الخارجية الروسية: كييف تثبت أنها غير قادرة على الالتزام بوقف إطلاق النار حتى لمدة 30 ساعة
"العالم مقسومٌ بين آكلي العشب وآكلي اللحوم، فإذا اخترنا البقاء كآكلي عشب، سينتصر آكلو اللحوم وسنصبح مجرد سوق لهم"
لسنا نحن من قلنا هذا، إنما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وكأنه كان يتوقع ملامح المشهد الاقتصادي الذي سيتشكل في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي لم تصمد أمام قراراته البرقيات الدبلوماسية الأوروبية، ولا التصريحات المنمقة لقادة الاتحاد الأوروبي، الذين وجدوا أنفسهم في معركة تجارية لم يكن أحد يتوقع أن تصل إلى هذا الحد من التصعيد فهل ستتمكن القارة العجوز من الصمود أمام "إعصار ترامب الاقتصادي"، أم أنّ المواجهة بين الحلفاء باتت أقرب من أي وقت مضى؟
"أمريكا أولًا" أم "أوروبا أولًا"؟
بين شعاري "أمريكا أولًا" و"أوروبا أولًا"، وقف قادة الاتحاد الأوروبي عند مفترق طرق حاسم: هل يحافظون على العلاقات التجارية والسياسية مع واشنطن، أم يتحولون نحو تحالفات جديدة مع دول مثل الصين وكندا، كبديل تجاري استراتيجي؟
من الواضح أن أوروبا بدأت بالفعل في تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة، وهو ما ظهر جليا في منتدى التنمية الصيني، حيث اتجهت دول الاتحاد والصين نحو وضع أسس لعلاقة اقتصادية أكثر استقرارا، بعيدا عن شبح التعريفات الجمركية الأمريكية.
رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، صرّحت أن "الاتحاد الأوروبي والصين يمكنهما التوصل إلى اتفاق يخدم الطرفين"، في حين أفادت صحيفة لوموند الفرنسية بأن سياسات ترامب أعادت إحياء العلاقات التجارية بين كندا وأوروبا وفي تحول غير مسبوق، اختار رئيس الوزراء الكندي مارك كارني أن تكون أولى زياراته الخارجية إلى فرنسا وليس إلى الولايات المتحدة، وهو أمر نادر الحدوث في تاريخ العلاقات عبر الأطلسي، حيث كانت الأولوية دائما لواشنطن. لكن يبدو أن السياسات الأمريكية المتقلبة دفعت كندا للبحث عن شركاء اقتصاديين أكثر استقرارا، في ظل "العاصفة التجارية" التي أطلقها ترامب منذ توليه المنصب وبلغت ذروتها في "يوم التحرير".
نقطة المواجهة
في البيت الأبيض، وقف ترامب رافعا قائمة بالرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها على 180 دولة ومنطقة حول العالم، تراوحت بين 10% و50%؛ ما أثار موجة من القلق بشأن التضخم، تراجع ثقة المستثمرين، والتباطؤ الاقتصادي بالتزامن مع وصول قيمة الخسائر التي سجلت في وول ستريت منذ فبراير إلى 5 تريليونات دولار، وتسجيل الذهب مستويات قياسية بلغت 3100 دولار للأونصة..
رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، في تحليله للقرار، وصفه بأنه "قد يغيّر التجارة الدولية جذريا"، متوعدا بالرد على هذه الإجراءات التي طالت أيضا الاتحاد الأوروبي بتعريفات جمركية بنسبة 20% على جميع الواردات حيث تبلغ قيمة تجارة الاتحاد مع الولايات المتحدة 1.6 تريليون يورو لكن ثلاث دول فقط وهي أيرلندا وألمانيا وإيطاليا تتمتع بفائض في تجارة السلع ورغم ذلك سرعان ما ردّ الاتحاد الأوروبي بتصريحات رافضة إلا أنّ السؤال الأهم: ما الأسلحة التي يملكها الاتحاد لمواجهة ترامب؟
يُشير الخبراء إلى أن "الرد الجماعي" هو السلاح الأقوى في ترسانة الاتحاد الأوروبي حيث يسعى لتعزيز التعاون الاقتصادي مع الصين بدلًا من الرضوخ للضغوط الأمريكية كما يمتلك خيارات أخرى، مثل فرض قيود على الشركات الأمريكية العاملة في أوروبا، وفرض ضرائب على شركات التكنولوجيا الكبرى مثل فيسبوك وميتا ومنع الشركات الأمريكية من الاستفادة من العقود الحكومية الأوروبية وتقييد حقوق الملكية الفكرية؛ ما يضع شخصيات حليفة لترامب مثل إيلون ماسك وجيف بيزوس في مأزق حقيقي.
“الانتقام الأوروبي”.. هل تنجح خطة المواجهة؟
بين رسوم ترامب والرسوم الانتقامية بات الاتحاد الأوروبي يُدرك أن الرضوخ للضغوط الأمريكية قد يُضعف موقفه الاقتصادي والسياسي عالميا، ولهذا تبنّى استراتيجية "الرد القوي"، لكن هذه الخطة تواجه عقبات كبيرة، أبرزها العلاقة بين ترامب وروسيا، والأزمات الاقتصادية الداخلية في أوروبا، التي قد تجعل تنفيذ "الرد الجماعي" أكثر صعوبة إضافة إلى تقلبات الأسواق العالمية التي تجعل من الصعب التنبؤ بتأثيرات هذه الحرب التجارية.
لقد أصيب الزعماء الأوروبيون بالصدمة إزاء التصريحات الهجومية لنائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، الذي انتقد أوروبا بشدة، بينما بدا ترامب أكثر تحفظا، حيث ركّز اهتمامه على ملف الدفاع واختلال التوازن التجاري، لكن النقطة الأكثر خطورة كانت استبعاد الاتحاد الأوروبي من المحادثات الأمريكية بشأن أوكرانيا، وهو ما اعتبرته العواصم الأوروبية "إشارة مقلقة إلى أن واشنطن لم تعد تنظر إليها كشريك استراتيجي أساسي".
اليوم لم يعد المشهد الجيوسياسي كما كان فالحلفاء التقليديون يتحولون إلى خصوم، والتجارة تتحوّل إلى ساحة معركة، فيما تقف أوروبا أمام اختبار صعب: هل ستتمكن من الحفاظ على مكانتها كقوة اقتصادية مستقلة، أم ستجد نفسها مجبرة على الرضوخ لإملاءات ترامب؟