رئيس وزراء بريطانيا: لن نبرم صفقة تجارية مع أمريكا إذا لم تكن في مصلحتنا الوطنية
رأى خبراء ومحللون أمنيون وسياسيون أن دعوة المرجع الديني الأعلى للشيعة في العراق علي السيستاني لحصر السلاح بيد الدولة، إشارة واضحة منه على رفع الشرعية عن بعض الفصائل، التي منحت لها إبان ما يسمى فتوى "الجهاد الكفائي" عام 2014 لمقاتلة تنظيم "داعش".
وأضافوا أن هذه الدعوة كأنها فتوى شرعية للحكومة العراقية ذات الأغلبية "الشيعية" لضرب الفصائل العاملة خارج نطاق الدولة، لا سيما تلك المشتركة بأعمال مسلحة خارج البلاد.
وجاء حديث المرجع الديني، بضرورة حصر السلاح بيد الدولة، ومنع التدخلات الخارجية، متماشياً مع رغبات الحكومة العراقية بالنأي بالبلاد عن الصراع الدائر في المنطقة، فضلاً عن تأكيدها عزل تلك الفصائل عن باقي التشكيلات الأمنية الرسمية.
وقال الخبير الأمني، يوسف الجواري، إن "الغالبية العظمى من الفصائل المسلحة تشكلت ما بعد فتوى المرجعية العليا عام 2014 لقتال "داعش".
وأضاف الجواري لـ"إرم نيوز": "لكن ما حدث هو أن عددا كبيرا منها بقي عاملا تحت مظلة الدولة بشكل رسمي، عبر هيئة الحشد الشعبي، إلا أن فصائل أخرى قررت العمل خارج نطاق الدولة".
وأشار إلى أنه "بعد انتهاء العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش، كان رأي المرجعية، بشكل غير معلن، دمج الفصائل التي قاتلت التنظيم ضمن صفوف الأجهزة الأمنية، وهذا ما فعلته مع فرقة العباس القتالية التي تشرف عليها النجف بشكل مباشر، حيث تم دمجها بوزارة الدفاع".
ويجري منذ أكثر من سبع سنوات مضت صراع كبير بين الخط المحلي العروبي داخل المرجعية الدينية في النجف، والخط الخارجي الموالي لإيران، وصل حد القطيعة بينهما.
وكانت الحكومة العراقية قد أعلنت مراراً وتكراراً أنها لا تريد جر العراق نحو الصراع الدائر في المنطقة، إلا أن الفصائل المسلحة الموالية لإيران لا تكاد تتوقف عن استهداف القوات الأمريكية في سوريا وأهداف في العمق الإسرائيلي.
وعجزت الحكومة العراقية عن ضبط تلك الفصائل أو إقناعها بوقف عملياتها، خصوصاً مع التهديدات المتكررة التي أطلقتها إسرائيل باستهداف تلك الفصائل ومقارها وقادتها داخل الأراضي العراقية.
المحلل السياسي، محمود التميمي، رأى أن "بعض الفصائل دائماً ما تتذرع بالشرعية الدينية وتتستر بهذا الغطاء، بينما جاء الرد اليوم من المرجعية بمنح الحكومة الضوء الأخضر لضرب كل من يخرج عن طور الدولة، عبر بيانها الذي رفع أي غطاء شرعي عن تلك الفصائل" على حد تعبيره.
وقال التميمي لـ "إرم نيوز" إن "الحكومة العراقية باتت تتخذ خطوات جادة نحو تغيير سياستها تجاه التعامل مع التدخلات الخارجية من جانب، وانفلات الفصائل المسلحة داخل البلاد، إذ باتت تعمل على تحجيم تلك الفصائل عبر رفض ارتباطاتها الخارجية، فضلاً عن الضغط عليها باتجاه عدم اتخاذ قرارات منفردة فيما يتعلق بالأمن القومي".
ويعد تعدد المرجعيات الدينية للفصائل والميليشيات المسلحة إحدى أكثر العقبات التي تواجه الحكومة العراقية في ضبط الفصائل، بحسب الخبير الإستراتيجي، سروان عبد الله.
وأشار إلى أن الفصائل المسلحة منقسمة؛ إذ إن 85% منها تتخذ من السيد السيستاني مرجعية لها، في حين تتبع 15% من الفصائل طهران ممثلة بالمرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، مرجعاً لها".
وأضاف أن "الفصائل الموالية لإيران هي الوحيدة التي لم توقف عملياتها ضد المصالح الأمريكية والإسرائيلية، أما بقية الفصائل فهي ملتزمة بقرارات الحكومة، إذ ترى الموالية لإيران أن حديث الحكومة لن يردعها وأن دعوات السيستاني لا تمثلها لأن مرجعيتها في طهران، وهي تأتمر بأوامر إيران لا العراق".
وهذه ليست المرة الأولى التي يدعو فيها السيستاني لحصر السلاح بيد الدولة، فقد تكررت تلك الدعوات عام 2017 مع انتهاء العمليات العسكرية ضد داعش، وعام 2019 حين تورطت بعض الميليشيات في عملية قمع المتظاهرين، وعام 2021 حيث تصاعدت العمليات ضد قوات التحالف الدولي.
ودائماً ما كان السيستاني يطلق هذه الدعوات في سياقات زمنية تتوافق والتحولات الأمنية والسياسية في الداخل العراقي أو المنطقة عموماً.
وتأتي تصريحات السيستاني متزامنة مع التحذيرات الإسرائيلية من توجيه ضربات إلى العراق إذا استمرت الميليشيات الموالية لإيران في مهاجمة إسرائيل.
وبات صراع الجماعات المدعومة من السيستاني ضد الفصائل الموالية لطهران واضحاً للعلن، خصوصاً أن بينهما قطيعة بشكل تام على المستوى العسكري والسياسي وحتى الاجتماعي.
وذكر الخبير في الشأن الإيراني، سردار خوشناو، أن "الهوة بين الميليشيات الموالية لإيران والألوية المؤيدة للسيستاني ضمن "قوات الحشد الشعبي" توسعت بشكل كبير، إذ يقترب السيستاني من سحب البساط من تحت الفصائل الولائية، وهو دائماً ما يدعم الحكومة للتصدي للميليشيات التي لا تنصاع لأوامرها".
رغم ذلك، فإن خوشناو يرى، خلال حديثه لـ "إرم نيوز"، بأن "خوض الحكومة العراقية صراعا مباشرا مع الميليشيات الموالية لإيران قد يتطلب وقتا طويلا ونفسا أطول.
وأضاف: "تلك الميليشيات تمتلك أذرعا سياسية متوغلة داخل العملية السياسية، وهي من يهيىء لها الأرضية اللازمة لاستمرارها، لذا، فإن خطوة السيستاني سحب شرعيتها يمكن أن نعدها الخطوة الأولى نحو حرب طويلة ضد تلك الميليشيات".