هيئة البث: توقف حركة الطيران المدني في مطار بن غوريون الدولي عقب قصف استهدف تل أبيب

logo
أخبار

السعودية: ماذا يعني انتقال السلطة؟

السعودية: ماذا يعني انتقال السلطة؟
28 يناير 2015، 4:49 ص

السعودية تعيش مرحلة مفصلية في تاريخها المعاصر. وتثبت للعالم عمق الاستقرار والنظام المؤسسي العميق للدولة. وتشهد انتقال السلطة بشكل سلس وسلمي. وربما تفاجأ العالم بهذه السرعة والسلاسة والهدوء في انتقال السلطة. وكان العالم يترقب ماذا سوف يحدث في الرياض فتأثيرات ما يحدث في العاصمة السعودية لن يقف عند حدودها، بل سيتأثر العالم كله بالتطورات داخل هذه البلد، فهي صمام الأمان في إمداد العالم بالطاقة. كما أنها تحتضن الحرمين الشريفين، وهذا يعطي لها دوراً إضافياً واستراتيجياً في العالم الإسلامي. وهي بلد مهم وأحيانا يبدو غامضاً للخارج، وهذا ربما يعطي فرصة لتأويلات وسيناريوهات يتخيلها مراقبون ومحللون من الخارج.



ويجهل كثيرون في الخارج أن ترتيبات الحكم وانتقال السلطة في السعودية ليست وليدة اجتهادت، بل هي مبنية على أنظمة وأعراف وتقاليد حمتها في كل مراحلها التاريخية. فهناك داخل الأسرة السعودية الحاكمة تقاليد راسخة من الاحترام والتعاضد والطاعة للملك في كل الأحوال. كما أن إنشاء هيئة البيعة يعتبر واحداً من القرارات المهمة والمصيرية في تاريخ الحكم السعودي.

الحكم في السعودية هو مؤسسة عمرها حوالي ثلاثة قرون وامتداد لتاريخ طويل من الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة. وهناك أعراف وتقاليد راسخة داخل هذه المؤسسة. واستمراريتها يعود إلى نجاحها في التواصل مع مختلف فئات الشعب وحرص حكامها على وضع مصلحة الدولة فوق كل اعتبار. وإقرار هيئة البيعة هو نقلة نوعية لتطوير النظام من الأعراف والتقاليد إلى الأنظمة والقوانين.

ورغم الخسارة الكبيرة للسعودية والعالم بغياب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، إلا أن انتقال السلطة بسلاسة وكذلك الوضوح والسرعة في قرارات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان في التعيينات المهمة دلالة على عمق هذه التقاليد والخبرة الراسخة في البيت الحاكم. وهي القرارات التي اكتسبت تأييد هيئة البيعة، وكذلك تفاعلاً شعبياً بالارتياح والتأييد.

ويتولى الحكم الملك سلمان، وهو رجل دولة قيادي منذ أن كان يتولى إمارة الرياض. وهو الرجل الأقرب إلى حكام السعودية السابقين ويلقبه البعض بالمستشار الشخصي لملوك السعودية وأمين سر العائلة. وكان يتولى ملفات داخلية وخارجية مهمة بنجاح. يساعده في ذلك ثقافته الواسعة وعلاقاته الدولية المتشعبة ويحظى بثقة واحترام دولي. ويعرف عن الملك سلمان وفاؤه؛ فهو الذي لازم الملك فهد، رحمه الله، طوال فترة مرضه، وهو نفسه الذي كان يومياً مع أخيه الراحل الملك عبدالله في فترة مرضه. كما أنه رافق شقيقيه الأمير سلطان والأمير نايف وليا العهد الراحلين في فترة علاجهماً.

ويحسب للملك سلمان قراراته التي رسخت قوة ومتانة البيت السعودي الحاكم. فقد دعا الملك سلمان إلى مبايعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولياً للعهد. كما أصدر أمره بتعيينه نائباً أول لرئيس مجلس الوزراء. كما اختار الملك سلمان الأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد وبتأييد أغلبية هيئة البيعة.

وأمر الملك سلمان بتعيينه نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للداخلية. ومن يقرأ المفردات يفهم الفروقات بين اختيار وتعيين فهناك اختيار من الملك وموافقة من هيئة البيعة، ثم أمر بالتعيين مبني على مرجعية هيئة البيعة.

وهذا ترسيخ لمفهوم الشرعية ومرجعية النظام. وهيئة البيعة خطوة تنظيمية مهمة كان الملك عبدالله أصدر قراراً بتشكيلها لتتولى مسؤولية اختيار أولياء العهود وتضمن انتقال السلطة بسلاسة وباتفاق أبناء المؤسس الملك عبدالعزيز.

واختيار الملك سلمان للأمير مقرن ولياً للعهد ونائباً أول لرئيس مجلس الوزراء هو اختيار متوقع؛ فالأمير مقرن كان ولياً لولي العهد، كما أنه أصغر الأبناء الأحياء للملك المؤسس عبدالعزيز، وهو رجل له خلفية عسكرية كطيار عسكري. وتولى مناصب قيادية أميراً لمدينة حائل ثم أميراً لمنطقة المدينة المنورة.

كما أنه تولى ملف الاستخبارات ثم مستشاراً للملك عبدلله ومبعوثاً خاصاً له. ومن خلال هذه المناصب كان واضحاً تهيئة الأمير مقرن لتولي منصب ولاية العهد، وكانت نجاحاته في هذه المناصب حافزا ليرشحه الملك سلمان ولياً للعهد. القرار المهم الذي يعكس عمق الرؤية المستقبلية للملك سلمان هو إدخال الجيل الثاني في الحكم من خلال ترشيحه الأمير محمد بن نايف، وهو أول أمير من الجيل الثاني يتولى منصباً في القيادة العليا للدولة ولياً لولي العهد.

والأمير محمد بن نايف كسب احترام العالم من خلال نجاحه في موقعه وزيراً للداخلية في محاربة الإرهاب وقيادته الماهرة لوزارة الداخلية في كشف الخلايا الإرهابية، والتي كاد أن يذهب ضحية هو نفسه في محاولة اغتياله من إرهابيين في منزله في جدة. وسيسجل التاريخ للملك سلمان قراراته التي اتخذها بهذه الرؤية والسرعة والتي لاقت ارتياحا كبيرا في الشارع السعودي. وإعجابا بالسلاسة ومتانة نظام هيئة البيعة التي وضعت كصمام أمان لأي اجتهادات أو خلافات داخلية.

تثبت السعودية قدرتها على الارتقاء دائما الى مستوى الحدث.

ورغم المحيط الجغرافي من مشكلات وحروب داخلية إلا أنها تراهن وتنجح في صنع الاستقرار الداخلي والتركيز على تنمية الإنسان وتطوير المؤسسات التنظيمية للحكم. وهذا التفكير العقلاني والواقعي الذي يميز القرار في السعودية. وهذا الذي يكسب الرياض احترام العالم ويجعلها دائماً محط المتابعة ومكان الإعجاب.
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC