كشف مقربون من الإدارة الأمريكية، في تصريح لـ "إرم نيوز"، أن الرئيس دونالد ترامب يبحث حاليًا الخيارات المتاحة أمامه للتعامل مع أزمة التسريب الأمني الأخير، التي وضعت إدارته في موقف محرج أمام الرأي العام.
يرجع ذلك لحساسية، وفق المصادر، المعلومات المتداولة التي شملت خطة الحرب المرتبطة بالعمليات العسكرية التي نفذتها واشنطن ضد الحوثيين في اليمن منتصف الشهر الحالي بتفاصيلها الدقيقة، وما رافقها من نقاش بين مسؤولي إدارة الرئيس ترامب حول جدوى ومنافع وأضرار يمكن أن تترتب على هذه العمليات قبل تنفيذها.
المصادر المقربة من الرئيس تضيف أن ترامب ربما فضّل التريث ومراقبة حجم ونوع ردود الفعل على هذه العاصفة، بين مختلف أجنحة الطبقة السياسية خاصة على مستوى الكونغرس، قبل أن يتخذ قراراً في هذه القضية.
وبذل ترامب جهداً واضحاً في التعامل مع سؤال مراسلي البيت الأبيض، حول الأزمة العاصفة التي هزت فريقه الأمني، وذلك بعد إضافة اسم رئيس تحرير صحيفة "أتلانتيك" جيفري غولدبرغ، إلى مجموعة محادثة خاصة لمسؤولي الأمن القومي تضم وزير الخارجية مارك روبيو ونائب الرئيس جي دي فانس.
ترامب أبلغ الصحفيين أنه لا يملك لحظتها المعلومات الكافية عن القصة، لكنه شدد على أنه ليس أحد المعجبين الكبار بالصحيفة، مكرراً مقولة حليفه المقرب الملياردير إيلون ماسك إن "أفضل مكان لدفن جثة ميتة هي صفحة في أتلانتيك".
تصريح ترامب المحسوب جداً في التعامل مع الموقف المزعج جداً دفع البيت الأبيض عن طريق المكتب الإعلامي إلى الإعلان عن وجود المجموعة.
لكنه أشار في مقابل ذلك إلى أن التحقيق جار في سبيل معرفة كيف تمت إضافة اسم رئيس تحرير الصحيفة إلى المجموعة الخاصة لمسؤولي الأمن القومي في الإدارة الحالية.
القضية أخذت أبعاداً متصاعدة، على مدار الساعات الماضية، على خلفية ارتفاع المطالبات بين النواب والشيوخ الديمقراطيين للتحقيق في هذه القضية وكذلك الأمر بين بعض النواب الجمهوريين الذين ذهب بعضهم في هذا الاتجاه.
تعود القصة، إلى منتصف الشهر الماضي، كما يروي تفاصيلها رئيس تحرير "أتلانتيك"، عندما تلقى إخطاراً عن طريق رسالة نصية على هاتفه تفيد بأنه تمت إضافة اسمه إلى مجموعة محادثة أنشأها مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض مايك والتز.
وأضاف أنه لم يأخد الأمر على محمل الجد، بل كل الذي اعتقده أن هناك من يريد أن يستخدم اسمه في "قضية شريرة"، لكن ما حدث بعد ذلك كان مثيراً للدهشة والحيرة لأن المتحدثين في المجموعة كانوا كبار مسؤولي الإدارة وما يطرح بينهم من نقاش ومعلومات جعل هذا الأمر أقرب إلى عدم التصديق، رغم أنه كان حقيقياً.
وكان صحفي "أتلانتيك" على علم بمسار النقاش الداخلي في أجنحة الإدارة ضمن المجموعة التي أسماها صاحبها بمجموعة "الحوثيين الصغيرة"، وازدادت الدهشة عندما بدأ المتحدثون داخل المجموعة في نشر خرائط ومعلومات عن نوعية الأسلحة التي سيتم استخدامها وكذلك التوقيت الذي سوف يتم خلاله تنفيذ العمليات العسكرية، وهو الأمر الذي تحقق لاحقاً بأدق تفاصيله.
صحفي "أتلانتيك" خرج لاحقاً إلى متابعيه بالقصة الكاملة حول إضافة اسمه إلى هذه المجموعة "الخاصة جداً"، إضافة إلى مقتطفات من تلك الرسائل النصية التي تم تبادلها داخل المجموعة، وبصورة كان هو يتابعها على مدار الساعة.
ولاحقاًـ عمد مؤسس مجموعة المحادثة على تطبيق "سيغنال" للمحادثات السرية إلى محو نص المحادثة الكاملة، ولكن بعد أن أصبح الأمر قصة وطنية مطروحة على وسائل الإعلام.
ويُسأل الرئيس وبقية مسؤولي البيت الأبيض عن كيفية حدوث هذا الاختراق الأمني الكبير في التعامل مع مسائل أمنية سرية من الدرجة الأولى وهي التي ترتبط بخطة حرب ونقاش بين كبار المسؤولين بمن فيهم نائب الرئيس.
أكثر من سؤال بات مطروحاً في واشنطن عن مصير مستشار الأمن القومي الذي كان المسؤول الأول عن هذا الخطأ، وكذلك عن إضافة اسم الصحفي إلى مجموعة المحادثة السرية.
لكنّ الأكثر أهمية من كل ذلك هو نقل هذه المحادثات الأمنية عالية سرية إلى تطبيق هاتفي حتى وإن كان "عالي الخصوصية"، إلا أن ذلك لا يضمن حماية السرية لمعلومات حكومية ترتبط بخطة حرب والمتحدثون هنا هم مسؤولو الصف الأول للفريق الأمني في الادارة الأمريكية.
يقول المقربون من إدارة ترامب إن الرئيس ينظر في المسالة حالياً وأنه فضّل خيار "الصمت الكامل" في التعامل مع تطورات هذا الملف، حتى هذه اللحظة، لكنهم لايستبعدون قرار إقالة المسؤول الأمني الأول في الإدارة.
في مقابل ذلك، لا يتردد المقربون من ترامب في الإشارة إلى أنه حتى لو كتب للمستشار الأمني للرئيس النجاة من تبعات هذا الزلزال السياسي إلا أن مسألة قدرته على الوفاء بالتزامات سرية ضمن مهامه مستقبلاً ستكون مسألة في غاية التعقيد، علاوة على أن عامل الثقة سيكون غائباً لدى المتعاملين مع مكتب الأمن القومي عندما يرتبط الأمر بحساسية المعلومات المتداولة.
المقربون من ترامب يوضحون أيضاً أن الإدارة الحالية لا ترغب في إظهار ارتباكها في المرحلة الحالية، وهي التي تخوض مجموعة تحديات في الداخل والخارج، وكذلك لا ترغب في إثارة حالة من الجدل حول قدرتها على التعامل مع حساسية معلومات الأمن القومي وخطط التعامل مع الأعداء الخارجيين لأن ذلك سيضعها في صورة لا ترغب في أن تظهرها بها بأي حال من الأحوال.
لذلك، يرى المقربون من الإدارة الأمريكية أن أحد خيارات الرئيس ترامب، في الوقت الحاضر، قد يكون التعامل مع الوضع الحالي بأسلوب إدارة الأزمة قبل اللجوء إلى اتخاد القرارات الداخلية الخاصة بها.
المكتب الإعلامي للبيت الأبيض فضّل الإشارة إلى أنه تم اطلاع الرئيس على تفاصيل القضية، لكنه عرج بعد ذلك على الإشادة بنجاح العمليات العسكرية التي تم تنفيذها ضد الحوثيين.
وتماماً كما كان متوقعاً، ارتفعت أصوات النواب والشيوخ الديمقراطيين في الكونغرس للمطالبة بفتح تحقيق فوري في القضية، مؤكدين أن لجوء أعضاء فريق الأمن القومي إلى استخدام تطبيق "سيغنال" سلوك غير قانوني.
زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر قال إن الذي حدث هو أحد أكبر الخروقات الصادمة للمعلومات العسكرية التي قرأنا عنها منذ فترة طويلة للغاية، مؤكداً أنه سيطلب من زعيم الأغلبية الجمهورية جون تون في المجلس، التحقيق في القضية.
هذه المطالب لم تقتصر فقط على الديمقراطيين، حيث أن زعيم الجمهوريين في المجلس هو الآخر طالب بالنظر جدياً في القضية، مشيراً إلى أنه ينبغي علينا تحري الأمر ومعرفة ما حدث، مؤكداً أنه ستكون لديه خطة للتعامل مع هذا الأمر.
وفي رد سريع من جانب الأبيض على تطورات القضية في مبنى الكابيتول تقول المتحدثة باسم البيت الابيض كاولين ليفيت إن الرئيس ترامب لايزال يثق تماماً في فريق الأمن القومي وكذلك في مستشاره للأمن القومي مايك والتز.