تواجه تشكيلة رئيس الحكومة التونسية المكلف، حبيب الجملي، والتي جاءت إثر تجاذبات سياسية وأقصيت الأحزاب من المشاركة فيها، انتقادات على مستوى استقلاليتها ومدى نجاعتها في تجاوز التحديات التي تقف أمام الديمقراطية الفتية.
أعلن الجملي الذي اقترحه حزب "النهضة"، الخميس، تشكيلة حكومة مستقلين تتكون من 28 وزيرا و15 كاتب دولة، غالبيتهم من غير المعروفين لدى الرأي العام التونسي.
أكد الجملي أنه استند إلى معيار الكفاءة والاستقلالية في اختيار الوزراء، بعد أن انطلق في مشاورات موسعة مع الأحزاب منذ منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، أفضت إلى إقصائهم بسبب التجاذبات السياسية.
وتعالت الأصوات، الجمعة، مشيرة إلى انتماء بعض الوزراء إلى أحزاب سياسية ومشككة في استقلالية الحكومة التي يُنتظر أن يحدد البرلمان، السبت، تاريخ انعقاد جلسة عامة للتصويت بالثقة عليها.
وكتبت صحيفة "لابراس" الناطقة بالفرنسية الجمعة: "تشكيك في الاستقلالية وكفاءة غير موجودة".
بينما اعتبرت صحيفة "المغرب" أن الفريق الحكومي الجديد يضم أسماء عرفت بقربها من أحزاب سياسية. وكتبت: "حكومة النهضة وقلب تونس ومن كل زوجين اثنين".
"هجينة"
كما طالت الانتقادات الحبيب الجملي (60 عاما)، لكونه كان كاتب الدولة السابق لدى وزير الفلاحة (2011-2014) وشارك في حكومتين سابقتين بقيادة حزب "النهضة" كتكنوقراط مستقل.
وتم ترشيح قضاة على رأس وزارات سيادية منها الداخلية والعدل.
واعتبرت صحيفة "لوكوتيديان" الفرنسية أن تعيين الناطق الرسمي السابق للقطب القضائي لمكافحة الإرهاب سفيان السليتي جاء نتيجة "لقربه" من النهضة، ولكونه "معروفا لدى العامة".
يضاف إليه القاضي الهادي القديري المعين وزيرا للعدل والذي تعتبره الصحيفة مقربا من النهضة كذلك.
حل حزب "النهضة" أولا في الانتخابات النيابية (52 مقعدا من مجموع 217)، وانتخب زعيمه التاريخي راشد الغنوشي رئيسا لبرلمان مشتت لم يتمكن أي حزب من نيل الغالبية التي تمنحه فرض حكمه.
إلى ذلك، شملت الانتقادات عضوين آخرين هما فاضل عبد الكافي المرشح لحقيبة التخطيط والتنمية والتعاون الدولي، وكاتبة الدولة لدى وزير الصحة مها العيساوي، واعتبرا مقربين من حزب "قلب تونس" ثاني أكبر القوى في البرلمان مع 38 نائبا.
ويرى المحلل السياسي حمزة المؤدب أنها "تركيبة حكومية هجينة. في الظاهر مستقلة عن الأحزاب، ولكن عمليا تريد أن ترضي الأحزاب الداعمة لكي تمر في البرلمان.. هناك سقوط في فخ الاستقلالية الكاذبة".
"تحديات اقتصادية واجتماعية"
غير أن الجملي كشف منذ أسبوع وجود "تجاذبات" بين الأحزاب التي دخلت معه في مشاورات، حالت دون التوصل إلى توافقات بخصوص تشكيل الحكومة في مرحلة أولى، وقال: "داخل الأحزاب هناك آراء مختلفة وتصورات مختلفة، هذا زاد المشهد صعوبة كبيرة، هذا الشق له رأي، والآخر له رأي آخر".
وشدد الجملي على أن "هناك أحزابا وضعت شروطا كبيرة" لم يحددها، عرقلت مسار المشاورات.
وأعلن "التيار الديمقراطي" (22 نائبا)، وحركة "الشعب" (15 نائبا)، ثاني أكبر الكتل في البرلمان (من مجموع 217 نائبا) انسحابهما من المشاورات، معللين ذلك بعدم الحصول على حقائب وزارية أو "غياب الجدية".
يؤكد المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، في المقابل، أن "السؤال الأساسي ليس التركيبة بقدر ما هو البرنامج ومدى قدرة رئيس الحكومة وهذا الفريق على مواجهة تحديات اقتصادية واجتماعية بدرجة أولى".
ولم تستطع البلاد منذ ثورة 2011 تجاوز الضغوط الاقتصادية وقد ركزت الطبقة السياسية اهتماماتها أكثر على تأمين الانتقال الديمقراطي السياسي، بينما تأجلت الإصلاحات الاجتماعية مع تفاقم المطالب المعيشية.
كما يزداد الاحتقان الاجتماعي في البلاد خصوصا مع ارتفاع سقف المطالب الاجتماعية بسبب تضخم الأسعار، رغم استقرار بعض المؤشرات الاقتصادية دون خروجها من منطقة الخطر.
فلا تزال نسبة البطالة في مستوى 15.1 في المئة والتضخم 6.3 في المئة ونسبة النمو بحدود 1.4 في المئة، بينما يبلغ العجز في الموازنة 3.5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي.
ويشترط مرور حكومة الجملي المقترحة بغالبية لا تقل عن 109 أصوات في البرلمان المنقسم.
وحسب الفصل 89 من الدستور التونسي وعند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، يقوم رئيس الجمهورية في أجل عشرة أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر.