ترامب يقول إنه يعتزم التحدث إلى بوتين خلال الأيام المقبلة
في أعماق الأرض الأوكرانية وتحت ترابها، يختبئ كنز يثير شهية القوى الكبرى ويحول الأرض فوقه إلى ساحة صراع محموم..
إنه كنز المعادن النادرة، شريان الحياة لصناعات التكنولوجيا المتقدمة والدفاع والطاقة الخضراء ومفتاح صناعات المستقبل، فلماذا تتسابق الدول للحصول على حصة الأسد منه؟ وما سر أهميته في تشكيل مستقبل الاقتصاد والتكنولوجيا وحتى موازين القوى الدولية؟
تحت تراب أوكرانيا
على هذه الكرة الأرضية الغنية بالموارد المعدنية، تمتلك أوكرانيا وحدها 5% من إجمالي تلك الموارد، وتقدر احتياطياتها المؤكدة من المعادن بأكثر من 110 مليارات طن، ووفقا لمجلة فوربس أوكرانيا ، تقدر قيمة هذه الاحتياطيات بنحو 15 تريليون دولار ، حيث تلعب المناطق الجيولوجية المتنوعة دورا في تصنيفها ضمن قائمة أكبر 10 موردين للموارد المعدنية في العالم، فعلى سبيل المثال، تحتفظ أوكرانيا بأكبر احتياطات "التيتانيوم" في أوروبا، وبنسبة تصل إلى 7% على مستوى العالم، ويُستخرج من أراضيها خامات التيتانيوم التي تستخدم لصناعات الطيران والفضاء والطب والسيارات والصناعات البحرية، إضافة لامتلاكها عناصر أرضية نادرة مثل اللانثانوم والسيريوم، المستخدمة في أجهزة التلفاز والإضاءة؛ والنيوديميوم، المستخدم في توربينات الرياح وبطاريات السيارات الكهربائية، والليثيوم العنصر الأساسي في صناعة البطاريات، واللافت أن تقريرا لإندبندنت البريطانية يقول إن نصف مليون طن من الليثيوم في أوكرانيا لم يتم استغلالها..
تمتلك أوكرانيا أيضا احتياطيات لـ 22 من أصل 34 معدناً صنفها الاتحاد الأوروبي على أنها معادن بالغة الأهمية، وليس الاتحاد الأوروبي فقط، فواشنطن تعتبر تلك المعادن مهمة جدا أيضا؛لأنها تعتمد في الحصول عليها على "الصين" مثل الغرافيت الليثيوم واليورانيوم، وهي مواد مهمة للصناعات الدفاعية..
قائمة معادن أوكرانيا طويلة جدًا، فهي تُخبئ في أراضيها حوالي 20 ألف مستودع طبيعي تحتوي على 116 نوعا من المعادن، وتقول التقارير إن قبل عام 2022، كان يجري استغلال 15% منها فقط، حيث حاول الرئيس الأوكراني فولديمير زيلينسكي عام 2021 تقديم عروض للمستثمرين الخارجيين تتمثل بإعفاءات ضريبية وحقوق استثمار للمساعدة في استخراج هذه المعادن. لكن تم تعليق هذه الجهود عندما بدأت الحرب، وكما نعلم جميعا فما قبل الحرب ليس كما بعدها ..
خارطة السيطرة
في قوانين الحرب، لا تعني خسارة الأراضي خسارة المساحة فقط، بل يعود ذلك لمدى أهمية ما فوق الأرض وما تحتها، فخرائط الثروات الباطنية الأوكرانية، كانت تُقرأ في موسكو بدقة وتفسير ذلك هو أن أوكرانيا كانت جزءا من الاتحاد السوفييتي، ومنذ اندلاع الحرب، فقدت أوكرانيا السيطرة على حوالي خمس أراضيها لصالح روسيا، والثروات التي كانت تمثل قشة النجاة لأوكرانيا للتعافي الاقتصادي مستقبلا، بات نصفها تحت سيطرة روسيا، التي سيطرت على 2 من أكبر مناجم الليثيوم، في دونيتسك وزابوريجيا، وعلى 30% من المعادن النادرة الأوكرانية، وبسيطرتها على أراضي زابوريجيا وخيرسون جعلت أوكرانيا تفقد 30% من إنتاجها الزراعي، و60% من إنتاج الفحم و الحديد والمعادن، وبحسب صحيفة اندبندنت فإن ما يزيد قليلا على 6 تريليونات دولار من الموارد المعدنية في أوكرانيا، وهو ما يمثل حوالي 53% من إجمالي البلاد، موجود في المناطق الأربع الواقعة تحت السيطرة الروسية وهي لوغانسك، ودونيتسك، وزابورجيا، وخيرسون، كما تقول الصحيفة إن منطقة دنيبروبيتروفسك، التي تحد دونيتسك وزابوريجيا، والتي تقع في مواجهة الجيش الروسي المتقدم، تحتوي على 2.8 تريليون جنيه إسترليني إضافية من الموارد المعدنية، هذا يعني أنّه حتى لو لم يسيطر الروس عليها، فعمليات التعدين فيها ستكون محفوفة بالمخاطر.
كواليس صفقة "سيد البيت الأبيض"
في هذا المشهد المعقد والصراع المستمر منذ حوالي 3 سنوات، يخرج سيد البيت الأبيض ليحل ما لا حل له، فلم تبخل إدارته بتقديم الاقتراحات التي كان أولها منح أمريكا ملكية 50% من المعادن الأرضية النادرة في البلاد كمقابل للدعم العسكري الذي قدمته الولايات المتحدة لكييف طيلة السنوات الماضية، وهو ما قوبل بالرفض من الجانب الأوكراني حيث حصلت صحيفة "التلغراف" البريطانية على مسودة العقد المسبق الذي أرسل إلى زيلينسكي والمُشار إليه بـ "متميز وسري" والمؤرخ في 7 فبراير 2025 والذي ينص على أن الولايات المتحدة وأوكرانيا يجب أن تشكلا صندوق استثمار مشترك لضمان "عدم استفادة الأطراف المعادية للصراع من إعادة إعمار أوكرانيا".، وهو ما يعني أنّه يحق للولايات المتحدة "الرفض الأول" لجميع تراخيص المعادن القابلة للتصدير؛ ما يعني أن واشنطن ستتمتع بحصانة سيادية وتحكم شبه كامل في اقتصاد أوكرانيا، وهي خطة تعتبر أسوأ من العقوبات التي فرضت على ألمانيا واليابان بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية، ويبدو أن الولايات المتحدة تتجه نحو تغيير جذري في موقفها تجاه روسيا؛ ما قد يعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي العالمي هذا ما قالته صحيفة نيوريورك تايمز.
كواليس صفقات رجل البيت الأبيض كانت أبعد من أوكرانيا كثيرا، وبحسب تحليل صحيفة الغارديان البريطانية فإن ترامب يبحث عن أي طريقة لتقليل الاعتماد على الصين التي تسيطر على أغلب الطاقة الإنتاجية العالمية للمعادن الأساسية، ومن ثم فهو يحرص على وضع يديه على المعادن في أوكرانيا.
من أمريكا إلى روسيا وصولا لأوكرانيا، تتصارع القوى الكبرى في سبيل الاستحواذ على موارد تدخل بشكل مباشر في صناعة المستقبل، ومع بسط روسيا سيطرتها الواسعة على أحد أكبر المناطق الغنية بالمعادن في أوروبا، وضبابية المشهد في المناطق التي لا تزال تحت السيطرة الاوكرانية والتي يضغط ترامب للاستفادة منها، يظل مصير تلك الثروات معلقا في الهواء بانتظار توقيع الكبار على قرار نهاية الحرب..