في مكتبات دمشق، خرجت الكتب التي كانت تُقرأ وتباع في الخفاء على مدى عقود، إلى العلن، وباتت روايات معاناة السجناء السياسيين تجاور نصوصا عن فكر ابن تيمية، وهو ما كان غير قابل للتصور قبل أسابيع معدودة.
عثر الطالب عمرو اللحام (25 عاما) على كتاب كان يبحث عنه منذ فترة طويلة، وهو "المعبر"، تصف فيه المؤلفة معارك مدينة حلب من نقطة عبور كانت تربط خلال أعوام النزاع السوري، الأحياء الشرقية التي كانت تحت سيطرة مسلحي المعارضة، بتلك الغربية الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية، وفق ما نقلت وكالة "فرانس برس".
ويتجول اللحام مع شقيقه في المكتبات المجاورة لجامعة دمشق، حيث تتوافر حاليا كتب كانت محظورة، ويقول الشاب "قبل 60 يوما، لو سألت عن كتاب، لربما كنت اختفيت في سجن صيدنايا" سيء السمعة قرب دمشق" وفق تعبيره.
ويضيف: "كنا نخاف سابقا من التصنيف، في فروع المخابرات كانت هناك تصنيفات، أنت كشخص مثلا تشتري كتابا ما تكون صوفيا، سلفيا، اشتراكيا، يساريا".
وطوت الإطاحة ببشار الأسد من قبل فصائل مسلحة صفحة أكثر من نصف قرن من حكم العائلة الواحدة، حيث كان القمع الشديد مصير أي معارضة، وخضعت الحريات العامة للتكميم من قبل عدد كبير من الأجهزة الأمنية التي أرعبت السكان وعذّبت المعارضين في السجون.
لكن القلق لا يزال يراود العديد من السوريين حول مستقبلهم الذي يأملون أن يكون ديمقراطيا.
وعلى الرفوف والجدران الممتدة على الأرصفة وفي المتاجر، تتكرر العناوين نفسها التي لم تكن متوفرة سابقا إلا بنسخ مقرصنة على الإنترنت، ومن بينها رواية "بيت خالتي"، هي العبارة التي يستخدمها السوريون للإشارة إلى السجن، للروائي العراقي أحمد خيري العمري، وكذلك رواية "القوقعة" للسوري مصطفى خليفة الذي يسرد قصة اعتقال شاب علماني في سجن تدمر بتهمة أنه "إسلامي متشدّد".
ويقول بائع الكتب الخمسيني أبو يامن إن روايات "أدب السجون" تلك "كانت ممنوعة نهائيا"، مضيفا "في السابق، لم يكن الناس يجرؤون حتى أن يسألوا".
ووافق صاحب دار نشر معروفة أن يروي مخاطر المهنة بشرط عدم كشف هويته، لـ"فرانس برس"، ومنذ الثمانينات، أزال الرجل كلّ الكتب السياسية من جداوله، باستثناء تلك التي تتناول "فكرا سياسيا عاما، وليس مرتبطا بمنطقة أو دولة".
ويضيف "لكن مع ذلك، كنا نطلب كل عام إلى الفروع الأمنية، يسألوننا عن عملنا ومبيعاتنا، من جاء إلينا ومن غادر، ماذا اشترى، ماذا يطلب الناس، علما أنهم أجهل الناس بهذه الكتب" وفق تأكيده.
ويروي أن أحد المحققين طلب إحضار ابن تيمية، العالِم المعروف بـ"شيخ الإسلام" وتوفّي في القرن الرابع عشر، للتحقيق.
وعلى الرفوف عند مدخل مكتبته، وضع عبد الرحمن سروجي كتبا ذات أغلفة جلدية وعناوين مكتوبة بحروف ذهبية: مؤلفات لابن القيّم الجوزية، وأخرى لسيد قطب، أحد أبرز منظّري فكر الإخوان المسلمين.
ويقول البائع البالغ 62 عاما كانت "كتب هؤلاء كلها محظورة، كنا نبيعها في السر لمن نثق بهم، من طلاب العلم والباحثين".