الدفاع المدني بغزة: 200 ألف مواطن في جباليا يواجهون خطر الموت بالقصف الإسرائيلي أو الجوع والعطش

logo
العالم العربي

نقطة ضعفه وقوته.. كيف اخترقت إسرائيل اتصالات حزب الله؟

نقطة ضعفه وقوته.. كيف اخترقت إسرائيل اتصالات حزب الله؟
أجهزة اتصال بيجر انفجرت أمس الثلاثاء في الضاحية الجنوبية ...المصدر: ا ف ب
07 أكتوبر 2024، 4:12 م

محمد صالح الفتيح

تفجرت أزمة كبيرة في لبنان في مايو/أيار 2008، عندما حاولت الحكومة اللبنانية إزالة شبكة الاتصالات السلكية التي تستخدمها ميليشيا حزب الله الذي رد من جانبه بتحرك عسكري.

كان لهذا التحرك نتائج سياسية كبيرة ظهرت عبر اتفاق الدوحة بين الفرقاء اللبنانيين، وما تلاه من انتخاب رئيس جمهورية جديد، وإعادة تشكيل الحكومة اللبنانية، ومنح "حزب الله" وحلفائه الثلث المعطل في الحكومة. 

هذا الحدث السياسي والأمني سلط الضوء على شبكة الاتصالات التي يستخدمها "حزب الله" والتي تنامت في السنوات التالية مع تنامي قدرات "حزب الله" البشرية والعسكرية.

ولكن هذه الشبكة تحولت على الأرجح في الحرب الحالية لنقطة ضعف، أو لكعب أخيل، بالنسبة لـ"حزب الله".

بداية الشبكة وتناميها

أهمية الاتصالات لـ"حزب الله" ازدادت بعد حرب 2006. حيث بدأت المليشيا في 2007، بحسب التقديرات الإسرائيلية، بمد شبكة اتصالات سلكية واسعة في عموم الأراضي اللبنانية.

اختيار مد شبكة سلكية تحديداً جاء لاعتقاد "حزب الله" أن إسرائيل تتفوق في مجال الاتصالات اللاسلكية والخليوية عبر قدرتها على رصد هذه الاتصالات واعتراضها والتشويش عليها.

أمين عام "حزب الله" الراحل، حسن نصر الله، قال صراحةً، في خطاب له في 23 يوليو/تموز 2010، إن إسرائيل تسيطر على كل شيء يتعلق بالاتصالات في لبنان، بما في ذلك شبكات الاتصالات الخليوية، والشبكات المدنية، واللاسلكية، والإنترنت. 

أخبار ذات علاقة

شلل الاتصالات.. "حزب الله" يواجه "عدوه الأخطر"

 

تنامي حجم شبكة الاتصالات السلكية عكس تنامي قدرات "حزب الله" البشرية والعسكرية.

ففي حرب 2006 كان عديد المقاتلين النظاميين لـ "حزب الله" يقدر بحوالي 3,000، ومعهم حوالي 7,000 مقاتل احتياطي، من المتدربين عسكرياً ولكن غير المتفرغين.

وفي 2023 باتت التقديرات أن عدد المقاتلين النظاميين ارتفع إلى ما بين 20,000 و30,000، فيما ارتفع عديد المقاتلين الاحتياطيين إلى ما بين 20,000 و50,000.

"حزب الله" احتاج لشبكة اتصالات كبيرة للتواصل مع هذا العدد الكبير من المقاتلين، وتوجيههم للعمليات العسكرية بحسب التطورات الميدانية. 

ونظراً لاتساع ترسانة "حزب الله" الصاروخية، وبدء استخدامه للطائرات المسيرة في الهجوم والاستطلاع، بات يحتاج أيضاً لقاعدة معلومات حول مخزوناته من الأسلحة، ومستوى جاهزيتها، وكذلك لتخزين صور الأقمار الصناعية والصور ومقاطع الفيديو القادمة من طائرات الاستطلاع المسيرة.

 ومن ثم مشاركة كل هذه المعلومات مع الفروع القتالية والفنية المختلفة التابعة له. هذه التفاصيل توضح أن شبكة اتصالات "حزب الله" لم تكن مجرد شبكة اتصالات صوتية كما قد يبدو بدايةً، بل هي شبكة نشطة تسمح بتبادل كميات كبيرة من البيانات.

وتقدر المصادر الإسرائيلية أن "حزب الله" استخدم كابلات ضوئية في شبكته السلكية للسماح بتبادل هذه الكميات من البيانات بأمان.

كعب أخيل

الطبيعة الجغرافية والديموغرافية للبنان والمتطلبات الأمنية والتقنية، فرضت نفسها فيما يتعلق بطريقة مد شبكة الاتصالات السلكية.

فالشبكات السلكية يمكن أن تمد بأحد طريقتين: إما الاعتماد على مركز واحد "Hub" يتصل بالفروع المختلفة "Spokes" والتي لا تمتلك قدرة الاتصال المباشر مع بعضها البعض، أو عبر الربط، بمستويات متفاوتة، بين الفروع نفسها.

الطريقة الأولى تحصن الشبكة من محاولات الاختراق التقنية. فحتى لو استطاعت إسرائيل أو غيرها السيطرة على أحد عقد الاتصالات الفرعية فلن يكون بوسعها الوصول للمعلومات المخزنة لدى الفروع الباقية أو لدى المركز الرئيسي.

ولكن هذه الطريقة تجعل مركز الشبكة يتأثر بشكل أكبر بالضربات العسكرية.

أما الطريقة الثانية تعاني من احتمال أكبر للاختراقات التقنية ولانكشاف المعلومات بمجرد السيطرة على أحد فروع الشبكة.

ولكن، بالمقابل، هذه الطريقة تمنح الشبكة قدرة أكبر على الصمود في مواجهة الضربات العسكرية. 

المعلومات المتداولة حالياً تشير لكون الشبكة السلكية لـ"حزب الله" بنيت وفق الطريقة الأولى، أي عبر مركز رئيسي، موجود في الضاحية الجنوبية، وفروع مختلفة في عموم لبنان، وخصوصاً في أجزائه الجنوبية.

فالربط السلكي بين فروع شبكة "حزب الله" كان سيتطلب المرور عبر مناطق تسكنها مكونات لبنانية من غير قاعدته الشعبية.

وهذا ما يمكن أن يثير حساسيات كبيرة مع هذه المكونات، أو أن يصبح الربط عبر هذه المناطق ثغرة محتملة لاختراق شبكة "حزب الله"؛ ولهذا تجنب هذا النموذج وفضّل النموذج المركزي الأول. 

موقع الضاحية الجنوبية، في وسط لبنان، وكونها المعقل التاريخي لـ "حزب الله"، جعلها المقر الحتمي للجزء المركزي من شبكة اتصالات "حزب الله".

وخلال الحرب الحالية بات يتوجب على كل قادة "حزب الله" المسؤولين عن القرار العسكري البقاء في الضاحية الجنوبية لكي يستطيعوا الوصول لهذا الجزء المركزي من شبكة الاتصالات.

فمغادرة الضاحية يعني فقدان الاتصال وإضعاف قدرات القيادة والسيطرة لـ "حزب الله" خلال العمليات العسكرية القتالية.

ومع ما سلف، فإن تنامي حجم وقدرات "حزب الله" جعله مضطراً للاعتماد على هذه الشبكة بشكل حيوي لمتابعة عملياته القتالية. 

الاضطرار للتواجد في الضاحية الجنوبية سهّل على إسرائيل مهمة رصد قادة "حزب الله"، عبر رصد تحركاتهم، وتحركات مساعديهم ومرافقيهم الأمنيين.

كما أن هذا ما يفسر نجاح إسرائيل باستهداف القادة العسكريين، خصوصاً أعضاء "المجلس الجهادي"، لـ"حزب الله"، بينما بقي أغلب القادة السياسيين بعيدين عن الاستهداف. 

وهذا ما يفسر أيضاً كيف أن أبرز ثلاث عمليات اغتيال كبيرة خلال الشهر الماضي نفذت ضد مقرات محصنة لـ"حزب الله" في الضاحية الجنوبية.

المقصود هو عملية اغتيال إبراهيم عقيل خلال اجتماعه مع قادة وحدة الرضوان، في 20 سبتمبر/أيلول، ثم اغتيال حسن نصر الله خلال اجتماعه مع قيادات أخرى ومع نائب قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، في المقر المركزي لـ"حزب الله"، في 27 سبتمبر/أيلول، وأخيراً استهداف هاشم صفي الدين، رئيس "المجلس الجهادي"، خلال اجتماعه مع مساعديه، في 3 أكتوبر/تشرين الأول.

عمليات الاغتيال استهدفت مقرات محصنة معروفة بشكل جيد لإسرائيل التي راقبت عملية إعادة بناء الضاحية الجنوبية بعد حرب 2006، ورصدت الحفريات الاستثنائية اللازمة لبناء مواقع محصنة على عمق 30 أو 40 متراً تحت سطح الأرض. 

بنية شبكة الاتصالات التي أشرنا لها أجبرت كبار قادة "حزب الله" على أن يبقوا ملاصقين للجزء المركزي من شبكة الاتصالات في الضاحية الجنوبية لكي يستطيعوا متابعة توجيه العمليات العسكرية.

والآن مع تكرر استهداف إسرائيل للضاحية الجنوبية، وتكرار عمليات الاغتيال، سيضطر القادة الجدد للابتعاد نسبياً عن المقرات المركزية لتجنب تعرضهم للاستهداف.

أخبار ذات علاقة

تحت الأرض وفوقها.. تعرّف على شبكة اتصالات "حزب الله" (إنفوغرافيك)

 

قد يكون الخيار البديل هو الاقتراب من مواقع الاشتباكات في الجنوب اللبناني، أو اتخاذ قرار بتوزيع المسؤوليات على القادة العسكريين الجدد وأن ينتقل كل منهم شخصياً لموقع جغرافي يستطيع منهم تنفيذ واجباته.

مثل هذا الانتقال يمكن أن يحد من قدرة "حزب الله" على المشاركة اللحظية للمعلومات، خصوصاً عندما تبدأ إسرائيل عملياتها البرية الواسعة في جنوب لبنان، والتي يمكن أن تشمل عمليات إنزال مروحي تتجاوز المرور فيما يوصف بالممرات الإلزامية لعبور القوات في جنوب لبنان.

مثل هذه التغييرات يمكن أن تضعف بشكل كبير من فعالية التحضيرات العسكرية التي أعدها "حزب الله" خلال العقدين الماضيين، وهذا ما يمكن أن يكون له تأثيرات نفسية مهمة على القوات وعلى البيئة الحاضنة لـ "حزب الله"، والتي بدأت تشعر أن هذه المواجهة مختلفة نوعياً وكمياً عن المواجهات السابقة مع إسرائيل. 

 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC