قالت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية إن "احتجاجات كوبا، خلال شهر يوليو الماضي، لفتت النظر لدور الجيش المتزايد في قمع المجتمع والسيطرة عليه ودعم الحكم الاستبدادي، وبسط نفوذه على الأوساط السياسية، عبر شركات يشرف عليها، ما يشكل مستقبلاً قاتماً للبلاد"، متوقعة "3 سيناريوهات لمستقبل النظام الحالي عندما تهدأ الأمور".
نقطة الانهيار
وذكرت المجلة أن "متحور دلتا من فيروس كورونا تفشى بصورة كبيرة في كوبا بأوائل يوليو المنصرم، ما أوصل نظام الرعاية الصحية للدولة إلى الانهيار، لتعلن الدولة فجأة عن أعلى عدد من الحالات نسبةً إلى عدد سكان أمريكا اللاتينية، بعد عام من معدلات منخفضة نسبياً من الإصابات".
وأضافت: "استحوذت مقاطعة ماتانزاس على ما يقرب من نصف الحالات المعلنة في البلاد، وانتشرت الوسوم التي تطالب بالإغاثة الطارئة على تويتر، فيما طالب آلاف الكوبيين الحكومة بفتح ممر إنساني لتسريع وصول المساعدات الدولية، وسد النقص بالغذاء والدواء، لكن القادة الكوبيين رفضوا وألقوا باللائمة في الأزمة على الحظر الأمريكي المفروض على الجزيرة".
وأوضحت المجلة أن "هذا التصرف من جانب الدولة أصبح السبب الرئيسي وراء إثارة غضب المواطنين، إذ سئم الكوبيون من عدم اكتراث الدولة بمحنتهم، ونزلوا إلى الشوارع وهم يهتفون للحرية، في انتفاضة غير مسبوقة تصدرت عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم".
وأشارت إلى أن "جذور الغضب الشعبي أعمق بكثير، فقد أدت زيادة الوصول لوسائل التواصل الاجتماعي والمعلومات، والقمع الشديد للمعارضين والناشطين، وتعميق الصعوبات الاقتصادية، دوراً في إضعاف مزاعم النظام الكوبي بأن يملك الشرعية في السنوات الأخيرة".
دور الجيش
ولفتت المجلة إلى أن "المفاجئ في الأمر هو الدور الذي لعبه الجيش الكوبي في قمع الاحتجاجات، فلا يزال العديد من الكوبيين، داخل وخارج البلاد، يعتبرون القوات المسلحة الثورية جيش تحرير، كما يُعتقد أنه خادم للشعب ويحظى باحترام واسع داخل المجتمع الكوبي".
و"أعرب المدنيون الكوبيون قبل الاحتجاجات، عن ثقتهم بأن القوات المسلحة الكوبية لن تشارك في القمع الداخلي، لكن فعاليات يوليو جعلت تلك الافتراضات محل تساؤل، وتردد أن القوات الخاصة الكوبية، المعروفة شعبياً باسم الدبابير السوداء، لعبت دوراً مهماً في قمع الاحتجاجات، إذ عملت إلى جانب قوات من وزارة الداخلية لاعتقال المتظاهرين، الذين لم يُر الكثير منهم منذ ذلك الحين"، وفقاً للمجلة.
وذكرت المجلة أن "اشتراك الجيش مع أجهزة الأمن القمعية التابعة للدولة دمر وهم الجيش الذي يساند الشعب الكوبي، لكن ذلك كشف في الوقت نفسه الدرجة التي عزز بها الجيش سلطته السياسية والاقتصادية منذ تنحي الرئيس السابق فيدل كاسترو في عام 2008، وتسليمه السلطة إلى شقيقه راؤول".
سيطرة اقتصادية
وأوضحت أنه "رغم أن القوات المسلحة الثورية الكوبية استمرت في تقديم نفسها كجيش تحرير، إلا إنها كانت تبني بهدوء امبراطورية اقتصادية تجعلها قوة سياسية واسعة السلطة، إذ تشرف الآن على نحو 800 شركة تمثل مجتمعة حوالي 50% من عائدات الشركات، فيما يقدر محللون آخرون هذا الرقم بنحو 80%".
وأشارت الصحيفة إلى أنه "من خلال صعود راؤول كاسترو إلى السلطة في عام 2008، تم تسريع احتكار الجيش الكوبي للاقتصاد الكوبي، وما صاحب ذلك من صعود نجم الجنرال لويس ألبرتو رودريجيز لوبيز كاليخا، صهر كاسترو السابق".
وذكرت أن "الاضطرابات الاجتماعية لا تفضي في كوبا إلى زيادة القمع والمراقبة فقط، بل تعزز النفوذ العسكري في صنع القرار السياسي، بدلاً من إحداث تغيير، إذ إن اعتماد الدولة على الجيش لمساعدتها في قمع احتجاجات يوليو عزز نفوذه".
النهاية
وتوقعت المجلة 3 سيناريوهات محتملة عندما تهدأ الأمور، و"يشمل السيناريو الأول قمعاً متزايداً من النظام لضمان استمراريته، فقد اتبعت أنظمة في بيلاروسيا ومالي وميانمار وتركيا هذا المسار، بحسب المجلة، وأدى في الغالب إلى توطيد الدولة لسلطتها، وفيما يبدو يظل هذا السيناريو الأكثر ترجيحاً في كوبا".
أما السيناريو الثاني، بحسب المجلة، و"هو أقل احتمالاً، فيستلزم استمرارية النظام كذلك، لكن بدرجة من التغيير والتنازل، وقد اتبعت هذا السيناريو المغرب ونيجيريا، إذ أدت الإصلاحات المحدودة إلى الوضع الراهن المستدام في الغالب".
وأشارت المجلة إلى أن "السيناريو الثالث يشمل مفاوضات بين النظام والمعارضة، فيما لا يزال معظم أعضاء جماعات المعارضة الرئيسية في السجن أو رهن الإقامة الجبرية، وتبدو احتمالات إطلاق سراحهم ضعيفة بصورة متزايدة".