وير العدل السوري مظهر الويس: العدالة الانتقالية هاجس الجميع وسنعمل على استقلالية القضاء
قالت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إن انتشار وباء فيروس كورونا فاقم الانقسام العالمي بين الشمال والجنوب، فيما يتعلق باتساع الفجوة بين الدول التي تمتلك اللقاح أو تستطيع جلبه أو تصنيعه، وبين الدول التي لا تملك ذلك الخيار.
وأكدت المجلة في تقرير لها، أن تلك الفجوة حدثت عندما تمكنت الدول الغربية الغنية من المضي قدما بثبات نحو تحقيق مناعة القطيع، بينما تنتظر غالبية إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وصول اللقاحات.
وتابعت أن عددا قليلا فقط من البلدان ينتج لقاحات فيروس كورونا الخاصة به، بينما بقية العالم تعتمد على تلك الدول في توفير اللقاح، وتابعت: "هذا شبح يهدد بحدوث ترتيب جيوسياسي جديد، ترتيب تتحدد فيه علاقات بين عملاء وأرباب من خلال عدم التناظر بين عرض اللقاح مقابل الطلب".
قصص نجاح
تقول المجلة إنه "توجد بالفعل مؤشرات قوية على أن من لا يملكون اللقاح معرضون للإكراه وإغراء الدبلوماسيين، حيث بدأت روسيا والصين في توفير اللقاحات مقابل تنازلات على صعيد السياسة الخارجية، كما فعلت إسرائيل، في غضون ذلك، تركز الدول الغربية على برامج التطعيم المحلية الخاصة بها، رغم أن الولايات المتحدة أعلنت مؤخرًا نيتها تقديم مساعدات اللقاحات إلى البلدان المتضررة بشدة، خاصة الهند".
وأكدت "فورين بوليسي" أن الدول غير المنتجة للقاح استطاعت بسهولة الحصول عليه؛ بسبب إتاحة السوق ذلك، وقالت إن إسرائيل، التي مثلت قصة نجاح في حملة تطعيم كورونا، بدلاً من الاعتماد على استخدام قاعدتها الصيدلانية الكبيرة، استوردت الملايين من جرعات Pfizer-BioNTech ولقحتها للمواطنين بسرعة وكفاءة، بينما على الرغم من عدم امتلاك كندا القدرة على الإنتاج المحلي، فهي تحتل الآن المرتبة الثالثة من حيث معدلات التطعيم لأكبر 34 دولة، بعد المملكة المتحدة والولايات المتحدة، حيث استوردت عشرات الملايين من جرعاتها من أوروبا والولايات المتحدة".
وتابعت تقول: "يمكن العثور على قصص نجاح مماثلة في الإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين."
ولفتت إلى أن "قصص النجاح هذه تقتصر إلى حد كبير على العلاقات التجارية الموجودة مسبقًا والمكثفة بين الاقتصادات الصناعية الغنية والمتقدمة، حيث لا تزال معدلات التطعيمات في معظم البلدان الأخرى منخفضة للغاية".
وأكدت المجلة أن قوانين الملكية الفكرية وقيود البنية التحتية تعني احتكارًا شبه كامل لقدرات الإنتاج واقتصارها على مجموعة صغيرة من البلدان، وحدوث تسلسل هرمي للمزايا والأفضليات التجارية، حيث تحظى مجموعة من البلدان غير المنتجة بالأولوية، بينما تُترك بلدان أخرى دون المستوى المطلوب.
وأوضحت "فورين بوليسي" أنه للتغلب على هذه التحديات، أنشأت منظمة الصحة العالمية COVAX، وهي مبادرة لتنسيق أبحاث اللقاحات وترخيص الإنتاج؛ من أجل ضمان التوزيع العادل والمنصف في جميع أنحاء العالم.
ومع ذلك، تم توزيع عدد قليل من اللقاحات من خلال هذا الجهد التعاوني. وفي مواجهة النقص المحلي، فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قيودًا على صادرات اللقاح، مما حد من العرض.
دبلوماسية اللقاحات
ولكن بينما لا تزال الولايات المتحدة وكندا وأوروبا تركز على حملات التطعيم المحلية الخاصة بها، فإن منتجي اللقاحات الآخرين على استعداد لاستغلال الطلب العالمي واستخدام إمداداتهم الخاصة كأداة دبلوماسية، بحسب المجلة.
وقالت "فورين بوليسي": إن الصين وروسيا انخرطتا بنشاط في دبلوماسية اللقاحات، وربطتا صادرات اللقاح بتنازلات سياسية وعمليات إعادة تشكيل "جيوسياسية"، حيث أكدت "أن روسيا توسطت في فبراير لإطلاق سراح مواطن إسرائيلي محتجز في سوريا، مقابل تمويل إسرائيل لقاحات Sputnik V لإرسالها إلى سوريا، وبالمثل، قدمت روسيا اللقاحات إلى بلدان أوروبا الوسطى والشرقية، لتقريبها من مدار موسكو".
وفي الوقت نفسه، تشير تسريبات جديدة إلى أن الصين طالبت بتغيير موقف باراغواي في تايوان، ونجحت في الضغط على البرازيل لفتح سوق 5G أمام هواوي، كشرط مسبق لتلقي شحنات اللقاح.
سيناريو مختلف
وبينت المجلة أنه إذا كان الأمر مجرد اغتنام فرصة لمرة واحدة، فالصين وروسيا رابحتان، وكذلك الهند التي تواجه الموجة الثانية الشرسة من كورونا.
وتابعت: "إذا لم تكن هناك حاجة إلى المعززات أو اللقاحات المنتظمة أكثر من مرة كل عدة سنوات، فليس محتملا أن يشهد العالم عملية إعادة تشكيل جيوسياسي كبرى، ولكن إذا كانت هناك حاجة إلى تثبيت تلقي حقنة سنوية ضد الفيروس ـ كما حذر علماء الأوبئة البارزون ـ فقد يؤدي ذلك إلى سيناريو مختلف".
وتحدثت "فورين بوليسي" عن أن ملف الأمن القومي هو أهم ما يمكن أن تقدمه الدول الكبرى، حيث تتجلى التبعيات الجيوسياسية من خلال توفير الأدوات العسكرية وصفقات الأسلحة والقواعد والالتزامات الأمنية الجماعية، وذكرت أن ذلك حدث في فترة الحرب الباردة، حيث تفوقت الولايات المتحدة على روسيا في جذب المزيد من عملاء الأسلحة.
ولكن الأمر يختلف في سوق الأدوية العالمي، بحسب المجلة، فبينما لا تزال الولايات المتحدة لاعباً رئيسياً، فإنها تواجه منافسة شديدة من العديد من المنافسين المحتملين.
وقالت: "في أوروبا الغربية، تتمتع ألمانيا والمملكة المتحدة بنفوذ غير متناسب، كما هو الحال بالنسبة لروسيا في مناطق نفوذها السابقة، أوروبا الوسطى والشرقية، وتتمتع كل من الصين والهند بقدرة إنتاجية هائلة، والأهم من ذلك أنهما تسيطران على أسواق تصدير الأدوية الجنيسة خارج الغرب، ورغم كونها قوة إقليمية صغيرة نسبيًا، فإن لإسرائيل أيضًا أهمية أكبر بكثير مقارنة بحجمها كمورد رئيسي آخر للأدوية الجنيسة".
وأكدت المجلة أنه إذا ظل الطلب على اللقاحات مرتفعًا على المدى الطويل، فإن المنافسة بين هذه الدول لتصبح المورِّد المهيمن في العالم ستؤدي إلى توازن قوى عالمي مختلف تمامًا عن اليوم.
وأشارت إلى أن حكومات الدول المصنعة لأكثر اللقاحات فاعلية في العالم اليوم، أمثال فايزر، مودرنا، أسترازينيكا، وجونسون أند جونسون، أبدت إحجامًا عن توفير جرعات لكثير من الدول الأخرى، فالولايات المتحدة والمملكة المتحدة لم تصدرا أي شيء تقريبًا، ولم تبديا استعدادا للتنازل عن براءات الاختراع.
المستفيد الأكبر
أما في مناطق آسيا، حاولت الصين استغلال الوباء لعزل جزيرة تايوان، وتحركت تايوان لإحباط تلك المحاولات من خلال مبادراتها الدبلوماسية الخاصة بما في ذلك تعزيز نجاحاتها في مجال فيروس كورونا، حيث قالت المجلة: إن "الهند تدخلت لتقديم اللقاحات بناءً على طلب تايوان وقد يزيد ذلك نفوذ الهند، إذا أصبح توفير اللقاح سلعة جيوسياسية أساسية وطويلة الأجل، وهو ما يظهر أن تايوان لديها رعاة أقوياء والمنافسة الإقليمية المستمرة بين الصين والهند لن تمنعها من الحصول على لقاح".
وأردفت المجلة أن "أكبر المستفيدين من توفير اللقاحات للدول قد يكون إسرائيل، حيث تستعد شركة Teva Pharmaceuticals، أكبر منتج منفرد للأدوية الجنيسة في العالم، لبدء تصنيع جرعات مرخصة من اللقاحات، وقد لا تكون الشركة المورد المهيمن للأسواق الغنية في أوروبا والولايات المتحدة، لكنها مصدر أساسي للأدوية بأسعار معقولة لمعظم دول الجنوب، وسيعزز ذلك كثيرا النفوذ الجيوسياسي لإسرائيل".
وبحسب ما ورد، عرضت إسرائيل جرعات على هندوراس وجمهورية التشيك وغواتيمالا، مقابل نقل سفاراتها إلى القدس.
واختتمت "فورين بوليسي" تقريرها بالتأكيد على أن دول شمال الكرة الأرضية بدأت الخروج من الأزمة، بينما يواصل الجنوب العالمي محاربة وباء يزداد ضراوة، وأكدت أن "الوباء قد يكون مكلفًا جيوسياسيًا حتى بالنسبة لهذه البلدان الغنية، في ظل تحالف حلفاء سابقين مع خصوم حاليين".