واشنطن: العقوبات على إيران تأتي ضمن حملة الضغط القصوى التي يشنها الرئيس ترامب عليها
تتباين آراء الخبراء والمحللين حول مدى تأثير الضربات الإسرائيلية التي وُجِّهت إلى ميناء الحديدة اليمني مؤخرًا على اتساع رقعة المواجهة في المنطقة، إلا أن الغالبية العظمى تميل إلى عدم الوصول إلى حرب إقليمية.
ويقول محللون إن "الغرب" لن يحقق لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، رغبته في هذا الأمر، لا سيما مع انشغال أمريكا بالانتخابات الرئاسية وتأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك زيادة النفوذ الصيني.
ويرى المحللون أن تحريك إيران لأذرعها في المنطقة في الوقت الحالي يهدف لتحقيق أهداف للتفاوض مع الولايات المتحدة لتحقيق مكاسب، منها ما يخص العقوبات المفروضة عليها، وهذا التوقيت مناسب لذلك مع الرئيس جو بايدن قبل حدوث ما تتصاعد توقعاته بفوز "الجمهوري" دونالد ترامب في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2024.
توضح الباحثة السياسية الفلسطينية تمارا حداد أن عملية تعميق الضربات الإسرائيلية في اليمن لن تتعلق فقط بالضربة التي وُجِّهت لميناء الحديدة مؤخرًا.
وأضافت أن "تل أبيب معنية باستمرار الرد المباشر، سواء كان عن طريقها أو عبر حلفائها، خصوصًا في جانب البحر الأحمر من خلال أمريكا وبريطانيا هناك.
وتوقعت في حديث لـ "إرم نيوز" استمرار هذه الضربات؛ حتى تحافظ تل أبيب على نظرية "الردع الإستراتيجي"، وتعزز علاقة الشارع الإسرائيلي بالجيش بعد فقدانها في قطاع غزة.
وأشارت حداد إلى أن منطقة اليمن، التي يمثلها الحوثيون اليوم، تُعتبر إحدى الجبهات ضمن منظور ما يُعرف بـ"الأمن القومي الإسرائيلي". تحمل هذه المنطقة تهديدًا إستراتيجيًا لتل أبيب، على الرغم من البعد الجغرافي بين اليمن وإسرائيل، وهو ليس تهديدًا أمنيًا فقط، بل اقتصاديًا أيضًا، فقد أصبح ميناء "إيلات"شبه فارغ بعد أن كان نشطا.
فيما يقول أستاذ العلاقات الدولية والسياسات الخارجية في الجامعة اللبنانية في بيروت خالد العزي، إن عملية "الحديدة" هي رسالة واضحة من تل أبيب لكل من الولايات المتحدة والدول الغربية، مفادها أن إيران تحت مرمى قاذفات الـ"إف-35". مدى قدرتها لا يطول المفاعل النووي في "بوشهر" فقط، ولكنها تستطيع توجيه ضربات قاضية للمؤسسات كلها في طهران. وهذا ما لا تريده أمريكا حتى لا تفقد ورقة تستخدمها دائمًا في تهديدها واستفزازها لدول الشرق الأوسط.
وذكر العزي لـ"إرم نيوز" أن واشنطن لن تضع نهاية لنظام إيران، ولكنها تريد تأديب سلوكه في ظل وجود اعتراضات على نشاط بعض أذرعه.
وأشار إلى أن حاجة إيران للولايات المتحدة لا تقل عن حاجة إسرائيل لها. من هنا، فإن الفرصة الحقيقة لـ"طهران" هي عدم الدخول في مواجهة مع إسرائيل، حتى لا تجبر "واشنطن" على حماية "تل أبيب" في هذه الحالة والذهاب إلى دك "طهران".
ويرى العزي أن هذه المناوشات ستبقى إلى نهاية شهر نوفمبر المقبل، عندما ينتهي الوضع القائم في أمريكا بوصول رئيس جديد. في وقت تعلم فيه "طهران" أنه بوصول "ترامب" للسلطة كما هو متوقع، فإن قواعد الاشتباك لن تكون كما هي الآن. بالتالي، فإن إيران تستغل فرصة وجود الحزب الديمقراطي في البيت الأبيض؛ لأن فرصة التفاوض معهم أكبر، مما يحقق أهداف إيران. من هنا نرى أن الحرب في الشرق الأوسط باتت ورقة للتفاوض الانتخابي.
وتابع العزي: "إيران تحاول استخدام هذه الجبهات من أجل رفع منسوب شروطها في عملية التفاوض مع أمريكا. وطهران تريد أن تحقق حوافز واضحة لأذرعها التي باتت تشكل جبهات مفتوحة في العراق ولبنان واليمن. في ظل رؤية حلفاء تل أبيب، بأن أي حرب لا تحقق انتصارات واضحة لإسرائيل ستكون خسارة، ولن تفيد الدولة العبرية".
وأضاف العزي أن الوضع سيبقى على هذه الحالة. ربما تفلت الأمور إلى متسع من الأحداث، لكن سيتم لملمتها لاحقًا، ولن تؤدي إلى حرب عبر جر إسرائيل لـ"إيران" إلى المواجهة المباشرة. وهذا ما تخشاه طهران التي لن تغامر بما حققته خلال الـ45 سنة الماضية، مما جعلها "آلة" ابتزاز لدول المنطقة.
من جانبه، أكد الباحث في الشؤون الدولية رضوان قاسم أن الرد القادم من اليمن على إسرائيل بشأن ما حدث في الحديدة سيكون قويًا، ولكن تحت السيطرة، وذلك لعدة أسباب يراها قاسم، أبرزها رفض الجانب اليمني تحويل أنظار العالم عن العدوان الإسرائيلي وتبعاته على قطاع غزة.
وأوضح قاسم لـ"إرم نيوز" أن الجانب الإسرائيلي يريد توسيع جبهة الحرب في المنطقة، رغبة منه في توريط الجانب الأمريكي في ذلك، حتى يتحقق لتل أبيب هدف الوصول إلى مواجهة وصدام مع إيران.
وتابع رضوان، أن الجانب الأمريكي لم، ولن يعطي الضوء الأخضر لنتنياهو بالسعي لإشعال الحرب، لا سيما في وضع لا يسمح لواشنطن بذلك، وسط أزمات وارتباطات تتعلق بالداخل ما بين الانتخابات الرئاسية وما يدور حولها، فضلًا عن أزمات الحرب الروسية الأوكرانية، وأيضًا مع الصين. لذلك، الجانب الأمريكي لا يريد توسيع رقعة الحرب.
وتطرق رضوان إلى رغبة نتنياهو في توسيع رقعة الصراع الذي يصطدم بما يفرضه "الواقع" من عدم القدرة على تحقيق ذلك وفتح عدة جبهات دون مساعدة واشنطن، وهنا تكمن ما وصفه رضوان بـ"عقدة" نتنياهو، حيث يريد إشعال حرب في المنطقة بأكملها، وتكون مواجهة إقليمية وصولًا إلى مواجهة أمريكية إيرانية.
وأردف رضوان: "الدول الغربية لا تريد إشعال حرب أو الدخول فيها، وهذا يعتبر نقطة ضعف يشعر بها نتنياهو".