عاجل

قتلى في استهداف إسرائيلي لمنزل بمخيم جباليا شمالي قطاع غزة

logo
العالم

انقلاب النيجر.. هل سيقود الغضب من الغرب إلى ترسيخ نظام استبدادي جديد؟

انقلاب النيجر.. هل سيقود الغضب من الغرب إلى ترسيخ نظام استبدادي جديد؟
03 سبتمبر 2023، 8:08 ص

بعد إطاحة مجموعة من الضباط الكبار برئيس النيجر المنتخب ديمقراطيا في تموز يوليو الماضي، شبّه زعيم مرتزقة فاغنر الذي كان على قيد الحياة آنذاك الانقلاب باستقلال ثانٍ للدولة الواقعة غرب أفريقيا.

وقال "يفغيني بريغوجين" في رسالة صوتية مسجلة على تيلغرام حينذاك: "ما حدث يمكن وصفه بنضال شعب النيجر ضد المستعمرين الذين يحاولون فرض قوانين حياتهم عليه، وإبقاء البلاد في الحالة التي كانت عليها أفريقيا قبل مئات السنين".

ووفقا لمجلة فورين أفيرز الأمريكية، لم يكن مفاجئا أن نظرة "بريغوجين" للانقلاب تتعارض تماما مع مواقف وآراء معظم قادة الدول الأفريقية، وحكومات أمريكا الشمالية والاتحاد الأوروبي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، التي أدانت جميعها الانقلاب العسكري.

النخب والناس العاديون في الساحل الأفريقي ما زالوا ينجذبون إلى الغرب وأفكاره وكرمه الاقتصادي وفلكه السياسي.

 وليس زعيم فاغنر وحده من يتهم الدول الأوروبية عامة وفرنسا خاصة بالتآمر لإبقاء أفريقيا في حالة دائمة من التبعية للغرب، فهذه النظرة تسود في النيجر التي حكمتها فرنسا سابقا واحتفظت فيها بقوات عسكرية لمكافحة الإرهاب بالاتفاق مع الحكومة السابقة.

كما تسود أيضا لدى شعوب المستعمرات الفرنسية السابقة في الساحل الأفريقي، التي تشعر بخيبة الأمل بسبب تبعية حكوماتها المدنية لفرنسا، ما دفعها إلى تأييد الانقلابات التي يقوم بها القادة العسكريون، واعتبارها "تصحيحية".

وجهتا نظر

وبينت المجلة أن لوجهة النظر هذه وجهين متكاملين، أحدهما ينتقد فرنسا والغرب، والآخر يرحب بروسيا التي وضعت نفسها في موقع العدو للغرب والحليف للدول الأفريقية التي استعمرت سابقا من الغرب. وبدأت وجهة النظر هذه تكتسب قبولا في دول الساحل الأفريقي، وهو ما تجلى في انقلاب النيجر وغيره من الانقلابات السابقة في المنطقة، فيما بدأت مشاعر الغضب العارم تنصب على استمرار نفوذ فرنسا وسطوتها على مستعمراتها السابقة، وسياساتها في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، التي فشلت بنظر سكان المنطقة في ردع الحركات الجهادية المتواجدة في بوركينا فاسو ومالي والنيجر.

ولكن النخب والناس العاديين في الساحل الأفريقي ما زالوا ينجذبون إلى الغرب وأفكاره وكرمه الاقتصادي وفلكه السياسي.

الانجذاب هذا ليس فقط من جانب مئات الآلاف من الشباب الذين يسعون للهجرة إلى أوروبا، بل أيضا من النخبة السياسية والفكرية التي درس معظم أفرادها في الجامعات الغربية. هؤلاء ما زال اهتمامهم منصبا على الغرب، حتى وإن حاول عدد متزايد منهم إقناع نفسه بأن الغرب هو سبب مشاكلهم.

وأشارت المجلة إلى أن ذلك يوحي بأنه على الرغم من ظهور بعض المشاعر المناهضة للغرب والمؤيدة لروسيا في الساحل الأفريقي، ومردها غالبا الركود الاقتصادي والسياسي في المنطقة، فإن هذه المشاعر مرشحة للزوال في نهاية المطاف، الأمر الذي سيعطي فرنسا والغرب فرصة لإصلاح مكانتها في غرب أفريقيا من خلال اتباع سياسات أقل صرامة في المنطقة.

المتظاهرون تواجهوا أيضا مع قوافل للجيش الفرنسي في بنين وبوركينا فاسو والنيجر، ودمروا رموزا تخلد ماضي فرنسا الاستعماري في الكاميرون وإن كانت الدوافع وراء الاحتجاجات تختلف من بلد إلى آخر

انقلاب النيجر هو الأحدث في سلسلة من الهجمات العسكرية على الحكومات المنتخبة دستوريا في غرب أفريقيا، وهو السادس في غضون عامين فقط، ويشبه إلى حد كبير الانقلابات العسكرية الأخرى في بوركينا فاسو وغينيا بيساو ومالي، من حيث إصرار قادة الانقلاب على أنهم يعملون من منطلق الواجب الوطني لإنقاذ بلادهم من تبعات انعدام الأمن، والفساد والضائقة الاقتصادية.

النفوذ الفرنسي

وجه شبه آخر يتعلق بدور فرنسا وروسيا، فعلى غرار سابقاتها، اتسمت هذه الانقلابات بمشهد الشباب الذين يدوسون الأعلام الفرنسية ويحرقون دمية تمثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بينما يلفون أنفسهم بالأعلام الروسية حاملين صور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

 ربما تكون أهمية هذه الأفعال الرمزية مبالغا بها بعض الشيء، ولكنها تعكس في الحقيقة عداوة متزايدة تجاه باريس من جانب مستعمراتها السابقة، حيث تم تنظيم العشرات من المسيرات المناهضة لفرنسا خلال السنوات الأخيرة في دول بنين والكاميرون وبوركينا فاسو وتشاد ومالي والنيجر، إضافة إلى السنغال.

المتظاهرون تواجهوا أيضا مع قوافل للجيش الفرنسي في بنين وبوركينا فاسو والنيجر، ودمروا رموزا تخلد ماضي فرنسا الاستعماري في الكاميرون وإن كانت الدوافع وراء الاحتجاجات تختلف من بلد إلى آخر.

خلف هذه المظالم، يكمن الاستياء من النهج القديم، فرغم حصول أغلبية دول غرب أفريقيا والساحل على استقلالها في ستينيات القرن العشرين، ما تزال فرنسا تحتفظ بنفود سياسي واقتصادي كبير في مستعمراتها السابقة، وذلك من خلال العلاقات مع النخب والعائلات الحاكمة، وهو ما يتعارض مع رغبة الشعوب بالتغيير.

وفي أذهان الكثيرين، فرنسا هي صاحبة القرار التي تستمر في التلاعب بالبيئة السياسية والاقتصادية لصالح النخب التي يبدو أن ارتباطها بفرنسا أكبر من ارتباطها بمواطني بلدانها.

ورغم عدم تورطها في نزاعات، فإن فرنسا تواجه انتقادات بسبب امتلاكها شبكة مترامية الأطراف من القواعد العسكرية عبر أفريقيا، حيث تعيد هذه المنشآت إلى الأذهان دائما، معاهدات التعاون العسكري التي وقعت سراً، أو التي يُعتقد أنها ألزمت القادة الأفارقة بشروط سياسية واقتصادية غير مرغوب بها.

من جهته يسعى "ماكرون" إلى تهدئة المشاعر المعادية لبلاده من خلال الوعد في مارس الماضي بالحد بشكل كبير من الوجود العسكري الفرنسي في القارة الأفريقية، ومن الرموز الأخرى لنفوذ فرنسا التي تثير غضب سكان غرب أفريقيا، وإدخال فرنسا مستعمراتها في المنطقة في اتحاد عملة موحدة باسم "الفرنك غرب الأفريقي"، إضافة إلى مكانة اللغة الفرنسية كلغة رسمية في معظم المستعمرات الفرنسية سابقا.

استقلال مزيف

وأشارت المجلة إلى أنه إذا كان تنامي المشاعر المعادية لفرنسا مرده ماضي باريس وتدخلها الحالي في أفريقيا، فإنها تأتي في إطار المشاعر الأوسع نطاقًا المعادية للغرب في القارة، وصعودها الآن يمكن إرجاعه جزئيا إلى صعود خطاب "إنهاء الاستعمار" بين نخبة المثقفين، وصناع السياسات في القارة السوداء.

عدم الاستغناء عن الغرب

 المشاعر المعادية للغرب في أفريقيا وفقا للمجلة قد لا تكون عميقة إلى الحد الذي توحي به، خاصة أن سلوك النخب الأفريقية يشير إلى أن الاستياء تجاه الغرب غالبا ما يكون أسلوبا أو أداة تكتيكية لحشد الدعم والتأييد الشعبي، ولكنه ليس مؤشرا على رغبة حقيقية في التخلي عن المكاسب التي تعود بها العلاقات الجيدة مع أوروبا وأميركا الشمالية.

لا شك أن تزايد مشاعر العداء لفرنسا والغرب في أفريقيا هو أمر حقيقي، يعكس شعورا بالعجز المستمر منذ عشرات السنين، وفقا للمجلة، إلا أن تحته تكمن مشاعر انجذاب كبير للغرب

 فما تزال الجامعات والمؤسسات البحثية ومراكز الدراسات والمنظمات غير الحكومية في أفريقيا تعتمد على مصادر التمويل الغربية، بمعنى آخر، المؤسسة الأكاديمية في أفريقيا تحتاج إلى خصمها المفترض للبقاء على قيد الحياة، كما تتفاخر النخب السياسية الأفريقية بإرسال أبنائها إلى المؤسسات التعليمية الباهظة في الدول الغربية.

ورغم المخاطر الكبيرة المحدقة، تواصل الطبقة الفقيرة في أفريقيا الهجرة إلى الغرب بأعداد كبيرة، أرقام الأمم المتحدة تشير إلى أن قرابة 2000 مهاجر أفريقي فقدوا أو لقوا مصرعهم في مياه البحر المتوسط عام 2022.

لا شك أن تزايد مشاعر العداء لفرنسا والغرب في أفريقيا هو أمر حقيقي، يعكس شعورا بالعجز المستمر منذ عشرات السنين، وفقا للمجلة، إلا أن تحته تكمن مشاعر انجذاب كبير للغرب، وهذا يعني أن أمام الدول الغربية فرصة لتحسين مكانتها في المنطقة.

ويمكن أن يكون التخلي عن احتضان "القادة المستبدين" خطوة انطلاق جيدة، ولكن على المدى البعيد، ينبغي أن تدرك الدول الأفريقية أن العداء للغرب ليس البديل عن البحث الجاد لمعرفة أسباب الصراعات المستمرة في منطقتها.

المصدر: مجلة فورين أفيرز الأمريكية

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC