صندوق الثروة السيادي الروسي: موسكو وواشنطن بدأتا محادثات بشأن المعادن الأرضية النادرة
اعتبر محللون سياسيون أن زيارة الرئيس الأوزبكي شوكت ميرضيائيف إلى فرنسا تمثل خطوة استراتيجية تعكس طموح باريس لتعزيز حضورها في آسيا الوسطى، وسط تنافس عالمي متزايد على الموارد المعدنية والطاقة.
وأكد الخبراء أن أوزبكستان باتت "الرئة التعدينية" الجديدة لفرنسا، في ظل سعي الأخيرة لتأمين إمداداتها من المعادن الاستراتيجية.
وتسعى باريس إلى توطيد شراكة اقتصادية مع طشقند، مستفيدة من ثرواتها الغنية باليورانيوم والمعادن النادرة، بينما ترى أوزبكستان في فرنسا شريكًا موثوقًا يساعدها على تقليل اعتمادها على موسكو وتنويع اقتصادها الصاعد. فهل تشهد الساحة الدولية ولادة تحالف استراتيجي جديد بين البلدين؟
نمو متصاعد بين باريس وطشقند
رغم أن فرنسا لا تُعد من أبرز الشركاء التجاريين لأوزبكستان، حيث تحتل المرتبة السادسة عشرة في قائمة شركائها الاقتصاديين بعد الصين وروسيا وكازاخستان، فإن التبادل التجاري بين البلدين يشهد ازدهارًا ملحوظًا.
ففي عام 2023، بلغت قيمة الصادرات الفرنسية إلى أوزبكستان 621 مليون يورو، وهو ما يمثل قفزة كبيرة تعادل خمسة أضعاف حجم التبادل في عام 2019. وتشمل هذه الصادرات الطائرات والعطور ومستحضرات التجميل والمنتجات الصيدلانية، إضافة إلى الآلات والمعدات الزراعية.
في المقابل، تتركز الصادرات الأوزبكية إلى فرنسا بشكل أساسي على مركبات اليورانيوم، التي تشكل 90% من إجمالي الصادرات الأوزبكية إلى باريس.
ويعود اهتمام فرنسا المتزايد بأوزبكستان إلى سعيها لتأمين مصادر المعادن الاستراتيجية، وعلى رأسها اليورانيوم، الذي يمثل عنصرًا أساسيًا في تشغيل مفاعلاتها النووية. ومع تعليق مجموعة "أورانو" الفرنسية عملياتها في النيجر إثر الأزمة السياسية هناك، تتجه باريس للبحث عن بدائل موثوقة لتأمين احتياجاتها الطاقوية، ما يجعل أوزبكستان، صاحبة الاحتياطات الكبيرة من اليورانيوم، خيارًا استراتيجيًا لتعويض الإمدادات النيجيرية.
الفرص والتحديات
ويعتقد الباحث ألكسندر أون، المتخصص في الشؤون الأوروبية والآسيوية لـ"إرم نيوز"، أن الشراكة مع أوزبكستان تمثل فرصة لفرنسا لتعزيز وجودها في آسيا الوسطى، وهي منطقة ذات أهمية جيوسياسية متزايدة.
كما يشير إلى أن هذه الشراكة قد تسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي في أوزبكستان، ما يعود بالفائدة على المنطقة بأسرها.
وبحسب ألكسندر أون، الباحث في مركز العلاقات الدولية والاستراتيجية والمتخصص في العلاقات الأوروبية الآسيوية، فإن تعزيز التعاون بين فرنسا وأوزبكستان يُعد خطوة استراتيجية على المدى الطويل.
وأوضح قائلاً:"أوزبكستان ليست مجرد مورد للمعادن، بل هي دولة تسعى لتنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على روسيا في ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة"، مضيفًا أن فرنسا، من خلال شركاتها الكبرى مثل EDF وTotal Energies، تمتلك فرصة لدعم هذا التحول والمساهمة في مشاريع الطاقة المتجددة التي تسعى إليها طشقند".
من جانبه، يرى الباحث سيباستيان بوسوا، المتخصص في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي لـ"إرم نيوز"، أن التعاون مع أوزبكستان يمكن أن يعزز من تنويع مصادر فرنسا للمعادن الاستراتيجية، ما يقلل من اعتمادها على موردين تقليديين.
كما يشير إلى أن الاستثمارات الفرنسية في قطاع التعدين الأوزبكي قد تفتح آفاقًا جديدة للتعاون التكنولوجي ونقل المعرفة.
وقال بوسوا، الباحث في Revue Conflits والمتخصص في الاقتصاد السياسي، إن الشراكة مع أوزبكستان قد تواجه تحديات عدة، أبرزها المنافسة الدولية.
وأضاف: "فرنسا ليست اللاعب الوحيد المهتم بأوزبكستان. ألمانيا والصين وتركيا والولايات المتحدة كلها تسعى لتعزيز وجودها في آسيا الوسطى، ما يجعل باريس أمام اختبار دبلوماسي واقتصادي معقد لضمان حصولها على حصة من السوق الأوزبكية".
البحث عن شراكات جديدة
تسعى أوزبكستان إلى تقليل اعتمادها على الغاز والحد من نفوذ روسيا في اقتصادها، ما يجعلها بحاجة إلى شركاء جدد يتمتعون بالخبرة في قطاعي الطاقة والتعدين.
وفرنسا، من خلال EDF، التي تستثمر مليار يورو في مشاريع الطاقة الحرارية هناك، وTotal Energies، التي دشنت أخيرًا محطة للطاقة الشمسية، أصبحت في موقع مثالي للمساهمة في هذا التحول.
تعزيز العلاقات الاقتصادية بين فرنسا وأوزبكستان
منذ استقلال أوزبكستان في عام 1991، شهدت العلاقات الاقتصادية مع فرنسا تطورًا ملحوظًا. في نوفمبر 2023، قام الرئيس ماكرون بزيارة رسمية إلى أوزبكستان، حيث تم توقيع عدة اتفاقيات لتعزيز التعاون في مجالات متعددة، بما في ذلك الطاقة والبنية التحتية.
وفي أكتوبر 2023، أشار الباحث سيباستيان بوسوا إلى أن "المحفظة الحالية للمشاريع المشتركة النشطة في أوزبكستان تتجاوز 5 مليارات يورو"، ما يعكس عمق التعاون الاقتصادي بين البلدين.
أهمية الموارد المعدنية في أوزبكستان
تُعد أوزبكستان من أغنى دول آسيا الوسطى بالموارد المعدنية، بما في ذلك الذهب واليورانيوم والنحاس. هذه الثروات تجعلها شريكًا محتملاً مهمًا لفرنسا في تأمين إمدادات المعادن الاستراتيجية، خاصة مع تزايد الطلب العالمي على هذه الموارد.