صحة غزة: ارتفاع عدد القتلى إلى 921 منذ استئناف إسرائيل ضرباتها على القطاع
لطالما ارتبطت عبارة "الفراغ الدستوري" بالحياة السياسية في لبنان، التي تشهد حالة "فريدة" من التوازنات الطائفية والداخلية المعقدة، والتي تخضع لتدخلات خارجية تؤثر بشكل حاسم في تأخير تشكيل الحكومات أو الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية.
هذه الديناميكيات المتشابكة تساهم في تعثر العمليات السياسية في لبنان، حيث يواجه المواطنون دائمًا سلسلة من المعضلات التي تستغرق وقتًا طويلًا لحلها، وتنتهي عادةً بتشكيل حكومة، ولكن بعد "مخاض عسير".
وفي لبنان، تبدأ العملية السياسية بتحديد رئيس الحكومة، وهو أمر يتطلب توافقًا شاملًا بين القوى السياسية المختلفة. بعد ذلك، يدخل البلد في مرحلة أخرى من التفاوض لتسمية الوزراء وتوزيع الحقائب الوزارية، بحيث يتم مراعاة التوزيع الطائفي العادل في الحكومة، مع ضمان تمثيل القوى الأساسية داخل كل طائفة.
هذا النظام الفريد، الذي ترسخ بعد اتفاق الطائف في عام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، يظل حجر الزاوية في آلية تشكيل الحكومة.
وبعد أكثر من عامين من الفراغ في موقع الرئاسة، تم الاتفاق أخيرًا على انتخاب رئيس جديد للبلاد، وفي الوقت ذاته، استمرت الحكومة التي تدير الأعمال في لبنان منذ نحو عامين، وهو ما يعادل نصف عمر الحكومة في الأوضاع الطبيعية.
ومع الاتفاق على رئيس الحكومة الجديد، دخلت البلاد مجددًا في دوامة "المحاصصة الطائفية"، وهو النظام الذي يفرض ضرورة توزيع "الحقائب السيادية" بين القوى السياسية المختلفة، بما يتوافق مع وزن كل طائفة سياسية على الساحة اللبنانية.
ومنذ تكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة الجديدة قبل نحو 3 أسابيع، يعيش لبنان حالة من الجدل والترقب، وسط أمل في تشكيل الحكومة الأولى بعد التطورات الداخلية الحاسمة التي شهدها البلد، بما في ذلك تراجع نفوذ "حزب الله" بعد الحرب وتغيرات جذرية في النظام السياسي السوري بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد.
وكان نفوذ "حزب الله" إضافة إلى الدور السوري من العوامل الحاسمة في تشكيل الحكومات اللبنانية.
أبرز العقبات أمام تشكيل الحكومة الجديدة
وبحسب الباحثة في الشأن اللبناني، الدكتورة زينة محمود، تمثلت العقبة الأساسية التي واجهها الرئيس نواف سلام في ضرورة مراعاة التوزيع الطائفي بشكل دقيق، إضافة إلى الحفاظ على "الميثاقية" التي تضمن حقوق جميع الطوائف.
وبعد تجاوز عقبة تمثيل الطائفة الشيعية وضمان مشاركة ممثلين عن هذه الطائفة، ظهرت عقبة تمثيل الطائفة الدرزية، حيث أصر الزعيم الدرزي وليد جنبلاط على الحصول على حقيبتين وزاريتين، وهو ما تحقق له في النهاية.
ومع تجاوز العقبات السابقة، برزت عقبة جديدة تتعلق بالتمثيل المسيحي، فالرئيس نواف سلام كان يسعى لإرضاء الطرفين الرئيسين في الساحة المسيحية، أي "التيار الوطني الحر" و"كتلة القوات اللبنانية"، حيث حاول كل طرف الحصول على الحصة الأكبر من الحقائب الوزارية.
وقالت محمود لـ"إرم نيوز" إنه بعد جهود كبيرة من فريق سلام والمفاوضات مع "القوات اللبنانية"، تم الاتفاق على منحها 5 حقائب وزارية، بما في ذلك وزارة الخارجية.
لكن المشكلة لم تنتهِ عند هذا الحد، فقد أصبح من الواضح أن "التيار الوطني الحر" لن يشارك في الحكومة الجديدة؛ لأنه لم يحصل على حصة مماثلة لحصة "القوات اللبنانية"، ما أدى إلى تعثر التوصل إلى اتفاق شامل.
أما العقبة الحالية التي تواجه تشكيل الحكومة فهي التمثيل السني، فمع توزيع نواب الطائفة السنية على أكثر من كتلة سياسية، أصبحت مهمة الرئيس نواف سلام أكثر تعقيدًا، حيث أصبح من الصعب إرضاء جميع الأطراف، وقد ظهرت هذه الخلافات إلى العلن من خلال تصريحات بعض النواب السنة الذين عبّروا عن عدم رضاهم عن سير الأمور.
وكان سلام يهدف إلى إرضاء النواب السنة عبر تحديد مجموعة من الوزراء السنيين يصل عددهم إلى 5 وزراء، بحيث يحصلون على حقيبتين سياديتين على الأقل، أسوة بالطوائف الأخرى، لكن هذه الخطة جوبهت مجددًا بعقبة التمثيل السياسي الطائفي، ما جعل جهود سلام أكثر صعوبة.