الرئيس اللبناني جوزيف عون: الاستقواء بالخارج يجلب الدمار للبلاد والثمن يدفعه الجميع
على مدار أكثر من قرن، ظلت كاليدونيا الجديدة وهي أرخبيل في المحيط الهادئ، شاهدة على واحدة من أكثر فصول الاستعمار الفرنسي قسوة تجاه الجزائريين.
وجرى نفي آلاف الجزائريين قسرًا إلى هذه المستعمرة النائية أواخر القرن التاسع عشر، عقابًا لهم على مقاومتهم للاحتلال الفرنسي.
ورغم مرور الأجيال، لا يزال أحفاد هؤلاء المنفيين يسعون لفهم ماضيهم واستعادة هويتهم الجزائرية الضائعة.
وفي عام 1871، شهدت الجزائر واحدة من أبرز الثورات ضد الاستعمار الفرنسي، وهي "ثورة المقراني"، التي قادها الشيخ محمد المقراني وسيدي بومزراق، وكانت تهدف إلى إنهاء الهيمنة الفرنسية واستعادة السيادة الجزائرية.
وبعد قمع الثورة بوحشية، فرضت فرنسا عقوبات قاسية على المشاركين، إذ تم إعدام بعضهم، بينما تم ترحيل حوالي 2000 شخص، معظمهم من منطقة القبائل، إلى مستعمرة كاليدونيا الجديدة.
كان الهدف من هذا النفي مزدوجًا، معاقبة الجزائريين الذين تجرأوا على مقاومة الحكم الفرنسي، من خلال إرسالهم إلى أقاصي الأرض، بعيدًا عن وطنهم وأهلهم، واستخدامهم كقوة عاملة في بناء المستعمرة الفرنسية الجديدة، حيث تم إجبارهم على العمل في الزراعة وأعمال البناء في ظروف قاسية، مشابهة لتلك التي عانى منها السجناء الفرنسيون في المنطقة نفسها.
وبعد وصولهم إلى جزيرة "إيل دي بان" (Île des Pins)، وجد الجزائريون أنفسهم في بيئة غريبة تمامًا، محاطين بالمحيط وبلا أي أمل في العودة.
وكانت الظروف المعيشية قاسية، حيث تم إجبارهم على العمل في الحقول والمناجم، وعاشوا في أكواخ بدائية مع نقص شديد في الموارد.
ولم تكن هناك أي محاولات رسمية لإعادة هؤلاء الجزائريين إلى بلادهم، حتى بعد انتهاء مدة عقوباتهم.
بل على العكس، فقد مُنع العديد منهم من العودة إلى الجزائر، وتم إجبارهم على الاستقرار في كاليدونيا الجديدة، حيث شكلوا لاحقًا مجتمعًا خاصًا بهم يُعرف اليوم باسم "الكالدو-مسلمين" (Caldos-Musulmans).
اليوم، يعيش في كاليدونيا الجديدة حوالي 15 ألف شخص من أصول جزائرية، ينحدرون من أولئك المنفيين.
وعلى مدار عقود، واجه هؤلاء الأحفاد صعوبات كبيرة في الحفاظ على ثقافتهم الأصلية بسبب عمليات التذويب الثقافي التي فرضتها الإدارة الاستعمارية الفرنسية.
وأُجبرت الأجيال الجديدة على التخلي عن لغتها العربية والبربرية، كما تعرضت هويتهم الإسلامية إلى محاولات طمس ممنهجة.
مع ذلك، فإن العقود الأخيرة شهدت عودة قوية لرغبة الأحفاد في استعادة هويتهم الجزائرية.
وظهرت العديد من المبادرات، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، لإعادة توثيق تاريخهم المنسي والتواصل مع الجزائر من جديد.
وفي السنوات الأخيرة، بدأت بعض العائلات الجزائرية في البحث عن جذورها، حيث يسافر البعض إلى الجزائر في محاولة لإعادة الاتصال بأصولهم.
كما أن هناك مبادرات ثقافية تسعى إلى توثيق قصص هؤلاء المنفيين، مثل المعارض والمؤتمرات التاريخية التي تُنظم في كل من الجزائر وكاليدونيا الجديدة.
كما بدأت الحكومة الجزائرية، وإن كان بشكل محدود، في إبداء اهتمام بقضية المنفيين وذريتهم، وتم طرح موضوع إعادة الاعتبار لهم في بعض المناسبات الرسمية.
ولكن حتى الآن، لم تتخذ أي خطوات رسمية لإعادة الاعتبار الكامل لهؤلاء المنفيين وأحفادهم.
وتمثل قصة الجزائريين المنفيين إلى كاليدونيا الجديدة صفحة مؤلمة في التاريخ الاستعماري الفرنسي، تعكس مدى قسوة العقوبات التي فرضت على المقاومين الجزائريين، بحسب مراقبين.