يحتل المسجد المنصوري في طرابلس، مكانة القلب في المدينة اللبنانية التي نشأت حوله منذ أن بنى المماليك مسجدهم الحجري الكبير ذاك قبل أكثر من 700 عام.
إذ يُعتقد أن مباني المدينة العريقة شهدت انتقالًا تدريجيًا من ملاصقة البحر الأبيض المتوسط نحو الداخل الذي شُيد فيه المسجد، لتبدأ المباني والأسواق بالتحلق حوله، ويصير قلب المدينة بالفعل حتى اليوم.
بدأ بناء المسجد العام 1294 ميلادية، في منطقة تسمى اليوم، حيّ النوري، والتي تشكل المدينة القديمة من طرابلس.
واكتسب اسم الجامع المنصوري الكبير تيمنًا باسم فاتح طرابلس ومحررها من الصليبيين، "المنصور قلاوون"؛ ولأنه كان ولا يزال أكبر جامع في المدينة القديمة.
ويأخذ المسجد شكل مبنى مُربع مغلق، له أربعة أبواب، وثلاثة أروقة حول فنائه الداخلي، على مساحة تبلغ نحو 3 آلاف متر مربع.
ويقود الباب الرئيس للمسجد، إلى الباحة الواسعة للجامع أو الصحن، تتوسّطها بركة الوضوء الكبيرة ذات النافورة، والتي تعلوها قبَّة.
ويبلغ طول قاعة الصلاة الرئيسة أو الحرم، نحو 51 مترًا، وقرابة 12 مترًا في العرض، وبداخله محرابين ومنبر خشبي قديم.
وتُحيط بصحن الجامع من جهة الشمال والشرق والغرب رواقات، ترتكز على عضاضات ضخمة، مُربَّعة القاعدة.
وتعلو الرواق الشمالي المئذنة التي تتميز بشكلها المربع الذي يذكر بأسلوب عمارة المآذن المغاربي والأندلسي.
يطغى الطابع الحجري والقناطر على هيئة المبنى، في غياب للزخارف والرخام والزجاج الملون والخشب المعشق الذي ميّز كثير من مساجد تلك الحقبة، وحتى ما قبلها.
ويُعتقد أن ذلك يعود إلى أن تاريخ بناء المسجد المنصوري جاء في بداية تحرير المدينة من الصليبيين الذي سيطروا عليها لنحو مئتي عام، وانشغال المماليك بالحرب معهم.
ومع ذلك، كان المسجد حاضرًا في تاريخ المدينة منذ إنشائه، عندما تحلقت المباني حوله، ولم يعد يقتصر على إقامة الصلوات فقط، بل كان مركزًا للعلوم الشرعية، ومكانًا لاجتماع أهل المدينة.
كما شهد المسجد منذ بنائه أول مرة، إضافات وتحسينات وتزيين وزخارف، شملت محرابه، ومنبره، وأحدثت توازنًا بين الحجارة والزخارف.
وشملت تلك التغييرات في المسجد أيضًا، إهداء السلطان العثماني عبد الحميد الثاني لمدينة طرابلس وأهلها، شعرة يُعتقد أنها من لحية النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وهي من محفوظات الأمانات المقدسة في إسطنبول، وقد تم حفظها في الجامع المنصوري الكبير منذ العام 1890.