يعد مقام الأربعين الذي يتربع على سفح جبل قاسيون في دمشق، مكانًا مليئًا بالأساطير والرموز الدينية، والطريق إليه شاق وصعب.
ويرجع تاريخ مقام الأربعين، إلى ما قبل الميلاد، وقد ارتبط بالكثير من الروايات والأساطير، وذكره الرحالة والباحثون، ويُقال إن مقتل هابيل على يد أخيه قابيل، وقع في هذا المكان، داخل المقام في كهف سمّي مغارة الدم.
وذكر مقام الأربعين، أبو حامد الغرناطي، العام 1160 للميلاد، عندما زار دمشق، وابن جبير الأندلسي، وابن بطوطة المغربي، وابن طولون.
وقال عنه ابن عساكر في كتابه تاريخ دمشق، إن "موضع الدم في الجبل موضع شريف، كان فيه يحيى بن زكريا وأمه 40 عامًا، وصلَّى فيه عيسى بن مريم والحواريون".
كما ذكره ياقوت الحموي، في كتابه "معجم البلدان" فقال عنه: "قاسيون جبل مقدس، فيه مغارة الدم، التي قتل قابيل أخاه هابيل فيها، ومغارة الجوع ويزعمون أنه مات فيها الأربعون نبيًا".
ويقول الباحث التاريخي الدكتور عبد الوهاب صالح لـ"إرم نيوز"، إن الروايات الكثيرة حول مقام الأربعين، غير مثبتة تاريخيًا، وهي عبارة عن أساطير تناقلها الناس عبر مئات السنين، وأصبحت نوعًا من الميثيولوجيا".
والدخول إلى مغارة الدم داخل المقام، فيه الكثير من الرهبة، فالقصص المتجمعة هنا يعود تاريخها لعدة آلاف من السنوات عندما كان المكان معبدًا وثنيًا، ثم تحول إلى كنيسة ورمز مسيحي، وبعد الإسلام بني المسجد، وأصبح المكان مقدسًا عند المسلمين أيضًا.
ويحاول الزائرون، تحسّس الصخور بأصابعهم، ويقتربون أكثر من مغارة "الشهقة"، الموجودة داخل مغارة الدم، حيث يقال إن جبل قاسيون شهق من هول الجريمة التي ارتكبها قابيل بحق أخيه هابيل.
ويُصاب الزائر بالصدمة، عندما يرى نقاط المياه، التي يقال إنها دموع الجبل، وهي تنزّ من سقف المغارة، لتتجمع في جرن حجري قديم في الأرضية.
وتشبه مغارة "الشهقة" الفم المفتوح، وتُنسج حولها الكثير من الأساطير، ويضيء الناس على بابها الشموع، ويطلبون من الله أن يستجيب لدعواتهم.
وفي أرضية المغارة تظهر صخرتان يقال إن قابيل استخدمهما لقتل أخيه هابيل.
وبحسب المرويات التاريخية، فإن المكان سمي بمقام الأربعين لأن يحيى بن زكريا أقام وأمه فيها أربعين عامًا، وأن الحواريين الذين أتوها مع النبي عيسى بن مريم كانوا أربعين، وقد أنشئ ضمن المسجد المحدث هناك أربعون محرابًا.
ويقال إن النبي عيسى مع أتباعه الأربعين، لجأوا إلى المغارة بعد أن داهمهم الخطر، فشقَّ الله الجبل، ويسَّر لهم طريق الخروج من الطرف الآخر فخرجوا تاركين من خلفهم روائح المسك والعنبر التي بقيت في الصخر.
ويُدخل بعض الزوار، رؤوسهم داخل مغارة الشهقة، ويقولون إن هواءً عليلاً ورائحة ذكية تصل من هناك، حيث عبر النبي عيسى ورفاقه، وبقيت روائحهم العطرة في المكان.
قصص مقام الأربعين، متشابكة وغنية، وتحمل ملامح من عدة عصور تبدأ من فترة ما قبل الميلاد لليوم.
ويقول عبد الوهاب صالح، إن "معظم تلك المرويات لا تستند لأساس علمي، لكنها أصبحت موروثًا شعبيًا مع الوقت".
وفي داخل مغارة الدم، يوجد محرابان، يقال إن أحدهما للنبي إبراهيم، والآخر للخضر، عليهما السلام.
وقد بُني فوق المغارة مسجد صغير، على يد أبو الفرج بن المعلم، سنة 370 هجرية، بعد أن "أتاه جبريل في المنام، وأمره ببناء المسجد"، كما يذكر ابن فضل الله العمري، في كتابه "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار".
وسابقاً، كانت الأمطار مصدر مياه الشرب في المقام، حيث تتجمع المياه طيلة العام في خزان قديم، لكنه اليوم زُود بالخدمات، لكن طريق الوصول إليه بقي شاقاً وصعباً.
ويتقاطر الناس، كل يوم جمعة، إلى مقام الأربعين. المرضى، والمكلومونَ، واليائسونَ، وطلابُ المغفرة. جميعهم يتضرعون ويلقون آحلامهم في مغارة الدم ومغارة الشهقة، ثم يهبطون الدرج من أعلى الجبل، والأملُ يحيط بهم من كل صوب.