قالت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إن الحزب الشيوعي في الصين يستغل بعض اللاجئين لاختراق الجاليات والدول، موضحة أن جاليات اللاجئين مجرد ضحية مثل الدول المضيفة، وليست متواطئة مع الحزب.
وبحسب المجلة فإنه"منذ احتلال الصين للتبت، شرد الحزب الشيوعي الصيني وقتل عشرات الآلاف من السكان بسياسات الاستيطان الاستعمارية، والإبادة الجماعية، وكلاجئين، عمل الأمريكيون التبتيون بلا كلل للحفاظ على لغتهم وثقافتهم، ولكن مجتمعهم صغير ومكون من حوالي 26700 شخص، والغدر داخله يضرب ويؤلم بقوة".
وروت قصة بايماداجي أنغوانغ، وهو أمريكي تبتي يبلغ من العمر الآن 33 عامًا، الذي سافر إلى الولايات المتحدة بتأشيرة تبادل ثقافي عندما كان في السابعة عشرة من عمره، ثم تجاوز مدة الإقامة عمدًا، وادعى أنه سيعذب إذا أُجبر على العودة إلى الصين.
وعلى الرغم من أن اسمه ذو أصل تبتي، إلا أنه لا يجيد اللغة التبتية مثل العديد من الشباب التبتي في الصين، والذين كانوا ضحايا السياسات المصممة لتدمير ثقافتهم ولغتهم، بحسب المجلة.
وقالت:"بالفعل حصل أنغوانغ على حق اللجوء، وفي نهاية المطاف حصل على الجنسية أيضًا، وأصبح ضابط شرطة، وعمل كوسيط اجتماعي في نيويورك، فضلًا عن جندي احتياط في الجيش الأمريكي، وفي سبتمبر، صدمت وزارة العدل الجالية التبتية الأمريكية عندما اتهمت أنغوانغ بالتجسس".
وأشارت إلى أن"هذه القضية ألقت الضوء على ضرورة التدقيق في جهود الحزب الشيوعي الصيني، خاصة الدعم المقدم له من خلال القنصليات، وليس من اللاجئين التبتيين أنفسهم، وتشير إلى أن الجهود التي يبذلها بعض السياسيين لاستخدام الخوف من التجسس لمنع وصول المزيد من اللاجئين مضللة للغاية".
ووأردفت:"على الرغم من أن التجسس المدعوم من الحزب الشيوعي الصيني موثق في الهند، حيث يقيم "الدالاي لاما"، وأعداد كبيرة من التبتيين، إلا أن قضية التجسس في نيويورك ضربت التبتيين بقوة أكبر، حيث تعد نيويورك موطنًا لغالبية الجالية التبتية في الولايات المتحدة".
ورأت أن"الولايات المتحدة تدرك جيدًا الاختراقات الاستخباراتية الكبرى التي تحرض عليها بكين، وتسعى باستمرار إلى كشف العملاء الصينيين، ومع ذلك، لم يكن هناك مثيل فيما سبق لقضية أنغوانغ، ولطالما كانت دارامسالا، موطن الجالية الهندية التبتية، هدفًا لكثير من جهود تجسس الحزب الصيني الشيوعي، ولكن هذه هي واحدة من أولى القضايا البارزة ضد المجتمع الأمريكي التبتي".
وخلال مؤتمر صحفي استضافه قادة الجالية التبتية في نيويورك، ونيو جيرسي، تودد أنغوانغ للجالية التبتية المحلية من خلال تقديم وعود بمساعدة الشباب التبتيين على كسب وظائف في الشرطة، وفقًا للمجلة.
ولفتت إلى أن أعضاء الجالية التبتية كانوا في البداية مرتبكين عندما لم يتمكن "أنغوانغ" من التواصل معهم باللغة التبتية، ولكن أكثر ما أقلقهم كان تعليقاته.
ووفقًا للمجلة، عندما رأى أنغوانغ العلم التبتي معلقًا في مركز الجالية، نصح بإزالة العلم، مشيرًا إلى أن العلم التبتي يؤدي إلى نفور غير التبتيين، وكان تعليقه غير عادي للغاية نظرًا لأن الشتات التبتي يتميز بالتمسك الشديد بالقيم الوطنية، كما يعتبر العلم التبتي أكثر من مجرد رمز للتبت، حيث يعد وجوده تمردًا رمزيًا ضد الحزب الشيوعي الصيني، الذي يفرض حظرًا شديدًا على العلم في التبت.
وتركزت اقتراحات أنغوانغ على نزع الطابع السياسي للنشاط التبتي في نيويورك، وعلى الرغم من أن السياسة التبتية تتمحور حول حقوق الإنسان للمواطنين الذين يعيشون في"الأراضي المحتلة"، اقترح أنغوانغ مرارًا وتكرارًا أن التبتيين يجب أن يمتنعوا عن المناقشات السياسية ومناقشة الدين فقط، كما اقترح أنغوانغ أن مركز الجالية يمكن أن يتلقى تبرعات من رجال الأعمال الصينيين إذا امتنعوا عن القيام بأنشطة سياسية.
وكان "أنغوانغ" يحضر الفعاليات التبتية، مثل الاحتفال بالسنة البوذية التبتية الجديدة، وفي إحدى صور الحفل، يمكن رؤية أنغوانغ يقف على بُعد بضعة أمتار من النائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز الذي كان حاضرًا أيضًا، وحتى خلال الحفل أدلى أنغوانغ بتعليقات مماثلة حول التخلي عن الطابع السياسي.
وأثار سلوك أنغوانغ، كما ذكرت "فورين بوليسي"، قلقًا أدى إلى بحث أعضاء المجتمع التبتي خلال صفحة أنغوانغ على فيسبوك، واكتشفوا أن زوجة أنغوانغ كانت تابعة لقنصلية نيويورك الصينية، كما أفادت التقارير بأن والد أنغوانغ وشقيقه على صلة بجيش التحرير الشعبي، وأن كلا والديه عضوان مسجلان في الحزب الشيوعي الصيني.
كما عاد "أنغوانغ" مرارًا إلى الصين، الأمر الذي ألقى بظلال من الشك على مزاعمه السابقة عن الخوف عن التعذيب في الصين.
وعند مواجهته، اعترف "أنغوانغ" بتعامله مع القنصلية الصينية، وطلب زعماء المجتمع التبتي منه الامتناع عن العودة إلى مركز الجالية، وعلى الرغم من الانفصال الواضح، ترك أنغوانغ عدة رسائل صوتية على خدمة رسائل المركز.
ووفقًا للمجلة، تعد هذه مجرد واحدة من الحالات العديدة التي تورطت فيها القنصليات الصينية في محاولات لتهديد أو إكراه الجالية التبتية في الولايات المتحدة، فقبل بضعة أشهر، على سبيل المثال، رعت القنصلية الصينية في نيويورك معرض حرف صورة التبت والتبتيين في مكتبة كوينز العامة في إلمهورست، وتم إغلاق المعرض بعد احتجاج الجالية.
وقالت المجلة إنه"لا يمكن للأمريكيين، والأمريكيين التبتيين، السماح لأنغوانغ وأمثاله والحزب الشيوعي الصيني بالفوز، حيث يسعى الحزب الشيوعي الصيني إلى إثارة الانقسامات في دول العالم، ودفعها لطرد الجاليات المضطهدة مثل الجاليات التبتية، لمحاصرتها من كل جانب، وسواء كان معرضًا للمكتبة أو حملة مستمرة لتقرير المصير تجسد الدراما بين التبتيين والحكومة الصينية الحديثة معركة بين قوتين غير متكافئتين، وبكين لا تريد أن يكون للجالية التبتية أي صوت خاص بها".
ونوهت إلى أن القضية توضح أيضًا مدى أهمية الأولويات السياسية للعملاء الصينيين، وهو أمر يمكن أن يكون وسيلة مفيدة لكشفهم، حيث كان "أنغوانغ" قادرًا على خداع نظام اللجوء الأمريكي، ولكن ليس التبتيين، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنه ركز على الفور على الأهداف الرمزية التي يريد الدبلوماسيون الصينيون ووكلاء النفوذ تحقيقها لتعزيز مكانتهم أمام رؤسائهم، حيث يركز الحزب الصيني الشيوعي على الأعلام والخرائط، ويعتبرها أهدافًا ذات أولوية.
ورأت المجلة أنه"لو تظاهر أنغوانغ بتمسكه بالقيم التبتية التقليدية، وشق طريقه إلى عمق الجالية، لكان بإمكانه أن يلحق المزيد من الضرر".
وأفادت التقارير أن "أنغوانغ" كان يجمع معلومات عن إدارة شرطة نيويورك لصالح الحزب الشيوعي الصيني، ووفقًا لوثائق الاتهام، أوضح أنغوانغ صراحة لمسؤوله الرسمي أنه يرغب في أن يتم ترقيته داخل شرطة نيويورك لجلب"المجد إلى الصين".
كما خطط لاستخدام التأشيرات الصينية كوسيلة للضغط على الأمريكيين التبتيين وإجبارهم على العمل الاستخباراتي لصالح الحزب الشيوعي الصيني.
ومن جانبه دافع "أنغوانغ" عن براءته من التهم الفيدرالية بالتجسس، وفي حال ثبوت التهمة عليه، سيواجه عقوبة السجن لمدة تصل إلى 55 سنة.
ونقلت المجلة عن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، قوله إن"قنصلية نيويورك الصينية هي مركز رئيس للتجسس، ويتعين على الولايات المتحدة مراجعة وتقييم علاقتها بالقنصليات الصينية، حيث كان أنغوانغ يتعاون مع المسؤولين هناك لسنوات".
واعتبرت المجلة أن"هذه الجاليات التي يرهبها الحزب الشيوعي الصيني هي أيضًا من ضحاياه، وليسوا شركاءه، وينبغي أن تكون قضية التجسس هذه بمثابة محفز لمزيد من التدقيق على مؤسسات الحزب الصيني الشيوعي، وليس اللاجئين".