"سي إن إن": المقترح الأمريكي بشأن المعادن لا يتضمن أي بنود عن ضمانات أمنية لأوكرانيا
خرج الطرفان الروسي والأمريكي بانطباعات جيدة عن أول جولة مفاوضات مباشرة بين وفدي البلدين برئاسة وزيري الخارجية، ماركو روبيو، عن جانب إدارة الرئيس ترامب، وسيرغي لافروف عن الجانب الروسي، في مقابل موجة غضب واسعة جدا بين الحلفاء الأوروبيين التقليديين، والجانب الأوكراني الذي لم يتردد في القول على لسان الرئيس زيلينسكي إن كييف غير معنية بأية تفاهمات حصلت بين المفاوضين في الرياض.
هنا في العاصمة واشنطن أحاديث من مستوى آخر تتعلق بالموقف الأمريكي من الجبهتين، الأولى ترتبط بالعلاقة الثنائية مع موسكو، والثانية ترتبط بالموقف من الحرب في أوكرانيا.
كثير من الأصوات ترتفع هنا بين ديمقراطيين وجمهوريين حول طريقة التفاوض التي تتم من خلالها المحادثات الحالية بين الإدارة الجديدة والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خاصة في تلك الأجزاء المتعلقة بمكاسب هذه الحرب ضمن الأهداف الاستراتيجية التي وُضعت لها من قبل واشنطن قبل ثلاث أو أربع سنوات من الآن.
وتعهد الرئيس ترامب خلال حملة الترشح لولاية رئاسية جديدة بإنهاء هذه الحرب التي لا يرى فائدة منها للولايات المتحدة والعالم، بل إنه شدد في عدة مناسبات على أنه سيكون قادرا على إنهائها في اليوم الأول من وجوده في البيت الأبيض، إضافة إلى تأكيده المتجدد على أنه لو كان في البيت الأبيض لما كان لهذه الحرب أن تحدث في المقام الأول.
ويقول معاونو ترامب لـ"إرم نيوز: إن ما تقوم به الإدارة الحالية هو تنفيذ حرفي لتلك الالتزامات التي قطعها ترامب للناخبين الأمريكيين عند ترشحه للرئاسة، وإن الخطوات التي تتخذها هذه الإدارة في المرحلة الحالية هي إجراءات أولية في سبيل التوصل إلى أرضية اتفاق بين البلدين لإطلاق عملية تفاوض من شأنها أن تصل في نهاية المطاف إلى اتفاق سياسي بين موسكو وكييف، يكون كفيلا بإنهاء الحرب الحالية التي لا فائدة منها لجميع الأطراف.
هذا الإيضاح الذي يقدمه معاونو ترامب يضيفون إليه أن الإدارة الحالية وضمن مساعيها الحالية باتت تستهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار في أوكرانيا ضمن حدود الـ100 يوم الأولى من عمر إدارة ترامب في البيت الأبيض.
ويضيف هؤلاء أن هذا الهدف يفتقر إلى الواقعية بالنظر إلى تعقيدات الملف وحسابات الربح والخسارة التي تحكم الأطراف المعنية بالحرب الحالية، لكنه سيكون ممكنا من خلال اتخاذ إجراءات عملية على الأرض من شأنها أن تسرع في إمكانية تحقيق هذا الهدف في آجاله المحددة له.
إعادة موسكو إلى المسرح الدولي .. أكبر مخاوف الديمقراطيين
لايختلف اثنان هنا في واشنطن على أن الهدف الاستراتيجي الذي سعت إليه واشنطن منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية كان تحقيق إجماع دولي ضد موسكو، وهو الأمر الذي تحقق للإدارة السابقة والشركاء الأوروبيين عبر سلسلة طويلة من القرارات الجماعية بين ضفتي الأطلسي وشركاء آخرين في المحيط الدولي، إضافة إلى ربط العزلة الدبلوماسية لموسكو بسلسلة عقوبات اقتصادية كان الحلفاء في الأطلسي مجتمعين يلجؤون إلى تشديدها في كل مرة يحتاجون إلى ذلك، وهو الأمر الذي جعل من خيار التحالفات محدودة جدا بالنسبة لموسكو، وجعل الأمر مقتصرا على إيران وكوريا الشمالية وبكثير من التحفظ الصين مع الإبقاء على النافذة الدبلوماسية مفتوحة بصفة دائمة مع تركيا.
اليوم هناك قلق بين المشرّعين الديمقراطيين بصورة خاصة من أن تشكّل محادثات الرياض -في أول اتصال علني أمريكي روسي منذ بداية الحرب- هدفا استراتيجيا بالنسبة لموسكو، وهو العودة إلى المسرح الدولي من خلال هذه المفاوضات، ولكن قبل ذلك هناك أحكام قضائية لاتزال قائمة من قبل المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس بوتين وقيادات روسية أخرى.
ويقول قادة ديمقراطيون إن أحد الأهداف الاستراتيجية في المرحلة السابقة من عملية تضييق الخناق القانوني والديبلوماسي على القادة الروس هو توفير موقع تفاوضي أفضل لأوكرانيا والحلفاء الأوروبيين في حالة الانخراط في أية عملية سياسية قد تحدث لاحقا.
ويؤكد القادة الديمقراطيون في حديثهم لـ"إرم نيوز" أن بوتين حقق هذا المكسب من أول لقاء أمريكي روسي مباشر، وذلك بسبب ظهور الصورة العلنية لهذه المفاوضات من أنها تقتصر فقط على القوتين الكبريين والمعنيتين بالصراع في كييف.
الغياب التام للشركاء الأوروبيين عن هذه المفاوضات والطرف الأوكراني يحمل معه معنى واحدا يشير القادة الديمقراطيون إلى أن الطرف الروسي لديه الآن قناعة جديدة بأنه لن يحتاج إلى جهود تفاوضية مع أوكرانيا ولا مع الغرماء الأوروبيين، وأنه بحاجة إلى إيجاد تسويات مباشرة مع الطرف الأمريكي.
إشارات واشنطن تقلق أوروبا ..زلزال سياسي في الأفق
يصل في الساعات القادمة إلى العاصمة واشنطن رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، في أول زيارة لمسؤول أوروبي رفيع إلى الولايات المتحدة منذ استلام الرئيس ترامب السلطة قبل أقل من شهر من الآن.
وصول المسؤول البريطاني إلى واشنطن كان مسبوقا بسلسلة تصريحات مباشرة وغير مسبوقة في نوعها وحدّتها لمسؤول بريطاني رفيع ولأكبر حلفاء واشنطن التاريخيين في القارة الأوروبية.
ويقول المسؤول البريطاني إن بلاده قررت أن تأخذ دورها القيادي التقليدي والتاريخي في تأمين أوروبا بعد ذلك المنحى الذي اتخذه المسار التفاوضي بين موسكو وواشنطن في الرياض، وأنه بات واجبا على القارة الأوروبية الآن بعد هذه التطورات أن تعيد النظر في حساباتها الخاصة بأمنها مستقبلا بدءا من هذه اللحظة.
بهذه الانطباعات سوف تعقد أول جلسة مباحثات مباشرة بين حليفين تاريخيين تقليديين على ضفتي الأطلسي، وسط حالة من التباينات هذه المرة لا تقتصر فقط على كيفية إنهاء الحرب في أوكرانيا لكنها تمتد إلى قضايا أخرى جوهرية، بعضها يصل إلى مستوى مناقشة النموذج الديمقراطي الأوروبي الذي انتقده نائب الرئيس فانس في جولته الأوروبية الأولى، إضافة إلى ذلك الخلاف القديم الجديد بين الرئيس ترامب والشركاء الأوروبيين المتعلق بمستقبل الحلف الأطلسي وكيفية تمويله وحجم مساهمة الأعضاء الأوروبيين في ميزان مدفوعاته.
ولن تكون جلسة المفاوضات الأمريكية البريطانية المرتقبة سهلة على الطرفين، خاصة في ظل التصريحات التي أثارت قلق لندن وباريس وغيرهما من العواصم الحليفة من أن ترامب لا يستبعد من أن تكون أوكرانيا روسيّة بالكامل في المستقبل.
ويقول معاونو الرئيس ترامب إنه سيكون خطأ من قبل الشركاء الأوروبيين الحكم على المسار التفاوضي الحالي في هذا الوقت المبكر؛ لأن الطريق لايزال طويلا لرسم معالم لنتائجه.
وأعلن الوزير روبيو من الرياض أن الاجتماع الأول من نوعه هو مجرد محطة أولى في طريق طويل، وأنه لا تاريخ حتى الآن على الأقل للقاء الرئيسين ترامب وبوتين تم تحديده في هذه الاجتماعات.
الفريقان المفاوضان سوف يواصلان العمل بحسب روبيو دائما، وهذه المسألة وحدها كافية لإثارة القلق الأوروبي؛ لأنها تحمل في طيّاتها معنى واضحا بأن الاستبعاد الأوروبي سوف يظل قائما في هذا المسار التفاوضي بين الجانبين.
أما الأوروبيون فيتمسكون بوجهة النظر التي تقول: إنهم كانوا شريكا أساسيا في قرار الرد الأطلسي على التدخل الروسي في أوكرانيا، وتحمّلوا عناء المرحلة الماضية بكامل تكاليفها على شعوبهم واقتصاداتها، ومن ثم لا يمكن أن يقتصر الدور الأوروبي في المرحلة الحالية على متابعة المفاوضات من وراء شاشات التلفزيونات أو من خلال الاطلاع على تفاصيلها عبر القنوات الديبلوماسية.