عاجل

واللا: على قادة الجيش التكيف في حال تعيين ساعر وزيرا للدفاع وإلا ستحدث استقالات بين كبار القادة

logo
العالم

اقتصاد الحرب الجديد في عهد بوتين.. هل ينقذ روسيا؟

اقتصاد الحرب الجديد في عهد بوتين.. هل ينقذ روسيا؟
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الدفاع أندريه بيلوسوف ...المصدر: رويترز
11 يوليو 2024، 1:02 م

قال الباحث الأول في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أندريه كوليسنيكوف، إن "عسكرة الاقتصاد، والإيمان بالقوة السحرية للاستثمارات الحكومية الضخمة ساعدت أواخر القرن العشرين في التعجيل بانهيار الاتحاد السوفيتي، لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نجح حتى الآن في تجنب المصير نفسه".

وأضاف في مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، أن نجاح بوتين حتى اللحظة جاء من خلال الحفاظ على بقايا السوق المفتوحة، وإبقاء مؤسساته المالية في أيدي التكنوقراط. 

وحذر الكاتب من أنه بات من غير الواضح إلى متى قد تستمر هذه العقلانية الاقتصادية في البقاء، خصوصًا في ظل وجود خبراء الاقتصاد من المدرسة القديمة في مراكز قيادية.

وفي تحليل لأوضاع الاقتصاد الروسي بعد أكثر من عامين و6 أشهر من بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، وسط مستويات هائلة من زيادة الإنفاق العسكري في البلاد على الطريقة السوفيتية، أوضح الكاتب أن الرئيس الروسي إن النتيجة الأكثر إثارة للدهشة للتعديل الحكومي الذي جرى في البلاد هذا الربيع، هي بلا شك استبدال وزير الدفاع سيرغي شويغو بأندريه بيلوسوف، وهو خبير اقتصادي حكومي لا يمتلك خبرة عسكرية.

وتابع الكاتب: "بيلوسوف رجل لا يرتدي بدلة عسكرية فضفاضة، بل بدلة باهظة الثمن، وقد شغل سابقًا منصب وزير التنمية الاقتصادية، ومساعد الرئيس للاقتصاد، ونائب رئيس الوزراء، لكن هناك سببًا لتعيينه في هذا المنصب، فقد وصل الإنفاق العسكري الروسي الآن إلى مبالغ هائلة". 

ووفق بعض التقديرات، تم تخصيص ما يقرب من ثلث الميزانية الروسية لعام 2024 للدفاع، حيث بلغت نسبة أعلى من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع أي عام آخر في مرحلة روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي، ما يفسر سبب تعيين بيلوسوف في هذا المنصب، فالأمر يتطلب خبيرًا اقتصاديًا، بحسب الكاتب. 

وأشار الباحث كوليسنيكوف إلى أن الإرث السوفيتي يتجلى في هذا الأسلوب، فثمة روايات راسخة في الذاكرة الشعبية الروسية عن "أن مجموعة من الناس يسيرون في عرض عسكري في الساحة الحمراء في موسكو، لكنهم يرتدون بدلات رسمية فضفاضة، عوضاً عن الزي العسكري، فيسأل الزعيم السوفيتي آنذاك ليونيد إيليتش بريجنيف: من هؤلاء.. نحن لا نعرفهم؟ فيجيب أحدهم بالقول: اهدأ أيها الرفيق، هؤلاء هم أسلحتنا الأكثر تدميرًا: الاقتصاديون السوفيت".

 

4e017068-10e0-41f4-910d-f4c52623d41d

"السيادة التكنولوجية"

ومن التفسيرات الأخرى لزيادة الإنفاق العسكري بهذا الشكل، يرى الكاتب أن الإدارة الفعالة للتكنولوجيا العسكرية الروسية ستمكن البلاد من تحقيق "السيادة التكنولوجية"، أو الاكتفاء الذاتي الكامل في الصناعات المدنية أيضًا.

وقال إن "الإنفاق العسكري الضخم، حتى لو جاء على حساب رأس المال البشري، بما في ذلك الخدمات الاجتماعية والصحية في بعض الأحيان، إلا أنه قادر من حيث المبدأ على دفع عجلة التنمية الاقتصادية". 

وبهذا المعنى، فسر الكاتب سبب اختيار بيلوسوف لهذا المنصب، باعتباره نتاجًا لمدرسة الحساب في الاقتصاد السوفيتي، إذ لديه إيمان كامل بقدرة السلطات العليا على حساب كل شيء، وبأن أموال الدولة التي تنفقها وتدخلاتها قادرة على حل أي أزمة.

"كينزي عسكري"

ويشير الباحث كوليسنيكوف إلى أن مراقبين وصفوا بيلوسوف بأنه "كينزي عسكري"، في إشارة مسيئة إلى حد ما إلى المنظر البريطاني في أوائل القرن العشرين، والمدافع عن التحفيز الحكومي جون ماينارد كينز. 

واعتبر الكاتب أن أفكار بيلوسوف تذكرنا بالنهج الذي ساعد على تقويض الاتحاد السوفيتي، وهو النمو غير المستدام للإنفاق الدفاعي والعسكرة المتواصلة للاقتصاد.

واستطرد بالقول "بيلسوف باعتباره خبيرًا اقتصاديًا محترفًا، لا يدعو إلى التخلي عن السوق، لكنه يؤيد وجهة النظر القائلة إن الإنفاق الحكومي المكثف، وليس الإنفاق العسكري على وجه التحديد، يمكن أن يكون بمثابة محرك للتنمية". 

نموذج بوتين الجديد

واعتبر الكاتب أن هذا النهج يعد النموذج الاقتصادي الجديد لبوتين، وهو نموذج لم يتشكل بفعل ضرورات حربه في أوكرانيا فحسب، بل أيضًا بفعل عقود من "العلاج السوفيتي والتفكير الوهمي"، وفق تعبيره. 

ورأى الباحث كوليسنيكوف أن هذا النهج يشكل تحولًا عن نهج بوتين خلال السنوات الأولى له في منصبه، حيث وصل إلى السلطة في أعقاب الإصلاحات الليبرالية في التسعينيات، وبدا بوتين في سنوات رئاسته الأولى وكأنه يدعم إعادة هيكلة وتحرير الاقتصاد الروسي على نطاق واسع. 

وأشار إلى أن بوتين يدرك تمامًا أهمية الحفاظ على مؤشرات اقتصادية كلية قوية، وتحقيق التوازن في ميزانية الدولة، لهذا السبب لا يزال يحتفظ بـ"التكنوقراط العقلانيين" في إدارته، مثل محافظ البنك المركزي إلفيرا نابيولينا، ووزير المالية أنتون سيلوانوف.

وقال الكاتب إن "بيلوسوف يختلف تمامًا عن الإصلاحيين الليبراليين السابقين، وبتعيينه يعود بوتين الآن إلى الاقتصاد السوفيتي، ولكن في ظل وجود عناصر مهمة للسوق، يجمع النموذج الجديد بين تدخل الدولة، والتركيز المهيمن على المجمع الصناعي العسكري، واستبدال الواردات، مع اقتصاد السوق في مجالات مختلفة، بما في ذلك الواردات الموازية من مختلف المنتجات الغربية لتلبية طلبات المستهلكين". 

أخبار ذات علاقة

روسيا تشير إلى مزيد من الخفض للفائدة وزيادة الإنفاق في الميزانية

 

تجربة محفوفة بالمخاطر

ويرى الكاتب أن هذا النهج مثير للاهتمام، لكنه محفوف بالمخاطر، ويزداد الأمر سوءًا نظرًا لتأميم عدد متزايد من الشركات الكبرى، الأمر الذي يقوض الثقة في حماية الملكية الخاصة، ويشير إلى أن السوق في حد ذاتها معرضة للخطر.

وأشار إلى أن رفع الكرملين للضرائب على الطبقة المتوسطة، على سبيل المثال، يدلل على أنه لا يملك القدر الكافي من المال لتحقيق التوازن في ميزانية الدولة.

وأوضح الباحث أن "بوتين، مثله كمثل بعض أسلافه السوفيت، يبدو كأنه يراهن على أن النفقات العسكرية الضخمة، التي يديرها خبراء الأرقام الاقتصادية، قادرة على إنقاذ البلاد، بدلًا من إفلاسها".

الاقتصاد المبني على الحرب

ويشدد الكاتب على أن الاقتصاد المبني على الحرب لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، بصرف النظر عن مدى دقة حسابات المخططين، وقال: "من خلال تبني مثل هذا النهج، يخاطر بوتين وبيلوسوف بتآكل ما تبقى من الأسس الاقتصادية الليبرالية التي اكتسبتها روسيا بشق الأنفس". 

وأشار إلى أن المبادئ التي أسسها الإصلاحيون الاقتصاديون في روسيا قبل أكثر من 30 عامًا، نجحت في الحفاظ على النظام الروسي مستقرًا نسبيًا، رغم العزلة المتزايدة التي تعيشها البلاد.

وحذر الكاتب من أنه إذا اختفت هذه المبادئ، فقد يكون من الصعب جدًا تجنب حدوث انهيار أكبر في البلاد.

وأردف: "لقد تزامنت الإصلاحات السوفيتية مع تحول في مهنة الاقتصاد نفسها، وفي ذلك الوقت، كان الاقتصاديون يتبنون أساليب حسابية لتحويل الاقتصاد السوفيتي من مجرد ركيزة للماركسية اللينينية التقليدية، إلى علم حديث، وكانت نظرية الأداء الأمثل هي الأهم، وهي فكرة تقوم على تطبيق نموذج الاشتراكية العملي، الذي يمكن أن يرتكز على مجموعة شاملة من الحسابات لاقتصاد متوازن تمامًا، يتم فيه أخذ جميع الصناعات واحتياجات المواطنين في الاعتبار". 

وأكد كوليسنيكوف أن هذه الجهود الهائلة لم تحقق الكثير لإنقاذ الاقتصاد السوفيتي، رغم انتعاشه خلال النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي، بسبب غياب السوق والملكية الخاصة، فدون اقتصاد مفتوح، لن يتمكن أي قدر من حسابات المخططين من إبقاء العرض والطلب متماشيين.

وأشار إلى أنه "بحلول عام 1979، ومع الغزو السوفيتي لأفغانستان، وسباق التسلح النووي بين موسكو وواشنطن، كان الاقتصاد السوفيتي يراكم العجز في كل قطاع ممكن تقريبًا". 

وبين أن هذه العوامل أدت في وقت لاحق إلى حدوث التضخم المفرط، عندما أنهى جيل جديد من الإصلاحيين القيود على الأسعار، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. 

ويتم تذكر فترة التسعينيات عمومًا في روسيا باعتبارها سنوات التحرير الاقتصادي، وغالبًا ما يُنظر إليها على أنها العصر الذي يتفاعل بوتين ضده الآن، وفق الباحث كوليسنيكوف. 

ولفت إلى محاولات الرئيس السوفيتي السابق ميخائيل غورباتشوف للإصلاح الاقتصادي في الثمانينيات، والذي منح الشعب السوفيتي ليس فقط بعض الحريات السياسية، ولكن أيضًا بعض الحريات الاقتصادية، لكن إصلاحاته كانت بطيئة، ثم توقفت تمامًا.

وإبان حقبة الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين، الذي يعتبر خصمًا لغورباتشوف، قال الكاتب إن يلتسين أدرك أن الاتحاد السوفيتي كان ينهار، وأنه لا يستطيع أن يفرض سيطرته على السلطة إلا في روسيا المستقلة، وبأن روسيا سوف تحتاج إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية جذرية لا يمكن تنسيقها مع الجمهوريات السوفيتية السابقة، وفي خريف عام 1991، دعا الإصلاحيين الشباب لصياغة برنامج إصلاحي. 

واعتبر الكاتب ما أنجزه الاقتصاديون الراديكاليون في روسيا شيئًا هائلًا، تمثل في تأسيس اقتصاد السوق، وحققوا نجاحًا كبيرًا في هذا المجال.

 

7d5e01ee-519a-40d6-8676-02e3f71ae511

أشباح الليبرالية

ولفت الكاتب إلى أنه على النقيض من الجيل الأول من الإصلاحيين الاقتصاديين السوفيت، الذين ولدوا في الغالب في ثلاثينيات القرن العشرين، فإن الجيل الجديد الذي بلغ سن الرشد في سنوات يلتسين كان قد ولد في الخمسينيات. 

وقال إنه لكي يكون لهؤلاء الاقتصاديين تأثير دائم على النظام السياسي، كان من الأهمية بمكان بالنسبة لليبراليين الاقتصاديين أن يضفوا الطابع المؤسسي على أفكارهم. 

وشدد الباحث على أن ما يقرب من ربع الميزانية الفيدرالية الروسية لا تزال سرية، وأنه حتى أنصار بوتين المتعصبين لا يستطيعون استئصال الليبرالية بالكامل من التعليم الاقتصادي والسياسة الاقتصادية.

وأكد أن بوتين "ليس انتحاريًا، ففي بداية حكمه، علمه العديد من الاقتصاديين الليبراليين أساسيات الاقتصاد الكلي والميزانية والسياسة النقدية، لكنه ابتعد عن الليبرالية، ووجد كل الإصلاحيين الروس تقريبًا أنفسهم على الهامش".

ووفق الكاتب، فإن نهج بيلوسوف يتعارض تمامًا مع نهج الليبراليين، باعتباره خبيرًا اقتصاديًا، وقال: "بيلسوف يتبع فلسفة اقتصادية تقوم على أنه عندما تنفق المال العام بالطريقة الصحيحة، تحصل على النتائج، لكن مع إيلاء أهمية للتغييرات التكنولوجية".

وتوقع الباحث كوليسنيكوف، في مقاله، أن يزيد نموذج بوتين العسكري الاقتصادي الجديد من صعوبة تجنب جعل البلاد أكثر هشاشة، فقد وصل الإنفاق الحكومي على الأسلحة في روسيا في عهد بوتين إلى مستوى ما كان عليه في أواخر الحقبة السوفيتية.

وأكد أن تدخل الدولة في الاقتصاد بالنسبة للمدافعين عنه في روسيا، هو أكثر بكثير من أيديولوجية، ويقترب من كونه عقيدة. 

واختتم بالقول: "إن الاقتناع بأن الإنفاق الحكومي المحسوب بشكل صحيح على منتجات المجمع الصناعي العسكري، من الممكن أن ينجح في دعم، بل وحتى تنمية، الاقتصاد الروسي المعزول على نحو متزايد". 

وخلص الكاتب إلى أن الدعم الإيديولوجي هذا يستمد من مفهوم بوتين لمهمة روسيا الخاصة، ومسارها الخاص، ورمزها الثقافي الخاص، والدور الخاص الذي تلعبه عقيدتها، ومن أجل كل هذا، يجب على المرء أن يقاتل حرفيًّا: لقد أصبحت الحرب عاملاً دائمًا في "التنمية" الروسية.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC