وزير فرنسي: باريس ولندن وبرلين تراقب عن كثب المحادثات النووية بين أمريكا وإيران
على خلفية الانتقادات التي وجهتها دمشق لتقرير صادر عن منظمة العفو الدولية بشأن أحداث الساحل السوري، تصاعد الجدل مؤخراً، حيث اعتبرت دمشق أن التقرير أغفل السياق الكامل للأحداث، متهمة إياه بتجاهل ما وصفته بعمليات "التمرد"، التي أسفرت عن سقوط عشرات القتلى.
ويرى خبراء أن هذا التصعيد ليس مجرد رد فعل على تقرير بعينه، بل يعكس تحولاً أوسع في العلاقة بين دمشق والمنظمات الحقوقية، ويتزامن مع ازدياد الدعوات الدولية لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، التي وصفها بعض المراقبين بأنها جرائم ممنهجة تستهدف مكونات دينية ومذهبية محددة.
ويشير الخبراء إلى أن موقف الحكومة السورية، الذي يتسم بالصمت أو الرفض تجاه التقارير الحقوقية، قد يعزز عزلتها الدولية، ويضعف مصداقيتها في ملفات العدالة الانتقالية.
وفي ظل ترقب نتائج لجنة تقصي الحقائق، تزداد الضغوط على دمشق للتعاطي بجدية وشفافية مع الوقائع الميدانية، فالقضية، بحسب تقديرات المتابعين، لم تعد شأناً سيادياً داخلياً، بل أصبحت اختباراً لموقف الدولة من التزاماتها الدولية، ومدى استعدادها للتعاون.
حول هذا الموضوع، قال الناشط الحقوقي نضال هوري إن ما جرى في الساحل السوري لا يُعد شأناً داخلياً فحسب، بل يمثل تهديداً مباشراً للقيم الإنسانية المشتركة، على حد تعبيره.
واعتبر أن تقرير منظمة العفو الدولية لا يُعد مجرد توثيق لانتهاكات، بل يشكل نداءً عاجلاً للعدالة الدولية، يستوجب تحركاً حاسماً من المجتمع الدولي لمحاسبة المسؤولين ومنع تكرار هذه الجرائم، وفق قوله.
وأضاف لـ "إرم نيوز" أن "السياسات التي تنتهجها الحكومة السورية، والمبنية على الإنكار والمراوغة، قد تحقق مكاسب وقتية، لكنها ستقود حتماً إلى مزيد من العزلة، سواء على الصعيد الدولي أو بين صفوف الشعب، لأن صوت العدالة لا بد أن يخترق جدار الصمت في نهاية المطاف".
وأكد أن بيان الحكومة السورية الذي تجاهل مضمون التقرير الحقوقي بحجة "عدم كفاية الأدلة"، يعكس سياسة ممنهجة من الصمت والمماطلة في مواجهة الضغوط الدولية المتزايدة، مشيراً إلى أن مثل هذا النهج يضعف شرعية الدولة السورية على الساحة العالمية، ويزيد عزلتها السياسية، خاصة مع تنامي الدعوات لفرض عقوبات جديدة، وفتح ملفات المساءلة القانونية بحق المتورطين في تلك الجرائم أمام المحاكم الدولية.
وأوضح أن الوثائق التي قدمتها منظمة العفو تظهر أن الجرائم التي ارتُكبت لم تكن عشوائية أو فردية، بل جرت بشكل ممنهج ومخطط له مسبقاً، واستهدفت فئة "دينية-مذهبية" بعينها، ما يغيّر طبيعة الجريمة ويصنفها في إطار الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية وفقاً للقانون الدولي.
وأشار إلى أن الأزمة السورية، ومنذ اندلاعها في عام 2011، لم تكن مجرد صراع سياسي على السلطة، بل تحولت إلى مأساة إنسانية عميقة، مست جوانب اجتماعية وديموغرافية حساسة في البلاد، وكانت منطقة الساحل إحدى أبرز الساحات التي شهدت هذا العنف المنظم؛ ما يجعل من واجب المجتمع الدولي التحرك لوقفها ومحاسبة مرتكبيها، وفق قوله.
من جانبه، يرى الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور توفيق دوران أن الحكومة السورية في ردها على تقرير المنظمة أبدت استياءً واضحاً مما اعتبرته "إغفالاً متعمداً لسياق الأحداث".
وأشار إلى أن التقرير ركز على توثيق الانتهاكات بحق المدنيين، دون التطرق حسب وجهة نظر الحكومة إلى أن العمليات الأمنية جاءت رداً على ما وصفته بـ"تمرد فلول النظام السابق"، الذين نفذوا هجمات أودت بحياة العشرات من عناصر الأمن، وأثارت موجة من الذعر دفعت بعض المدن إلى إعلان النفير العام، وهو ما كانت له تبعات خطيرة على المشهد الاجتماعي والطائفي في المنطقة.
وأضاف لـ "إرم نيوز" أن توضيح دمشق، لا يعفيها من مسؤولياتها القانونية والأخلاقية في حماية المدنيين، خاصة أنها أعلنت بنفسها انتهاء العملية الأمنية في الساحل والقضاء على من تصفهم بـ"الفلول" أو اعتقالهم، وهو ما يدل على أن المشهد كان تحت سيطرة الدولة؛ ما يضعها أمام مساءلة مباشرة حول كيفية إدارة العملية وتداعياتها.
وأكد أن الحكومة السورية مطالبة اليوم بالتعامل مع التقارير الدولية بقدر عالٍ من الجدية والشفافية، ولا سيما تلك التي تستند إلى شهادات موثقة ووقائع ميدانية مؤكدة، لأن الأمر لم يعد خاضعاً للمزاج السياسي أو الاعتبارات الأمنية، بل يتعلق بالتزامات قانونية دولية واضحة.
وأشار إلى أن لجنة تقصي الحقائق التي شُكلت في التاسع من مارس الماضي من المنتظر أن تصدر تقريرها يوم الأربعاء القادم، وهو التقرير الذي قد يشكل نقطة تحول محورية في فهم ما جرى، سواء من حيث تأكيد ما ورد في تقرير منظمة العفو الدولية أو من خلال تقديم معطيات مغايرة مبنية على وقائع ميدانية موثقة.
وختم دوران بالإشارة إلى أن العلاقة بين الحكومة السورية والمنظمات الحقوقية تسير نحو مزيد من التصادم، ما لم تُظهر دمشق انفتاحاً حقيقياً على آليات المحاسبة الدولية، وتبادر إلى فتح تحقيقات مستقلة وجدية تضع حداً لثقافة الإفلات من العقاب، وتؤسس لمحاسبة كل من يثبت تورطه، بغض النظر عن موقعه أو انتمائه.