القوات الجوية الأوكرانية: دفاعاتنا أسقطت 56 مسيرة من أصل 88 أطلقتها روسيا في هجوم ليلي
بعد أن كرر القول خلال حملته الانتخابية أنه سينهي الحرب الروسية-الأوكرانية خلال 24 ساعة من توليه منصبه، اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 14 مارس، في مقابلة تلفزيونية أنه كان "يتهكم قليلاً" بهذا الحديث.
والآن مع مضي أكثر من شهرين على وجود ترامب في البيت الأبيض، وعقد عدة جولات من المفاوضات في العاصمة السعودية الرياض، لا تزال الحرب بعيدةً عن نهايتها، ويبدو المسار الدبلوماسي وعراً إن لم يكن عقيماً بالكامل.
فالجولة الأخيرة الماراثونية التي جرت الاثنين 24 مارس والتي استمرت 12 ساعة، بين الأمريكيين والروس في الرياض، لم ينتج عنها سوى الإعلان، عن الاتفاق على عودة الهدنة في البحر الأسود، وهي ذاتها التي تمنع استهداف خطوط الشحن التجاري تم التوصل إليها بدايةً في يوليو 2022 إلا أن روسيا انسحبت منها في يوليو 2023.
ولكن قبل أن تنتعش الآمال بإمكانية الانتقال من هدنة البحر الأسود إلى تفاهمات أوسع، أعلن الكرملين أن هدنة البحر الأسود لن تطبق إلا بعد إعادة ربط المصارف الروسية بالأنظمة المالية العالمية، حيث اتهم الرئيس الأوكراني روسيا بالخداع فيما قال الرئيس الأمريكي، إن روسيا تماطل في التوصل لاتفاق لإنهاء الحرب.
التقدم البطيء جداً في المسار الدبلوماسي يجب ألا يكون مفاجئاً لأي شخص راقب الأزمة الروسية-الأوكرانية منذ تفجرها في فبراير 2014، فتعثر الخيارات الدبلوماسية لا علاقة له بالمتفاوضين بقدر ما يتعلق بالوقائع المعقدة لهذه الأزمة ومحدودية قدرة أي وسيط على تغيير هذه الوقائع، حتى لو كان هذا الوسيط هو الولايات المتحدة.
وقبل الحديث عن قدرات الوسيط الأمريكي، وأوراق الضغط المتاحة لواشنطن، ربما من المفيد أكثر التساؤل عن مدى اهتمام الولايات المتحدة فعلاً بإنهاء هذه الحرب.
تأكيدات ترامب خلال الحملة الانتخابية، على قدرته على إنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية كانت مدفوعة بالدرجة الأولى باعتبارات انتخابية وإعلامية ومحاولته وصف الديمقراطيين بالفشل وإبقاء الولايات المتحدة متورطة في نزاعات عالمية مكلفة بالنسبة لدافع الضرائب الأمريكي.
ولكن بعيداً عن مناكفة الديمقراطيين وبحث ترامب عن انتصار سياسي ودبلوماسي يضيفه إلى رصيده وربما يكون سبباً في حصوله على جائزة نوبل للسلام التي طالما تحدث عنها، فإن الواقع يبقى أن الولايات المتحدة لا تمتلك الكثير من الحوافز الموضوعية للضغط لإنهاء الحرب.
فأغلب القوى الفاعلة المختلفة في الولايات المتحدة تستفيد أكثر من استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية بالمقارنة مع انتهائها، فتوقف الحرب عبر اتفاق سياسي وبغض النظر عن تفاصيله الميدانية سيعني بشكل حتمي رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية المختلفة عن روسيا.
رفع العقوبات سيضر بشركات الطاقة الأمريكية التي قدمت مئات ملايين الدولارات للحملة الانتخابية لترامب، والذي وعد من جانبه بدعم سياسات زيادة الإنتاج الأمريكي من الوقود الأحفوري وتعهد تحديداً بزيادة إنتاج النفط الأمريكي بثلاثة ملايين برميل يومياً.
إنتاج النفط الأمريكي ارتفع من 11.4 مليون برميل في يناير 2022 إلى 13.5 في يناير 2025 – وهو أعلى معدل في تاريخ النفط الأمريكي ومتوسط إنتاج الغاز الطبيعي الأمريكي ارتفع أيضاً من 95 مليار قدم مكعب يومياً في 2021 إلى 105 مليارات قدم مكعب يومياً في مطلع 2025. لم يكن من الممكن تحقيق هذه القفزة بدون العقوبات المفروضة على قطاع النفط الروسي.
شركات السلاح الأمريكية استفادت بشكل هائل من الحرب فقد ارتفعت مبيعات السلاح الخارجية من حوالي 56 مليار دولار في 2021 إلى 118 ملياراً في 2024.
والآن مع توجه الأوروبيين لمضاعفة إنفاقهم الدفاعي، من المرجح أن تتضاعف مبيعات السلاح الأمريكية مرة أخرى، فالاتحاد الأوروبي أعلن في مطلع مارس، عن خطة "Re-Arm Europe" لإعادة تسليح أوروبا بتكلفة 800 مليار يورو على مدى أربعة أعوام، فيما أعلن المستشار الألماني الجديد فريدريش ميرتس – الذي لا يزال يشكل حكومته الائتلافية – أن بلاده سترفع إنفاقها الدفاعي إلى ما يعادل 3.5% من الناتج المحلي خلال 10 أعوام، وهذا ما يعني عودة الإنفاق الدفاعي الألماني لمستويات منتصف ستينيات القرن الماضي. عشية العملية الروسية في أوكرانيا، كانت ألمانيا تنفق على الدفاع 1.3% فقط من الناتج المحلي.
ومن التفاصيل التي لا يشار إليها عادةً في وسائل الإعلام أن مجمل الاقتصاد الأمريكي استفاد بشكل كبير من الحرب الروسية-الأوكرانية، فحجم الناتج المحلي الأمريكي ازداد بحوالي 27% بين 2021 و2024 (من 23.3 تريليون دولار إلى 29.7 تريليون دولار).
أما الناتج المحلي للاتحاد الأوروبي فازداد خلال الفترة نفسها بحوالي 12% فقط (من 17.35 تريليون يورو إلى 19.4 تريليون يورو). القفزة الاستثنائية في الناتج المحلي الأمريكي تتجاوز التأثيرات التراكمية المباشرة لمكاسب قطاعي الدفاع والطاقة.
هذه القفزة جاءت نتيجة ازدياد تنافسية الاقتصاد الأمريكي بالمقارنة مع الاقتصاد الأوروبي خلال فترة الحرب الروسية-الأوكرانية.
فأسعار الكهرباء في الولايات المتحدة بين 2019 و2024 ارتفعت بحوالي 26% فقط، بينما ارتفع متوسط أسعار الكهرباء في الاتحاد الأوروبي بأكثر من 50% خلال الفترة نفسها.
ومتوسط أسعار الكهرباء في الاتحاد الأوروبي الآن هو أعلى بحوالي 100% بالمقارنة مع الولايات المتحدة (متوسط سعر الكيلووات الساعي من الكهرباء في أوروبا يعادل 31 سنتا أميركيا بينما يبلغ 16.8 سنت أميركي في الولايات المتحدة).
القطاعات الاقتصادية الأسرع نمواً في الغرب حالياً – أي الأكثر استقطاباً لرؤوس الأموال - هي قطاعات التقنيات المتقدمة. هذه القطاعات التي تشمل مراكز البيانات والحواسب العالية القدرة المستخدمة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي. تشترك هذه القطاعات بكونها شرهة للطاقة، وهذا ما يجعل الشركات الأمريكية أكثر تنافسية من نظيرتها الأوروبية.
إنهاء الحرب ورفع العقوبات عن روسيا، سيخفض بشكل كبير من فاتورة الطاقة الأوروبية ويعزز من تنافسية الشركات الأوروبية بالمقارنة مع نظيراتها الأميركية التي ستبدأ المعاناة نتيجة حرب الرسوم الجمركية التي بدأها ترامب في فبراير.
ما سبق من تفاصيل وغيرها الكثير هي ما يفسر أن القوى الفاعلة الأمريكية غير منخرطة في الضغط لإنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية، فالدول الأوروبية التي لا تظهر حكوماتها الكثير من الحماس للخيار الدبلوماسي مع روسيا، حيث نجد فيها حملات إعلامية نشطة تنتقد تكلفة الحرب الروسية-الأوكرانية وفاتورة الطاقة وتأثيرات المهاجرين وسوى ذلك وهذا غائب تماماً في الولايات المتحدة حيث تبدو إدارة ترامب الوحيدة المهتمة بالخيار الدبلوماسي مع روسيا. ولكن حتى إدارة ترامب – كما أشرنا في بداية هذه المقالة – بدأت بالتراجع عن وعودها بإنهاء الحرب بأسرع ما يمكن.
وبعيداً عن اعتبارات المصالح الاقتصادية، يجب الإشارة إلى الاعتبارات الأمنية والدفاعية. فإنهاء الحرب وتطبيع العلاقات الروسية-الأمريكية سيتطلب العودة إلى اتفاقات ضبط التسلح التي كانت قائمة بين البلدين منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي.
إلا أن بعض هذه الاتفاقات قد تم خرقه من الجانبين، وأنفقت أموال طائلة على تطوير ونشر أسلحة جديدة. – فاتفاقية حظر الأسلحة النووية المتوسطة "INF"، الموقعة في 1987، حظرت تطوير ونشر صواريخ أرض-أرض بمدى يتراوح بين 500 و5,500 كيلومتر.
وانسحبت الولايات المتحدة في ولاية ترامب الأولى من الاتفاقية، وبدأت تطوير عدة أنواع من الصواريخ ضمن هذا المدى وذلك رداً على تطوير روسيا لهذه الأسلحة.
أما الاتفاقية الأهم فهي اتفاقية الحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية "New START" والتي وقعت في 2009، وكانت أحد أهم دوافع ما وصف بـ"إعادة إقلاع" العلاقات الثنائية في ولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما. تنتهي صلاحية هذه الاتفاقية في فبراير 2026.
هذه الاتفاقية حددت عدد الرؤوس النووية المسموح بنشرها بـ1,500 رأس لكل من البلدين. إلا أن الولايات المتحدة تعتبر هذه الاتفاقية ضارة بها لأنها تقيدها في الوقت الذي تضاعف فيه الصين من عدد الأسلحة النووية لديها، حيث تشير آخر التقديرات الأمريكية إلى أن الصين باتت تمتلك أكثر من 600 صاروخ بالستي عابر للقارات مسلح برؤوس نووية.
أما اتفاقية "New START" فتحدد عدد الصواريخ البالستية العابرة للقارات لدى الولايات المتحدة بـ550 فقط. وبالتالي لا يمكن للولايات المتحدة مواكبة التسلح الصيني مع الالتزام بضوابط التسلح مع روسيا.
روسيا من جانبها تدرك على الأرجح هذه الاعتبارات الأمريكية ولهذا لا تبدي الكثير من الحماس لتقديم تنازلات كبيرة تسمح بإنهاء الحرب بشكل سريع وتضغط للحصول على مكاسب واضحة – خصوصاً رفع العقوبات – بالتوازي مع تقدم المفاوضات وليس بعدها.
تمهل روسيا ينبع أيضاً من تصورها الحالي أنها تتقدم في الميدان وأن أوكرانيا لا تمتلك القدرة على حسم الحرب وأن الغرب سيرضخ في النهاية للمطالب الروسية. هذا التفاؤل في التصورات لدى الجانب الروسي، في مقابل الحسابات المعقدة والمتناقضة لدى الجانب الأمريكي، يحد بشكل كبير من التفاؤل بإنهاء الحرب الروسية-الأمريكية بشكل سريع عبر الخيارات الدبلوماسية.