وزير النفط الإيراني: سنوقع اتفاقية بقيمة 4 مليارات دولار مع شركات روسية لتطوير 7 حقول نفطية
"الداخل مفقود والخارج مولود" .. عبارة كانت تتردد في مخيلة كلِ سوري عندما يسمع خبر اعتقال أحدهم أو حتى عندما يمر بجانب سجن أو فرع مخابرات أو جهاز أمني، لكن هنا في سجن صيدنايا العسكري رأى العالم بأكمله الجحيم بكل أشكاله وألوانه وجسدت الصور ما كان يدور في فوضى توقعات الكثيرين حول ما يحصل خلف جدران ذلك الجحيم الذي وضع بصمته على أجساد وعقول مساجين خرج الكثير منهم منه دون ذاكرة أو عقل يدرك ما يدور حوله..
آلاف العائلات السورية اجتمعت خارج أسوار سجن وصفته منظمة العفو الدولية بـ"المسلخ البشري" فلم تُخطئ الوصف، يأملون بلقاء يطفئ نار سنوات كثيرة من السؤال والبحث والخوف من مصير مجهول ينتظر من دخل إلى هذا السجن ولم يعد..
فبعد يوم واحد من سقوط نظام بشار الأسد، قادت فرق الإنقاذ عمليات بحث في سجن صيدنايا للعثور على معتقلين قبعوا لسنوات في أماكن لم يستطع المسلحون الوصول إليها بعدما تمكنوا من إطلاق سراح الآلاف من الطوابق العلوية، لكنهم واجهوا حقيقة أن السجّان هرب بأسرار سجنه، فلا سراديب تُفتح ولا خرائط قادرة على فك شيفرات المكان المعقد والطوابق التي شقت طريقها تحت الأرض، ما استدعى طلب تدخل الدفاع المدني السوري، الذي أعلن بعد عمليات استمرت ليومين أن لا سراديب إضافية وأن عمليات البحث انتهت، لكن هل ستنتهي قصص سجن صيدنايا بإعلان انتهاء عمليات البحث؟
لا يحق لأي شخص أن يجيب عن هذا السؤال باستثناء المعتقلين الذي عانوا ما عانوه بسبب التعذيب والحرمان والتجويع الذي يصل إلى حد الموت، وبعدما كانت شهادات الناجين تنقل جزءًا صغيرًا مما حدث من اغتصابات جماعية وانتهاكات مروعة، إلا أنّ الصور التي بُثت من قلب السجن أظهرت الكثير من الحقائق بدءًا من غرف الملح التي تستخدم لحفظ الجثث لوقت أطول لعدم وجود برادات تستوعب عدد الجثث الكبير، والزنازين التي لا يدخلها الهواء، ومكابس الإعدامات الحديدية، مرورًا بحبال الشنق وغرف التعذيب، وصور الطعام غير الصالح للاستخدام البشري، ووصولا إلى علامات التعذيب التي رافقت أولئك المساجين الهاربين مشيًا، ركضًا أو حتى زحفًا، ولقصص العذاب بقية ولا يمكن أن تُحصى أو تُعد..
لم يكن المعتقلون في سجن صيدنايا العسكري من السوريين فقط، وإليكم سهيل حموي اللبناني الذي أمضى 33 عامًا في السجن بتهمة قال لوكالة فرانس برس إنها كانت تتعلق بانتمائه لحزب القوات اللبناني، وهنا تجدون أسامة البطاينة الأردني الذي اعتقل عندما كان في الرابعة عشرة من عمره في عام 1986 يحاول الإجابة على أسئلة من حوله لكن الذاكرة لا تسعفه والزمن وقف عنده منذ ذلك الحين.
في السجن الأحمر أو الأبيض أو غيرها من الأسماء التي التصقت بمكان ارتكبت فيه أبشع الجرائم وأقساها بحق المعتقلين، واحتجز فيه أشخاص لعشرات السنين دون محاكمة عادلة، لا صوت يعلو على صوت السجان في أحد أكثر السجون تحصينًا في البلاد، والذي تحول بعد عام 2011 إلى الوجهة النهائية لمعتقلي الرأي والسياسيين المعارضين إضافة إلى أفراد عسكريين ممن اشتبه في أنهم عارضوا النظام، حيث قدرت رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا في تقرير نشر عام 2022 أن أكثر من 30 ألف معتقل قضوا في السجن نتيجة التعذيب أوعمليات الإعدام، وفي وقت لا يجد فيه الكثيرون كلامًا للتعبير عن عودة أقربائهم إلى حضن العائلة، نجا كثيرون بأجسادهم لكنهم فقدوا عقولهم وذاكرتهم، وها هي المطالب والأصوات ترتفع لإنقاذهم من الآثار النفسية ومساعدتهم على إعادة بناء حياة ظنوا أنها سُلبت منهم للأبد..