استبعد خبراء تكرار سيناريو حركة "السترات الصفراء"، الذي هزّ فرنسا بسلسلة احتجاجات عنيفة، قبل 6 سنوات، مع تصاعد الغضب الشعبي، وذلك بسبب غياب القيادة للاحتجاجات وانقسام القطاعات وتنوع المطالب.
وحركة السترات الصفراء، هي حركة احتجاجات شعبيّة ظهرت في شهر مايو من عام 2018، ثم زادت شهرتها وقوّتها بحلول شهر نوفمبر من العام ذاته.
وخرجت حركة السترات الصفراء في البداية للتنديد بارتفاع أسعار الوقود وكذلك ارتفاع تكاليف المعيشة، ثم امتدت مطالِبها لتشمل إسقاط الإصلاحات الضريبية، التي سنّتها الحكومة آنذاك، ثم تطوّرت الأمور فيما بعد لتصل إلى حدّ المناداة باستقالة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ومع تصاعد التوترات الاجتماعية، شهدت الشوارع الفرنسية عطلة نهاية الأسبوع الماضي، أجواء مشحونة تُذكّر بأيام الاحتجاجات العارمة في عامي 2018 و2019.
وفي الوقت الذي تبدو فيه فرنسا على أعتاب "فصل اجتماعي مضطرب"، يتفق الخبراء على أن احتمال عودة السترات الصفراء بحجمها وتأثيرها السابقين ضعيف، ما لم تتوحّد المطالب تحت قضية رمزية واحدة تجمع جميع الفئات الاجتماعية.
وقال جان بيير فافين، الخبير في الحركات الاجتماعية ومدير مركز الأبحاث في العلوم الاجتماعية بجامعة "باريس 8"، إن عودة السترات الصفراء بشكلها السابق غير محتملة، بسبب تغير طبيعة الغضب الاجتماعي.
وأضاف لـ"إرم نيوز" أنه "على الرغم من تزايد الغضب الشعبي، فإن الانقسامات بين القطاعات المختلفة والمطالب المتنوعة تجعل من الصعب تحقيق حراك موحد كالذي رأيناه في 2018" وفق تعبيره.
وبيّن فافين أنه "في حين أن السترات الصفراء كانت تعبيرًا عن غضب طبقة معينة، فإن الاحتجاجات الحالية تشمل قطاعات مختلفة مثل النقل والقطاع الطبي والصناعة".
وأشار إلى أن غياب الزخم السياسي المتماسك قد يحدّ من قدرة الاحتجاجات على التحول إلى حركة واسعة النطاق، موضحاً أن ما يميّز الوضع الحالي هو غياب قادة واضحين يمكنهم توحيد الاحتجاجات تحت مظلة واحدة.
وذكر فافين أن السترات الصفراء كانت تعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي لتنظيم التحركات، لكن "اليوم هناك تشتت في المنصات والأصوات، ما قد يُضعف أي محاولة للعودة بنفس القوة".
وبدوره، قال ألكسندر دوفال، الخبير في السياسات العمالية ومدير برنامج الحركات الاجتماعية في مؤسسة جان جوريس، إن "السخط العمالي والاحتقان الشعبي قد يؤديان إلى تصعيد احتجاجات متعددة القطاعات"، مبينًا أن "السترات الصفراء كانت مرتبطة بزمان ومكان معينيْن".
ورأى دوفال في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن "ما يحدث اليوم يعكس غضبًا شعبيًا عامًا، لكن المطالب متفرقة ولا توحّدها قضية رمزية كضريبة الوقود في 2018"، مرجحًا ان تشهد البلاد سلسلة من الإضرابات القطاعية بدلاً من حركة اجتماعية واسعة شاملة.
واعتبر دوفال أن الظروف الاقتصادية الحالية تُسهم في تصاعد الغضب الشعبي، خاصة مع ارتفاع تكلفة المعيشة، ومع ذلك فإن التغير في المشهد الاقتصادي مقارنة بعام 2018، بما في ذلك زيادة الدعم الحكومي لبعض الفئات، قد يحدّ من انتشار الحركة.
وأشار إلى أنه "لا يمكن استبعاد احتمال أن يتسبب التوتر في بعض القطاعات، مثل النقل والقطاع الصحي، في إشعال شرارة جديدة".
ومن المتوقع أن يتم إغلاق حوالي 80 نقطة تجمع على الطرق السريعة خلال عطلة نهاية الأسبوع، إلى جانب تنظيم عشرات الوقفات الاحتجاجية.
من جهته قال جيروم رودرييه، أحد الوجوه البارزة لحركة السترات الصفراء، لقناة "بي إف إم" التلفزيونية الفرنسية، إن هناك حالة من "الاستياء العام" تطال جميع الطبقات الاجتماعية.
وفي الوقت الذي يتصاعد فيه الغضب الشعبي، تتجه العديد من القطاعات نحو تصعيد الإضرابات.
ومن المتوقع أن تشهد شبكة السكك الحديدية الفرنسية إضرابًا من 20 إلى 22 من شهر نوفمبر الجاري، إضافة إلى إضراب مفتوح في الـ11 من شهر ديسمبر المقبل، في ظل معارضة اختفاء قطاع السكك الحديدية.
وستنظم الوظيفة العامة يوم تعبئة وطنية في الـ5 من شهر ديسمبر المقبل، كما دعت اتحاد النقابات العمالية، إلى مظاهرة للدفاع عن فرص العمل في الـ12من ذات الشهر، وأعلنت نقابات القطاع الطبي عن إغلاق شامل لمختبرات التحاليل الطبية بين 23 و31 من الشهر ذاته.