جنوب أفريقيا: طرد واشنطن لسفيرنا أمر مؤسف
أسهمت الوثائق التي تركها النظام السوري السابق في مقرات أجهزته الأمنية، بعد سقوطه والهروب العشوائي لقادة تلك الأجهزة، في تداول هذه الوثائق على نطاق واسع بين المواطنين الذين اعتبرها بعضهم، أدلة إدانة لتعاون بعض الأشخاص مع أجهزة نظام الأسد.
ودفع هذا الأمر، لارتكاب عمليات تصفية بحق أسماء واردة في هذه الوثائق، وشيوع مناخات من الرعب تجعل الكثيرين يعيشون كابوسًا يلازمهم على مدار الساعة.
وبعد انتشار خبر هروب بشار الأسد، وحتى قبل سيطرة قوات المعارضة المسلحة على العاصمة دمشق، ترك العديد من مسؤولي الأفرع الأمنية، مكاتبهم ومقراتهم فارغة، ومن ضمنها إدارة المخابرات العامة.
وأظهرت صور متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، عمليات اجتياح عشوائي لتلك المقرات مع صور الملفات ملقاة على الأرض في متناول كل من دخلها.
وكان تحالف فصائل المعارضة الذي تقوده “هيئة تحرير الشام”، سمح للصحفيين والباحثين بفحص أكوام من الوثائق الحكومية التي يوفّر بعضها سجلًّا لجرائم النظام السابق.
وتضمنت الوثائق خليطًا من ملفات فساد، وتقارير استخباراتية، وصفقات، وقوائم طويلة من الأسماء التي أضحت متداولة، وبينها أسماء رؤساء بلديات وشخصيات معروفة، فضلًا عن صحفيين وفنانين وحزبيين، أضحوا الآن مستهدفين من طرف الذين كانوا تعرضوا للتنكيل في عهد النظام السابق، وجاءت بعض التقارير الأمنية المتداولة لتمنحهم ذريعة عصبية للانتقام.
ومن المعروف أن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السابق كانت تعتمد بشكل مستمر على مصادر محلية، مثل: المخاتير، ورؤساء البلديات، والفرق الحزبية، وبعض الوجهاء للحصول على معلومات بشكل عام، دون أن يعني ذلك بالضرورة أن جميع هؤلاء كانوا يقدمون تقارير أو معلومات ضد المواطنين.
فبعض ذاك التكليف أو التطوع بذلك، كان يتم كجزء من عمليات جمع المعلومات العامة التي تنفذها تلك الأجهزة.
وتسجّل روايات سمعها "إرم نيوز" من أهالي درعا وعديد المناطق الأخرى، أن الكثير من التقارير الأمنية المتداولة صورها الآن، تضمنت مراقبة أشخاص والتنصت على آخرين، ورصد مكافآت مالية هزيلة في معظمها، لمصادر تلك التقارير التي لم تكن موسومة بالدقة.
ومع ذلك، كانت التهم التي يتم بموجبها التحقيق والسجن أو حتى الإعدام، تتراوح ما بين التظاهر والاندساس والإرهاب والانشقاق والخيانة، مع ما كان يصاحب ذلك من مداهمات للمنازل، وملاحقة أهالي وأقارب المتهمين وأحيانًا الاستيلاء على منازلهم .
تتفق الانطباعات التي سجلتها "إرم نيوز" عن حالات الانتقام وتصفية الحسابات" التي شهدها عديد المدن والقرى السورية، على خلفية تلك التقارير الأمنية المتداولة بين المواطنين، بأن أعدادها غير موثقة حتى الآن، لكنها بالتأكيد صنعت مناخات اجتماعية متوترة انعكست سلبًا على المشهد الأمني، وأفسحت المجال لأصحاب الأجندات الخاصة أن يزيدوا في منسوب القلق والترصّد. فبمجرد ورود اسم لشخص ما في أي من هذه التقارير يعني أنه سيعيش على مدار الساعة، وهو يتحسب لأن تطاله يد الانتقام دون أن يستطيع الدفاع عن نفسه.
في توصيفه لهذه الأجواء الاجتماعية المشحونة التي خلفها التداول الواسع لوثائق أمنية من المخالفات العشوائية للنظام السوري السابق، يعرض محامٍ معروف في درعا طلب عدم نشر اسمه، كيف أن خطباء المساجد والقيادات العشائرية توافقت على التحذير والتوعية من تبعات التعامل مع هذه الوثائق دون تمحيص لدقتها أو تقدير مسؤولية المتهمين بالوشاية والتعذيب، ما إذا كانت أفعالهم تطوعية أم أنها تمَّت بحكم وظائفهم التنفيذية؟ .
وأشار في حديثه مع "إرم نيوز" إلى أن انفلات السوشال ميديا -حسب وصفه- يعد مسؤولًا بدرجة كبيرة عن تلغيم الأجواء الاجتماعية وتعميم فرز اجتماعي وسياسي، يجب التحسب له على مختلف مستويات المسؤولية.