أثارت موجة الانسحابات التي ضربت الانتخابات التشريعية الفرنسية، قبل أيام من الجولة الثانية للانتخابات المبكرة، غضب اليسار الفرنسي، إذ أعلن 210 مرشحين انسحابهم معظمهم من ائتلاف اليسار.
وانسحب 127 من مرشحي الجبهة الشعبية الجديدة لليسار من الدوائر التي كان من الممكن أن يفوز فيها حزب التجمع الوطني (يمين متطرف) أمام العديد من المعارضين.
وتتم هذه الانسحابات لصالح مرشحي المعسكر الرئاسي.
وفي الاتجاه المعاكس، انسحب أيضًا 81 مرشحًا من المعسكر الرئاسي لصالح مرشحي اليسار، كما انسحب 3 مرشحين من حزب "الجمهوريين".
وفي هذا السياق، قال الباحث السياسي الفرنسي المتخصص في الشأن الفرنسي، ريشار ويرلي، لـ"إرم نيوز"، إن "إستراتيجية اليسار الوسطي كانت واضحة منذ البداية، وهي الانسحاب لصالح الأصلح، لعرقلة اليمين المتطرف من الانفراد بالدوائر الكاملة، إلا أن تلك الاستراتيجية تزعج اليسار المتطرف، وعناصر من اليسار التقليدي، الذي يريد فقط إما الفوز أو الخسارة دون التحالف مع أي شق".
وأضاف أن "عملية الانسحابات للمرشحين في المعسكر الرئاسي وأيضًا اليساريين أجريت دون حماس، وبهدوء تمام لاسيما في الدوائر التي تأهل فيها ثلاثة مرشحين على الأكثر، ويتنازل المرشح الأقل حظًا للمرشح الأوفر حظًا أمام اليمين المتطرف، حتى يكون الحزب المناهض لليمين المتطرف في موقع يجعله يفوز ويجنب الحزب تشتت الأصوات".
وأشار إلى أنه "مع ذلك، لا يزال هناك متشددون رفضوا الاستسلام، على الرغم من الضغوط التي يمارسها معسكرهم، وما زالوا صامدين على الرغم من خطر انتصار حزب التجمع الوطني".
وتابع: "هذا هو الحال في إيكس أون بروفانس، فقد صمدت آن لورنس بيتيل، مؤيدة حزب ماكرون (النهضة)، بينما جاء حزب التجمع الوطني في المركز الأول، وهذا هو الحال أيضًا بالنسبة لإيميلي تشاندلر في فال دواز. كلاهما يعتقدان أنهما قادرين على الوقوف في وجه اليمين المتطرف ويرفض كلاهما التنازل للآخر، لكن هذه استثناءات إلى حد ما".
ويوجد أيضًا بعض الأشخاص على اليسار، لا سيما في إيفلين حيث ينافس حزب فرنسا الأبية "يسار متطرف" حزب التجمع الوطني والوزيرة أورور بيرجي من المعسكر الرئاسي وكل منهما التنازل للآخر، وهو القرار الذي استنكره باقي اليسار.
موجة غضب
إلى ذلك، قلل منسق حزب فرنسا المتمردة "يسار متطرف" مانويل بومبارد، من تأهل مرشح الحزب الاشتراكي في منطقة الرون للجولة الثانية من الانتخابات التشريعية، وذلك بفضل "أصوات مرشحي المعسكر الرئاسي"، كما انتقد موجة الانسحابات للحزب الاشتراكي قائلاً: "لم نرشح أنفسنا للتنازل الفوز أو الخسارة".
في المقابل، قال وزير الداخلية في الحكومة المنتهية ولايتها، جيرالد دارمانان في مقطع فيديو على منصة "إكس"، إنه "يعارض بشدة تعليمات التصويت" لاسيما بعد موجة الانسحابات، موضحًا أن الفرنسيين لا يحتاجون إلى أن يقال لهم لمن سيصوتون، لا في الجولة الأولى ولا في الثانية".
بدوره، شن الرئيس الفرنسي السابق والمرشح للحزب الاشتراكي فرنسوا هولاند، هجومًا على ماكرون، بقرار حل البرلمان واتفاقية موجة الانسحابات قائلاً: "إن ضعف رئيس الجمهورية كبير، لقد أثار الحل وسيكون لديه مجموعة كانت بالأمس أغلبية، وتقلصت إلى 100 نائب فقط".
وشدد على أن "مسؤوليته ثقيلة لأنه ارتكب عملًا في وقت لم تكن الظروف مبررة على الإطلاق (...) وقام به من جانب واحد ودون أي تشاور".
وذكرت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، أنه من بين 306 مرشحين تأهل للجولة الثانية المقررة الأحد المقبل، لم يتبق سوى مئة منها بالكاد مساء أمس الثلاثاء، في الساعة السادسة مساءً، وهو الموعد النهائي الممنوح للمرشحين للحفاظ على ترشيحهم أو عدمه.
وكان اليسار واضحًا للغاية: ففي كل الدوائر الانتخابية التي احتل فيها حزب التجمع الوطني المركز الأول، واحتل مرشح الجبهة الشعبية الجديدة لائتلاف اليسار المركز الثالث (أو الرابع)، كان اليسار قد وعد بالانسحاب.
ومن جانب المعسكر الرئاسي، كان الأمر أكثر غموضاغ: فعندما دعا البعض إلى انسحاب منهجي من الدوائر الانتخابية التي يكون فيها مرشح من تحالف اليسار في وضع مناسب لعرقلة مسار حزب التجمع الوطني، تحدث آخرون بدلاً من ذلك عن خيار الاختيار، وذلك في الدوائر التي ترشح فيها حزب "فرنسا المتمردة" (يسار متطرف) الذي يرفض الانسحاب. ولم تكن جميع الانسحابات تهدف فقط إلى عرقلة اليمين المتطرف، ولكن لتجنب انقسامات اليسار.