بحق أيماز خمسة مذكرات توقيف بتهم ملفقة.
وكانت وشاية المخبر "يغيت" تضمنت ثلاثة أسماء أخرى هم رافت تاسكين، تونكاي كيرلي و كاساب هاكان، مع عنوان الشارع ورقم الهاتف في ميونيخ.
أرقام المعتقلين والمفصولين
يشار إلى أن حكومة أردوغان تصف جميع منتقديها بأنهم إرهابيون ، وتحتجز 165 صحفيًا حاليًا في السجون التركية بتهم الإرهاب ، مما أدرج تركيا في تقارير حقوق الإنسان كأكبر سجن للصحفيين في العالم.
وأظهرت التقارير أن أكثر من 30 في المائة من الدبلوماسيين الأتراك، و 60 في المائة من جميع كبار ضباط الشرطة، ونصف جميع الجنرالات العسكريين ونحو 30 في المائة من جميع القضاة والمدعين العامين في تركيا، كان جرى، فجأة، إعلانهم إرهابيين في عام 2016 بدون أي تحقيقات إدارية أو إجراءات قضائية.
ألمانيا ردعت التلاعب التركي
في يوليو 2017 ، نشرت صحيفة " داي زيت" الألمانية أن تركيا سلمت ألمانيا قائمة بـ 68 شركة وشخصا اتهمتهم بالإرهاب بسبب علاقات مزعومة مع حركة غولن. كما تم الكشف عن أن ما يقرب من 700 شركة ألمانية، بما في ذلك عمالقة الصناعة مثل شركة دايملر وباسف، طلبت تركيا من الإنتربول أن يحقق معهم بتهم الإرهاب.
لكن ألمانيا لم تتهاون مع هذا النهج التركي بل ردت عليه بعنف واعتبرته عبثيا وهددت بالعقوبات الاقتصادية، وهو ما اضطر نظام أردوغان للتراجع ووصف ما حصل بأنه "مجرد سوء تفاهم"، حسب تقرير "نورديك مونيتور".