صحة غزة: عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع يتجاوز 50 ألفا
تعيش ألمانيا، منذ أيام، أزمة سياسية نادرة على خلفية إقالة المستشار الألماني أولاف شولتس لوزير ماليته كريستيان ليندنر، بسبب خلافات حول الملف الاقتصادي، لينهار الائتلاف الحاكم، وسط تساؤلات عن وجهة الأزمة السياسية التي تعصف ببلد لطالما عرف بالاستقرار السياسي.
وما يفاقم من وطأة الأزمة أنها جاءت في ظل ظروف دولية بالغة الحساسية، فالحرب الأوكرانية متواصلة دون أي مؤشرات على انتهائها قريبا، فيما جاء فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بمثابة "خبر سيئ" للنخب السياسية الألمانية التي ترى في ترامب تحدياً حقيقياً ينذر بمواجهة قد تضعف التحالف بين ضفتي الأطلسي.
في ظل هذه الأجواء غير المواتية، من المقرر أن يطلب المستشار شولتس تصويتا على الثقة في منتصف الشهر المقبل، ما سيمهد الطريق أمام انتخابات برلمانية مبكرة، ستجرى في نهاية فبراير/ شباط 2025، بدلا من خريف العام ذاته.
وإلى ذلك الحين، فإن ألمانيا "ستواجه فترة من عدم الاستقرار في ظل حكومة أقلية ضعيفة، مشابهة لما حدث في فرنسا بعد حسابات ماكرون الخاطئة في الصيف الماضي"، بحسب صحيفة الغارديان التي أضافت: "هذا ليس مثالياً في وقت يخطط فيه دونالد ترامب لإعادة تشكيل السياسة الغربية تجاه أوكرانيا والتشويش على الاتحاد الأوروبي في قضايا التجارة".
وبينت الصحيفة: "في لحظة حاسمة، يتباطأ محرك التكامل الأوروبي بين ألمانيا وفرنسا. في عالم متعدد الأقطاب، حيث تتفكك عقائد التجارة الحرة القديمة، يمثل نهج شولتس مفترق طرق بالنسبة لألمانيا، التي بقيت وفية لوصفات اقتصادية باتت قديمة. عواقب حرب روسيا ضد أوكرانيا وصعود الصين كمنافس، بالإضافة إلى أمريكا الأكثر حمائية، تشكل تهديداً وجودياً للاقتصاد الألماني المتأزم".
ومع تأكيد إجراء انتخابات مبكرة واستعداد الأحزاب لهذا الحدث، فإن تقارير الإعلام الألماني ترى أن شولتس يواجه تحديات كبيرة في الحفاظ على منصبه، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم المعارضة بقيادة فريدريش ميرتس، زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي (CDU) (وهو حزب المستشارة السابقة أنجيلا ميركل).
وبحسب تقرير في موقع "دويتشه فيله" فإن ميرتس سيعتمد على استغلال القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تشغل الشارع الألماني، مثل إدارة الأزمات الاقتصادية والتغير المناخي. بالإضافة إلى ذلك، قد يحاول استقطاب الناخبين الذين يشعرون بالقلق إزاء سياسات الحكومة الحالية. لكن نجاحه سيتوقف على قدرته في بناء تحالفات قوية داخل البرلمان، وتحقيق وحدة داخل حزبه الذي يعاني من بعض الانقسامات الداخلية".
ويتقدم حزب ميرتس في استطلاعات الرأي مع 32 بالمئة من نوايا التصويت لدى الناخبين.
وكان الوزير المقال ليندنر قال خلال مؤتمر في برلين إن ميرتس سيكون المستشار الألماني المقبل "باحتمال يوازي اليقين".
ورغم هذا "اليقين" كتبت صحيفة ألمانية: "برنامج الحزب المسيحي الديمقراطي لا يزال غامضاً إلى حد كبير في العديد من النقاط المهمة. يجب على ميرتس تغيير ذلك بشكل عاجل إذا كان يريد أن يجذب ليس فقط أنصار الحزب البافاري الشقيق (الحزب الاجتماعي المسيحي)، ولكن أيضاً عموم الناخبين إلى جانبه".
وبحسب الاستطلاعات، لن يكون تشكيل ائتلاف حكومي مقبل أمرا سهلا، إذ يستبعد حزب ميرتس أي استعداد للتحالف مع حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف الذي منحه آخر استطلاع لمعهد "إينسا" نحو 19,5 بالمئة من الأصوات.
ويمكن لميرتس أن يتفادى تشكيل ائتلاف ثلاثي، لكن يخشى ألا يجد شريكا قويا بما فيه الكفاية، مع 15,5 بالمئة من نوايا التصويت للحزب الاشتراكي الديمقراطي، و11,5 بالمئة للخضر.
وعند خسارة شولتس تصويت الثقة في البوندستاغ، كما هو متوقع، سيكون أمام الرئيس الألماني فرانك فالتر شتانماير ثلاثة أسابيع لحل البرلمان، ما يعني أن ألمانيا ستشهد حملة انتخابية في خضم فصل الشتاء القارس، وهو ما سيعقّد مهمات المرشحين وتحفيز الناخبين على حضور تجمعاتهم، علما أن الحملات الانتخابية في ألمانيا تجرى بشكل تقليدي في الصيف، استعدادا للانتخابات التشريعية التي تجرى عادة في أوائل الخريف.
ولكن ما يحفز الساسة الألمان على إنجاز هذا الاستحقاق، هو أن غالبية استطلاعات الرأي تشير إلى أن معظم الألمان يرغبون في أن تجرى الانتخابات بأسرع وقت ممكن، ويعتبرون أن بلادهم لا يمكن أن تنتظر أشهرا طويلة في ظل الخلافات السياسية الحادة التي تعرقل العمل الحكومي.
وما يجعل من إجراء الانتخابات أمرا ضروريا في أكبر اقتصاد أوروبي، كذلك، هو مسألة الموازنة، إذ استبعد وزير المالية المعيّن حديثا يورغ كوكيز أن تتمكن برلين من إقرار موازنة 2025 قبل الانتخابات التشريعية المبكرة.
ومن جانبها، أعطت المديرة الاتحادية للانتخابات روث براند الضوء الأخضر لإجراء انتخابات مبكرة، معتبرة أن ذلك ممكن بالكامل من الناحية القانونية.
ووفقا لما تقدم، فإن برلين على موعد مع انتخابات مبكرة ستعيد تشكيل الخريطة السياسية في البلاد، مع عودة متوقعة لحزب ميركل، لكن بزعيم مختلف هو ميرتس، الذي لا يحظى بكاريزما ميركل، لكنه قد يستعين بإرثها في إخراج ألمانيا من أزمتها السياسية والاقتصادية.