عاجل

وزير الدفاع الإسرائيلي: المرحلة الجديدة من الحرب تنطوي على فرص ولكنها تحمل مخاطر جسيمة

logo
أخبار

"نيويورك تايمز" تكشف أساليب الحكومة الأفغانية "غير الأخلاقية" لمواجهة طالبان

"نيويورك تايمز" تكشف أساليب الحكومة الأفغانية "غير الأخلاقية" لمواجهة طالبان
05 فبراير 2021، 3:18 ص

كشف تحقيق جديد لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن أساليب احتيالية تستخدمها مستويات عليا في الحكومة الأفغانية ومسؤولي أمن لتجنيد ميليشيات من المقاتلين، واستغلالهم للدفاع عن الأراضي ضد طالبان.

ووفقاً لأعضاء الميليشيات السابقين والمسؤولين المحليين، تستدرج شبكة من سماسرة السلطة الغامضين وأمراء الحرب، بتمويل من الحكومة الأفغانية وقوة الشرطة الوطنية، الفقراء للانضمام إلى الميليشيات، مستخدمين في بعض الأحيان الكذب والاحتيال، للاحتفاظ بالسيطرة على الأراضي حول الطرق السريعة في شمال البلاد.

وباتت هذه الطرق الرئيسية إحدى الوسائل القليلة المتبقية للسفر البري بين المقاطعات، الخط الأمامي للمواجهة مع حركة طالبان.

ولحمايتها، يقوم المسؤولون المحليون في مقاطعة بلخ بحراسة مراكزها على الطرق السريعة بأفراد غير مدربين في كثير من الأحيان، بعد منحهم بندقية ووعدا بالحصول على راتب إذا ظلوا أحياء، في حين وصل البعض الآخر للعمل في أعمال البناء، ولكنهم أدركوا أنه لا يوجد أعمال إصلاح.

ويرسل أفراد الميليشيا إلى مناطق خطيرة للغاية، لا يمكنهم الفرار منها، ثم يُتركون هناك لأسابيع أو أشهر، حتى لا يكون أمامهم خيار سوى الموت أو القتال، وفق التحقيق.





وتعتبر ممارسة التجنيد الاحتيالية هذه أحدث مؤشر على أن قوات الأمن الأفغانية قد باتت خالية من المبادئ، بينما تضعف حملة التجنيد وتستمر هجمات طالبان بوتيرة لا تلين في جميع أنحاء البلاد، بحسب تحقيق نيويورك تايمز.

عودة أمراء الحرب

يشير التحقيق إلى عودة زمن أمراء الحرب، الذي ينذر بانقسام البلاد إلى أراض يحكمها رجال أقوياء وتدمرها الحرب الأهلية، فضلا عن كونها تحذيرًا مقلقًا بشأن مستقبل البلاد مع توقف مفاوضات السلام في قطر واحتمال الانسحاب الأمريكي الكامل بعد أشهر فقط.

وكشفت المقابلات التي أجراها معدو التحقيق مع أكثر من 10 مسؤولين محليين وأعضاء سابقين في الميليشيات وضباط أمن وأفراد أسر الضحايا وبعض القادة الذين اعترفوا بتورطهم في هذه العملية، عن تفاصيل عن شبكة الميليشيات والدعم السري الذي تتلقاه من المستويات العليا في الحكومة الأفغانية، كما كشفت عن الضرر الذي لحق بالعائلات التي يتم تجنيد أفرادها وإرسالهم لحتفهم.

ويقول سيد مير الذي كاد ابنه جواد أن يموت في إحدى النقاط بعد إطلاق النار عليه في عنقه إن ابنه يفتقر إلى أي خبرة عسكرية، معاق، وليس شخصًا يجب أن يرسل للقتال.

وكانت مقاطعة بلخ في الماضي واحدة من أكثر المقاطعات استقرارًا في البلد، ورفع موقعها على طول الحدود مع أوزبكستان وعلى طريق تجاري رئيسي من تركمانستان الاقتصاد المحلي بعد الغزو الأمريكي في عام 2001، ولكن في السنوات الأخيرة انخفض الاستقرار هناك تدريجيا حيث كافحت الحكومة في كابول للسيطرة على قيادة المقاطعة وتزويد الشمال بعدد كاف من قوات الأمن.

قاتل أو مت

في يوليو 2020، اعتقد جواد، وهو من سكان بلخ، أنه قد تم توظيفه لإعادة بناء نقطة حكومية دمرتها هجمات طالبان مقابل 150 دولارا في الشهر، وهو مبلغ كبير بالنسبة له.

ولكن بعد الوصول إلى القاعدة التي تبعد حوالي 15 ميلا عن منزله في مزار الشريف، أدرك جواد (27 عاما)، أنه لا يوجد شيء يحتاج إلى إصلاح، وبعد يوم واحد، تسلم رشاش كلاشنيكوف وتلقى أمرا بسيطا عبر الراديو من حاكم المنطقة: "قاتل أو مت".

وقال جواد: "سألتهم ما إذا كنا هنا للقيام بأعمال بناء أم للموت؟".





وكان جواد قد انضم دون أن يدرك إلى إحدى الميليشيات المعروفة بـ"المفتاح الواحد"، في إشارة إلى أنها لا تسجل الأعضاء، مما يمكن القادة من التهرب من دفع رواتب مجنديهم إذا ظلوا على قيد الحياة.

ويصف جواد الذي تحدث للصحيفة الأمريكية في منزله بمزار الشريف "ميليشيات المفتاح الواحد" بأنها "أخطر عمل على جانبي الحرب، فإذا قُتلت، لن تتلقى عائلتك مال التعزية أو راتبك"، موضحا أن الأمر أشبه بالموافقة على "الانتحار".

وحاول طارق عريان، المتحدث باسم وزارة الداخلية، تحويل الأسئلة إلى وزارة الدفاع قبل أن يقول: "لم نشهد مثل هذه الحالات في الماضي"، مشيرا إلى أنه سيكون هناك تحقيق في أمر هذه الميليشيات، في حين لم يرد محافظ بلخ على طلبات متعددة للتعليق من الصحيفة.

ولا يزال مدى شبكة ميليشيات المفتاح الواحد غير واضح، وبينما قال مسؤول بالحكومة الأفغانية اشترط عدم ذكر اسمه إنها تُستخدم في جميع أنحاء البلاد كبديل رخيص للقوات المستنفدة، لا يوجد سجل رسمي للميليشيات على مستوى المقاطعة أو المستوى الوطني، ولا يتطلب الانضمام لهذه الميليشيات سوى بطاقة هوية.

وقال حاجي محمود نور، عمدة المنطقة في مقاطعة قندهار إنه في جنوب أفغانستان، يقوم بعض قادة الشرطة بجمع رواتب الضباط القتلى أو المتقاعدين، وبدلاً من تعيين بدائل لملء صفوفهم، يجندون السكان المحليين سرا، ولا يدفعون لهم سوى جزء من الراتب.

بينما قال جواد، الذي أمضى عدة سنوات في الجيش، إن النقطة الحكومية التي أرسل إليها احتوت على 16 رجلاً جميعهم استدرجوا إلى هناك بالوعد بالقيام بأعمال البناء، وعلى الرغم من القتال ليلاً ومحاولة تدريب مواطنيه خلال النهار لمدة 3 أشهر تقريباً، إلا أنه لم يتقاض أي أجر في النهاية.





كما تم تجنيد جاويد، جار جواد، بنفس الأسلوب، ثم أصيب برصاصة في عنقه أثناء معركة نارية، ولم يكن جاويد (25 عاماً)، قد لمس بندقية من قبل، كما ولد أصم جزئياً ويعاني من إعاقة في الكلام.

وقال جاويد من غرفة معيشته، وندبة الرصاصة واضحة في رقبته: "لم يسمحوا لي بتوديع عائلتي، لقد أخذوني إلى النقطة وتركوني عالقا هناك لمدة شهرين".

وكان الأشخاص الذين خدعوا جواد وجاويد للانضمام إلى الاتحاد جزءًا من شبكة المجندين المسؤولين عن تجنيد الأفراد لميليشيات المفتاح الواحد في بلخ، وحلفاء عطا محمد نور، وهو سمسار سلطة وأمير حرب في المقاطعة حارب السوفييت في الثمانينات وطالبان في التسعينات.

وخلال الحرب الأهلية، كان عطا قائداً في حزب الجماعة الإسلامية في شمال البلاد، ثم أصبح حاكماً لبلخ بعد وقت قصير من الغزو الأمريكي في عام 2001، ورفض ترك منصبه بعد أن طرده الرئيس أشرف غني في عام 2017.

ووفقاً لمسؤولين محليين، فعلى الرغم من خروجه في نهاية المطاف من المكتب، لا يزال عطا يشرف على الحاكم الحالي والشبكة الأمنية القائمة.

مخاوف المستقبل

ويخشى بعض المسؤولين من أن تكون ميليشيات المفتاح الواحد علامة على ما هو قادم: بلد خارج عن القانون انقسم إلى إقطاعيات يحكمها طالبان وأمراء الحرب، مثلما حدث في التسعينات.

وتمثل عودة سماسرة السلطة الغامضين هؤلاء إلى مكانة بارزة مشكلة أخرى يجب على إدارة جو بايدن مواجهتها في الوقت الذي تدرس فيه ما إذا كانت ستلتزم بالجدول الزمني للانسحاب الذي حددته إدارة دونالد ترامب في الأول من مايو.

ويعتبر النقيب محمد فؤاد صالح، الضابط المسؤول عن كتيبة الشرطة، هو محور ميليشيات المفتاح الواحد في بلخ، المسؤولة عن الطرق السريعة وكوكبة نقاط التفتيش الخاصة بها، فضلا عن توزيع المجندين على النقاط الحكومية على طول تلك الطرق.

وتكشف مصادر مطلعة أنه في كل شهر تظل فيه هذه النقاط الأمامية صامدة، يتلقى النقيب محمد راتباً من مسؤولي المقاطعة أو من حلفاء عطا، على الرغم من أن النقيب ومساعده نفيا وجود هذا الاتفاق.

ومن المفترض أن يتم تقسيم بعض هذه الأموال بين أفراد الميليشيا، ولكن نادراً ما يتم توزيعها، وقال النقيب محمد إنه لا علاقة له بالمدفوعات.





وأكدت هذه التعاملات المزعومة على مصير الأراضي التي كانت تحظى بحماية القوات الغربية، حيث يدل الاعتماد على هذه القوات المقاتلة المؤقتة على عدم فعالية الاستثمارات المالية للولايات المتحدة التي تزيد قيمتها على 70 مليار دولار من الأسلحة والمعدات والتدريبات التي تهدف إلى دعم قوات الأمن الأفغانية والتي أصبحت الآن بالكاد قادرة على الحفاظ على سيطرتها على المدن الرئيسية في البلاد.

وأكد جواد تعليقا على ذلك: "لم نحصل على أي زي أو دروع واقية، فقد كنت ارتدي نفس ملابسي العادية، فما فائدة الحكومة؟، إذا كان بإمكاني أن أؤذيهم، لفعلت ذلك".

ويتخذ النقيب محمد من قاعدة الشرطة التي تم نحتها في الجدران الدفاعية لمزار الشريف، مقرا له، ويحتفظ هناك بسياراته وخيوله، مؤكدا مكانته كأمير حرب.

وأوضح النقيب محمد فؤاد صالح، أن استخدام الميليشيات كان مدفوعا باليأس، حيث تجاهل مسؤولو كابول طلباته بزيادة الجنود والشرطة، فهو يقود حوالي 340 شخصاً، لكنه يحتاج إلى 500 شخص.

ويتابع صالح: "بعد زوال الدعم الجوي الأمريكي، وتأخر القوات الجوية الأفغانية إذا أتت.. نستخدم ميليشيا المفتاح الواحد".

وقال سيد محمد، وهو شيخ قبلي في مزار الشريف، إنه وعائلات أخرى اشتكوا العام الماضي إلى مجلس محافظة بلخ بشأن ممارسات التجنيد التي تقوم بها الميليشيا، وفي نهاية المطاف تم فصل النقيب محمد فؤاد، ولكن بعد شهرين، عاد إلى أداء مهامه، ولم يوضح النقيب سبب طرده أو إعادة توظيفه، وقال إن الحكومة كانت في حاجة إليه لأن النقاط الحكومية كانت تسقط أمام طالبان.

وفي محاولة لتبرير أساليبه الاحتيالية، قال النقيب: "يرفض الناس الانضمام إلى ميليشيات المفتاح الواحد دون خبرة لأنهم يعرفون العواقب".

وحتى لو ظلت الطرق السريعة مفتوحة، فإن مقايضة الأمن بحياة البشر قد خلفت العديد من الأسر المفجوعة والمجتمعات المدمرة.

وفي حي علي عباد الفقير في مزار الشريف، حيث قال أحد المسنين إنه تم تجنيد أكثر من 50 رجلاً، بكت فاطمة على ابنها غلام علي (38 عاما)، الذي انضم عن طيب خاطر إلى الميليشيا لتسديد قرض، ولكنه قُتل في الخريف الماضي، بعد عام من العمل في الميليشيا، وتلقي أجره بين الحين والآخر.

وقالت فاطمة: "توسلت إليه ألا يذهب، وقال لي: ماذا يمكنني أن أفعل؟ زوجتي تطلب الطعام، وأطفالي يطلبون الطعام، لا توجد طريقة أخرى، فالسبيل الوحيد هو الذهاب والانضمام إلى الميليشيا".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC