وزيرا الخارجية والدفاع احتفظا بحقيبتيهما في الحكومة السورية الجديدة
يرى خبراء أن العلاقات الروسية-السورية تمر بمنعطف حساس في ظل التحديات المتزايدة والمتغيرات السياسية الأخيرة التي انعكست على التحالف الاستراتيجي بين موسكو ودمشق.
ويشير هؤلاء إلى أن رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نظيره السوري أحمد الشرع حملت أبعادًا تتجاوز الطابع البروتوكولي، إذ تضمنت دعوة ضمنية لإعادة هيكلة العلاقات بما يخدم المصالح الروسية في المنطقة.
ويتزامن ذلك مع تمسك القيادة السورية الجديدة بمطالب جوهرية، أبرزها تسليم الرئيس السابق بشار الأسد ومراجعة ملف الأموال السورية الموجودة في روسيا.
وقد أثارت هذه التطورات تساؤلات حول مدى قدرة التحالف الروسي-السوري على الصمود أمام التباينات المتصاعدة بين الطرفين، إذ تحاول موسكو الحفاظ على نفوذها العسكري والاقتصادي من خلال وجودها في قاعدتي حميميم وطرطوس، بينما تسعى القيادة السورية لتعزيز سيادتها الوطنية وتقليل الاعتماد على الحلفاء الخارجيين.
ويرى الخبراء أن تعقيد المشهد يرتبط بشقين: الأول سياسي، ويتمثل في مطالب الشعب السوري باعتذار روسي وتعويضات عن الأضرار الناجمة عن التدخل العسكري الروسي، والثاني استراتيجي، ويتمحور حول مدى استعداد كل طرف لتقديم تنازلات تضمن استمرار العلاقة على أسس جديدة.
حول هذا الموضوع، قال الباحث الاقتصادي والناشط السياسي د. ياسين العلي إن الرسالة التي وجهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرئيس السوري أحمد الشرع حملت دلالات تتجاوز الشكل البروتوكولي، إذ أكدت ضرورة استمرار العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، في ظل المتغيرات السياسية الحالية.
وأوضح العلي لـ"إرم نيوز"، أن العلاقات الثنائية بين موسكو ودمشق تعود إلى عام 1950، لكنها تعززت بشكل كبير مع دخول القوات الروسية إلى سوريا عام 2015، حيث سعت موسكو لضمان وجود دائم لها في المياه الدافئة، ما دفعها إلى توقيع عقد استثمار لميناء طرطوس لمدة 49 عامًا، إلى جانب بناء قاعدة جوية في حميميم بريف اللاذقية.
وأضاف أن الرسالة الروسية حملت "إشارات ودية" تجاه القيادة السورية الجديدة، مشيرًا إلى أن بوتين نادرًا ما يرسل رسائل مكتوبة بهذا الشكل؛ ما يمنحها أبعادًا سياسية وشعبية. ولفت إلى أن الشق السياسي يتعلق بإعادة هيكلة العلاقات والتحالفات، فيما يتمثل الشق الشعبي في مطالب غالبية الشعب السوري باعتذار روسيا عن تدخلها العسكري، إلى جانب تقديم تعويضات عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بسوريا.
وأشار إلى أن هذا الاعتذار يمثل شرطًا شعبيًّا لإعادة العلاقات السورية-الروسية إلى مسارها الطبيعي. أما فيما يتعلق بتسليم الرئيس السابق بشار الأسد، فقد وصف العلي هذه المسألة بأنها "معقدة"، مشددًا على أن روسيا لن تقدم على هذه الخطوة في المستقبل القريب، إلا إذا شعرت بأن نفوذها في سوريا مهدد بشكل جدي، وهو ما قد يدفعها لاستخدام هذه الورقة كورقة تفاوضية للحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط.
وبشأن الأموال السورية، أوضح العلي أن روسيا صرّحت في وقت سابق بعدم وجود أي أموال مودعة لديها، ومع ذلك، فإن محاكمة الأسد تبقى مطلبًا قانونيًّا وشعبيًّا، إلى جانب الاعتذار الروسي وتقديم تعويضات معينة للمساهمة في إعادة إعمار سوريا، وهو ما قد يكون جزءًا من شروط القيادة السورية الجديدة لإعادة بناء العلاقات على أسس أكثر توازنًا.
وختم بتأكيد ضرورة أن تضغط الإدارة السورية الجديدة لتحقيق هذه المطالب، مع التمسك بتسليم بشار الأسد عبر القنوات القانونية الدولية، رغم أن ذلك قد يتطلب وقتًا طويلاً لتنفيذه.
من جانبه، يرى الباحث والمحلل السياسي أمجد إسماعيل الآغا أن أفق العلاقات الروسية-السورية يبدو معقدًا ومشحونًا بالتحديات الاستراتيجية، نتيجة المتغيرات السياسية الأخيرة التي ألقت بظلالها على التحالف القائم بين البلدين.
وأضاف الآغا، في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن رسالة بوتين حملت إشارات ضمنية تعكس رغبة موسكو في إعادة ترتيب المشهد السوري بما يضمن استمرار مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. ومع ذلك، فإن التوجه الروسي جاء متزامنًا مع تمسك الرئيس السوري أحمد الشرع بمطالب تسليم الأسد واستعادة الأموال السورية الموجودة في روسيا؛ ما أوجد حالة من التوتر السياسي وأثار تساؤلات حول مدى قدرة هذا التحالف على الصمود.
وأشار إلى أن هذا الوضع يعكس تعارضًا مستترًا بين أهداف روسيا وسوريا، حيث تسعى موسكو للحفاظ على نفوذها العسكري والاقتصادي من خلال وجودها في قاعدتي حميميم وطرطوس، بينما تحاول القيادة السورية الجديدة تعزيز مفهوم السيادة الوطنية وتقليل الاعتماد على الخارج.
وأوضح أن قضية تسليم الأسد واستعادة الأموال السورية تمثل نقاط توتر رئيسة بين الطرفين، إذ ترى دمشق أن استعادة أصولها المالية ضرورة لتعزيز الاقتصاد المحلي وتقليل الهيمنة الروسية، لكن مع استمرار نفي موسكو وجود هذه الأموال، تصبح أوراق الضغط الروسية أضعف مقارنة بحضورها العسكري في سوريا.
وفي ختام حديثه، أكد الآغا أن التعاون الاستراتيجي بين موسكو ودمشق قد يستمر، لكنه مرشح لإعادة صياغة شروطه وفقًا للتطورات المتلاحقة ومدى قدرة الطرفين على تقديم تنازلات متبادلة.