ترامب: سأفرض رسوما 25% على جميع السيارات غير المصنوعة في أمريكا
أمة "اقرأ"، قد تصبح أميّةً، خلال العقود القادمة، هذا ما تؤكده تقارير الأمم المتحدة، وأصحاب دور النشر العربية، الذين فتحوا لنا ملفات أسرار الطباعة والمبيع، وما يجري في كواليس معارض الكتب.
وتؤكد المنظمة الأممية للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، أن الفرد العربي، في الحالات الطبيعية، لا يقرأ سوى ربع صفحة في السنة، وهي نسبة مخيفة، مقارنة بحصة الفرد الأمريكي الذي يقرأ 11 كتابًا في العام.
وإذا ما عدنا إلى تقارير المنظمة الدولية خلال السنوات السابقة، نجد حصة العربي من القراءة تتراجع، لأسباب إضافية، تتعلق بالصراعات والحروب وتدمير بنى التعليم وخسارة الكوادر، إذ ترتفع نسب الأمية ارتفاعًا هائلًا في أثناء الاضطرابات.
دور النشر: العربي لا يقرأ سوى سطرين سنويًّا
يؤكد الشاعر سامي أحمد، صاحب دار "التكوين" بدمشق، أن وضع القراءة في العالم العربي أسوأ مما تظهره تقارير الأمم المتحدة، ويضيف لـ"إرم نيوز":"نسب مبيعات الكتب المتراجعة، في المعارض العربية، تعدُّ إحدى مؤشرات تدهور القراءة، وهذا أمر نلحظ تفاقمه عند مقارنة مبيعاتنا في المعارض العربية، خلال العقد الماضي".
ويشير أحمد إلى خطأ ترتكبه وسائل الإعلام، عندما تصور ازدحام الزوار في المعارض على أنه إقبال على القراءة، ويقول مثلا: "وجود 50000 زائر لمعرض للكتب، في دولة عربية يصل سكانها إلى 30 مليونًا، يعدُّ رقمًا ضعيفًا جدًّا، هذا إذا افترضنا أن الزوار جميعهم اشتروا الكتب".
وتؤكد هذه الحقائق، المديرة التنفيذية لدار "أبعاد" في بيروت، هنادي شموط، فتشير لـ"إرم نيوز"، أن معظم نسبة القراء، تنتمي إلى فئة طلاب الجامعات والماجستير والدكتوراه، المضطرين إلى قراءة المناهج.
وتضيف شموط: "للأسف نحن أمام مخاطر كبيرة، قد تتضح معالمها بشكل أكبر خلال العقود القادمة، خاصة في ظل تراجع اللغة العربية واكتساح السوشيال ميديا للمشهد".
ويقدّر سامي أحمد، صاحب دار "التكوين"، حصّة الفرد العربي من القراءة سنويًّا، بـ"سطرين" فقط! ويقول: "توجد معادلة رياضية تربط عدد السكان، مع عدد النسخ المطبوعة من كل كتاب، مع عدد العناوين التي تطبعها دور النشر، فنتيجة هذه المعادلة تثبت أن حصة الفرد العربي من القراءة، سطران سنويًّا".
دور نشر تطبع 10 نسخ فقط من الكتاب
ويكشف صاحب دار "التكوين"، حال كثير من دور النشر، التي اضطرت للجوء إلى ما يسمونها "طباعة الديجيتال"، إذ تُطبع 10 نسخ من كل كتاب، حتى لا تتكدس النسخ في المستودعات، إذ قال سامي: "لم يعد العدد الأكبر من دور النشر، يطبع 500 أو 1000 نسخة من الكتاب، كما درجت العادة، فترى تلك الدور تنقل نسخها العشر من كل كتاب، بين المعارض العربية، من دون أن تتمكن من بيعها كلها!".
ويؤكد صاحب دار "بعل"، الشاعر محمد عيسى، أن الكتب تُطبع بطريقة "الريزو"، ويختلف عددها قليلًا بين كاتب وآخر، ويضيف لـ"إرم نيوز": "يطبع بعض الكتّاب 50 نسخة، ليهدوا الأصدقاء منها، ويحتفظون بالباقي في مكتباتهم، ويرفع آخرون الرقم إلى 100 إذا كانوا ينوون إقامة حفل توقيع للكتاب، ولكن الكتاب في الحالتين، يبقى محصورًا بالأصدقاء الذين يجاملون الكاتب، ولا يقرؤون كتابه".
ويعتقد عيسى، أن إحصاءات الأمم المتحدة ليست دقيقة تمامًا، فالعملية الإحصائية قد تشير إلى أن المؤلفين لا يقرؤون أيضًا، ويذكر عيسى: "في معارض اتحاد الكتاب العرب المستدامة، أخرجوا الكتب من المستودعات وباعوها بسعر رمزي، وقد أقبل الشباب بأعداد كبيرة لاقتنائها، وبالتالي يمكن إضافة الوضع الاقتصادي بوصفه مؤثرًا مهمًّا على حصة الفرد من القراءة".
السوشيال ميديا دمّرت القراءة
وتشير المديرة التنفيذية لدار "أبعاد" هنادي شموط، إلى دور السوشيال ميديا في التأثير في القراءة، وتقول: "الموبايل والتابلت، أثرا كثيرًا في الكتاب وعادات القراءة".
وتضيف شموط أسبابًا تتعلق بسياسة المؤسسات الثقافية العربية، المقصرة بدعم القراءة، وتحسين أوضاع الكتّاب، وتخصيص جوائز قيمة لذلك.
ويرى صاحب دار "بعل"، أن السوشيال ميديا، يمكن أن تدعم عادات القراءة في العالم العربي، إذا أحسن استثمارها، وكان محتوى النشر قويًّا.
الكتّاب أكثر من القراء
ويوضح صاحب دار "بعل"، إلى مفارقة غريبة في الثقافة العربية، وهي أن عدد المؤلفين أكبر بكثير من القراء! ويُعزى ذلك، إلى رداءة المحتوى وسهولة السطو على النصوص، خاصة الأدبية، إذ بات الفيس بوك يخرّج أفواجًا من الشعراء بشكل متواصل.
وفي بعض الدول العربية، ظهرت حالة جديدة عند الشباب، إذ بات كثير منهم يفضل القراءة بلغات أخرى، وتقول مديرة دار "أبعاد": "في السنوات الأخيرة، أصبح توجه أغلبية الشباب لقراءة الكتب الإنجليزية والمترجمة من لغات أخرى، على حساب الكتاب العربي الذي يشهد تراجعًا في المعارض".
ولكن، ورغم هذه الحالة الكارثية في القراءة، لم تتوقف دور النشر عن طباعة الكتب، وهي تحرص على حضور المعارض العربية بشكل دوري، فكيف يمكن تفسير ذلك؟
ويجيب صاحب دار "بعل" محمد عيسى بالقول: "توجد دور نشر جنت ثروات ضخمة، بسبب فارق العملة بين بلد عربي وآخر، وهي في الغالب تعتمد في دخلها على المعارض الخارجية التي تبيع الكتاب بالدولار، مع حرصها على عدم صرف مبالغ كبيرة على تكاليف الطباعة".
كتاب هديّة "على البيعة"
من طرائف القراءة واقتناء الكتب، لجوء بعض المؤسسات الرسمية المختصة بالكتابة والثقافة، إلى تقديم عروض في معارض الكتب، كتقديم كتاب من الشعر هدية، لكل من يشتري خمسة كتب، يقول عيسى صاحب دار "بعل": "المفارقة أن الشاري، يطلب استبدال كتاب الشعر المُهدى إليه، بكتاب آخر من أي نوع، وهو ما يثبت تفشي رداءة المحتوى في الأدب حاليًّا، إذ كان للرداءة الدور الكبير في تطفيش القراء!".
وحصة الفرد العربي من القراءة، تبدو مرتبطة بكثير من الجوانب التي من الضروري العودة إليها عند إعداد الإحصاءات العلمية الدقيقة، ولكن في كل الأحوال فإن ما يعصف بأمة "اقرأ" يبدو صعبًا، وما يخشى أن تصبح فعليًّا، أمةً أميّةً بعد عقود!.