نتنياهو: أقدر عاليا التدخل الأمريكي ضد الحوثيين وواشنطن لا تدخر جهدا في الرد عليهم بشدة
لا تغيب "الأخبار العاجلة" التي تروي محنة مدينة حلب السورية، عن الشاشات، ولا تتوقف الصور المؤلمة القادمة من المدينة "الشهباء" التي صهرتها الحروب خلال الأزمة السورية.
ولئن عرفت المدينة الهدوء في السنوات الأخيرة، بعدما استعادتها الحكومة السورية، فإنها بوغتت مؤخرًا، بهجمات لفصائل المعارضة المسلحة.
هذا التطور الميداني المفاجئ بوصول فصائل المعارضة إلى قلب المدينة، أعاد حلب إلى واجهة الأحداث، وأثار مخاوف من اشتعال الحرب الأهلية في البلاد مرة أخرى، وسط تساؤلات عن الأهمية العسكرية والإستراتيجية والتاريخية لهذه المدينة السورية العريقة التي غدت معزولة عن محيطها بعد إغلاق الطرق الرئيسة المؤدية إليها، وكذلك توقف مطارها عن الخدمة.
عندما استعادت القوات السورية مدينة حلب من المعارضة المسلحة في عام 2016، قارن محللون ما حدث بمعركة ستالينغراد التي جرت في الحرب العالمية الثانية، التي شكلت، آنذاك، نقطة تحول، خرجت منها المدينة مدمرة، لكن منتصرة.
وكان الانتصار السوري، بدوره، حاسمًا لدرجة ذهب معها المحللون إلى القول آنذاك، إن الرئيس بشار الأسد كان يحكم نصف سوريا قبل حلب، وحين استعاد السيطرة على المدينة، فإنه بات يحكم كل سوريا"، في إشارة إلى الأهمية الإستراتيجية البالغة، لهذه المدينة.
تقع محافظة حلب في الجزء الشمالي من البلاد، وتحدها تركيا من الشمال ومحافظة الرقة من الشرق ومحافظة إدلب من الجنوب الغربي.
وتبلغ مساحتها 18.5 ألف كيلومتر مربع، وهي تشكل نحو 10 في المئة من إجمالي مساحة سوريا، وهي أكبر المحافظات السورية من حيث عدد السكان الذي يزيد على 5 ملايين نسمة من بين 23 مليونًا هو عدد سكان سوريا.
ومن بين أهم المدن في المحافظة عفرين وإعزاز وجرابلس وتل رفعت والسفيرة ومنبج وكوباني (عين العرب).
وتُعد مدينة حلب عاصمة المحافظة التي تعد أكبر مدينة في سوريا والمركز الصناعي والمالي للبلاد، ولذلك سميت "العاصمة الاقتصادية" لسوريا، وهي واحدة من أقدم وأعرق المدن في العالم.
تشير المصادر التاريخية إلى ازدهار المدينة في حقب مغرقة في القدم، إذ تم العثور على بقايا معبد يعود تاريخه إلى نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد في موقع قلعة حلب الشهيرة، التي كانت بمنزلة معقل دفاعي لعدة قرون.
وفي مراحل لاحقة، أصبحت المدينة مركزًا رئيسًا للحركة التجارية بين البحر الأبيض المتوسط والأراضي الواقعة إلى الشرق، قبل أن يتم ضمها إلى الإمبراطورية الرومانية، ثم ازدهرت بوصفها مركزًا لحركة القوافل في ظل الحكم البيزنطي.
التحول حدث حين دخلت الجيوش العربية الإسلامية حلب عام 636م، وفي القرن العاشر، أصبحت حلب عاصمة الدولة الحمدانية في شمال سوريا، ولكنها عانت بعد ذلك من فترة من الحروب والاضطرابات، إذ قاتلت الإمبراطورية البيزنطية والصليبيون والفاطميون والسلاجقة من أجل السيطرة عليها وعلى المنطقة المحيطة بها.
وبعد هذه المراحل العصيبة تعافت حلب في منتصف القرن الثاني عشر، ثم تمتعت بفترة من الازدهار والتوسع الكبيرين في ظل الحكم الأيوبي في القرن الثالث عشر، ولكن هذه الفترة انتهت فجأة في عام 1260، عندما استولى المغول على حلب، ثم عانت المدينة من تفشي الطاعون في عام 1348 وهجوم مدمر شنه تيمورلنك في عام 1400، بحسب المصادر التاريخية.
وأصبحت حلب جزءًا من الإمبراطورية العثمانية في عام 1516، وسرعان ما أصبحت عاصمة لولاية خاصة بها، وبرزت بوصفها مركزًا تجاريًّا بين الشرق وأوروبا.
وبعد استقلال سوريا في منتصف أربعينيات القرن الماضي، تطورت المدينة لتصبح مركزًا صناعيًّا كبيرًا ينافس العاصمة دمشق، وعرف بـ"العاصمة الاقتصادية" للبلاد.
يرى خبراء عسكريون أن السيطرة على حلب ليس مجرد تكتيك عسكري لتحقيق غايات وأهداف آنية، بل تُعد حلب غاية في حد ذاتها، وهدف إستراتيجي، ففضلًا عن كونها مركزًا مهمًّا للنشاط الاقتصادي في شمالي سوريا، فإن موقعها يمثل "حصنًا" يتحكم بكامل الشمال السوري، فهي لا تبعد عن الحدود التركية سوى 50 كيلومترًا، كما أن من أهم ما توفره المدينة، على المستوى العسكري، هو تأمين خطوط الإمدادات.
ومن المعروف، في العرف العسكري، أن الجيوش تفقد قدرتها على مواصلة القتال دون الحصول على الطعام والوقود والسلاح، بحسب خبراء يرون أن حلب هي المفتاح الرئيس في الشمال لأي تحرك عسكري.
ومن هنا يرى مراقبون أن التحرك الأخير لفصائل المعارضة قد يغير خرائط النفوذ في سوريا، وقد تُدفع حكومة دمشق إلى الدفع بكل إمكاناتها، وحشد التعزيزات العسكرية من أجل احتواء الوضع المضطرب في المدينة.
ولطالما تغنى الشعراء والأدباء بجمال مدينة حلب، وما تزخر به من آثار وطرز معمارية وقلاع ومساجد وتكايا وأسواق قديمة، تعكس الحقب المختلفة التي شهدتها المدينة، وتعبر عن رمزيتها التاريخية ودورها الثقافي والحضاري على مر القرون.
ولكن الآن وسط مشاهد الهلع والخوف التي تعصف بالمدينة، لن يعثر المتابع على ما يمكن أن يترجم بيت المتنبي: "كُلّمَا رَحّبَتْ بنا الرّوْضُ قُلْنَا / حَلَبٌ قَصْدُنَا وَأنْتِ السّبيلُ"، فها هم أهل حلب يفرون من "جحيم" مدينتهم، وهم سيرحبون بأول موطئ قدم يؤمن لهم الأمن والسلام، فما بالك إذا كان المكان هو "الروض" الذي لم يأبه به المتنبي، في زمن مضى، طالما كان قصده "حلب الشهباء".