ذهب خبراء سياسيون فرنسيون، إلى أن التصويت بحجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء ميشيل بارنييه يشكل اختبارًا حقيقيًا لتوازن القوى داخل البرلمان الفرنسي.
ورأوا، أن هذا الحدث قد يكون بداية لتحولات سياسية كبرى في فرنسا، خاصة مع صعود نفوذ اليمين المتطرف، والضغوط المستمرة على الحكومة لتحسين أدائها الاقتصادي والاجتماعي.
وبين الطموح للإصلاح ومواجهة السقوط، يجد ميشيل بارنييه نفسه في مواجهة لحظة حاسمة قد تغيّر مسار حياته السياسية. بعد رهانه الخاطئ على حياد مارين لو بان، تنقلب المعادلات داخل البرلمان الفرنسي، تاركة الحكومة على شفا انهيار غير مسبوق في تاريخ الجمهورية الخامسة.
وقال جان بيير فرنسوا، أستاذ العلوم السياسية والباحث في معهد الدراسات السياسية في باريس إن استخدام ميشيل بارنييه للمادة 49.3 يعكس أزمة هيكلية في النظام السياسي الفرنسي.
وأوضح فرنسوا لـ"إرم نيوز" أن "هذا الخيار، رغم أنه قانوني، يُضعف موقف الحكومة ويمنح المعارضة، خاصة اليمين المتطرف، فرصة ذهبية لتوحيد صفوفها مع اليسار ضد السلطة التنفيذية"، مضيفًا أن "هذه اللحظة تعكس تراجع ثقة الفرنسيين في مؤسساتهم السياسية، وهو ما قد يؤدي إلى مرحلة سياسية أكثر تقلبًا".
وبدوره، قال لوران بورتييه، الباحث في مركز الدراسات الدولية CERI-CNRS لـ"إرم نيوز" إن "ميشيل بارنييه ارتكب خطأ إستراتيجيًا بتقليل أهمية تأثير مارين لو بان واستغلالها هذه الفرصة لتقديم حزبها كبديل قوي في المشهد السياسي الفرنسي".
وأشار إلى أن "هذا الحدث يبرز التحدي الرئيس أمام النخب السياسية التقليدية، وهو فقدان قدرتها على قراءة تحولات المشهد السياسي والرهانات الشعبية، مما يعمّق حالة الانقسام السياسي والاجتماعي في البلاد".
ورغم تقديمه تنازلات كبيرة لحزب "التجمع الوطني"، راهن رئيس الوزراء ميشيل بارنييه على أن مارين لو بان لن تسعى إلى إسقاط الحكومة. لكن المفاجأة جاءت يوم الاثنين، عندما أعلنت زعيمة اليمين المتطرف في الجمعية الوطنية أن حزبها سيدعم التصويت على حجب الثقة.
وفي الثاني من ديسمبر وقف ميشيل بارنييه أمام الجمعية الوطنية معلقًا آماله على رؤية بعيدة نحو "عام 2025"، ساعيًا إلى ترسيخ صورته كمصلحٍ قادر على إنقاذ فرنسا من أزماتها. ولكن مع استخدامه المادة 49.3 لتمرير ميزانية الضمان الاجتماعي دون تصويت، أدرك رئيس الوزراء ذو الـ73 عامًا أنه يعيش أيامه الأخيرة في منصب رئيس الحكومة.
وبعد شهرين فقط من إعلان برنامجه السياسي، يجد بارنييه نفسه تحت تهديد تصويتٍ بحجب الثقة. ورغم أن السيناريوهات تبدو محدودة، فإن تجمع "الجبهة الشعبية الجديدة" الذي يضم اليسار والبيئيين والاشتراكيين واليسار الراديكالي، إلى جانب "التجمع الوطني"، يبدو عازمًا على الإطاحة بالحكومة خلال 48 ساعة.
وفي أروقة قصر الحكومة، كان الأمل ضعيفًا، مساء الاثنين: "هذا لا يجب أن ينتهي بانتصار لو بان... لكن الوضع يبدو قاتمًا"، وفقًا لمصادر قريبة من رئيس الوزراء.
ومع ذلك، يبقى هناك احتمال لتراجع اليمين المتطرف في اللحظة الأخيرة، أو انقسام صفوف اليسار، لكن الجميع، سواء من حلفاء بارنييه أو خصومه، يتفقون على أنه قد يكون رئيس الوزراء الأقصر عمرًا في تاريخ الجمهورية الخامسة. حتى بارنييه نفسه بدا مستعدًا للمغادرة، وألقى خطابًا وصفه البعض بالوداعي، محذّرًا خصومه من مسؤوليتهم التاريخية أمام الشعب الفرنسي.
ومنذ توليه منصبه في "ماتينيون"، كان بارنييه مدركًا، وفقًا لفريقه، هشاشة وضعه. ويقول أحد مستشاريه إنه "يعلم جيدًا أن دعم 'التجمع الوطني' قد يعني النهاية".
ومع ذلك، اعتمد بارنييه على خبرته الطويلة في المفاوضات، واعتقد أن مارين لو بان لن تقدم على خطوة كهذه. لكن، كما قالت النائبة برييسكا تيفنو بمرارة: "لقد استهان بالخطر ولم يدرك حجمه الحقيقي."
ومع دخول فرنسا في "أراضٍ مجهولة" وفق تعبير البعض، يبقى السؤال: هل ستشهد البلاد تغييرًا جذريًا في قيادتها، أم أن السياسة الفرنسية ستبقى محكومة بالتحالفات الهشة والمفاجآت غير المتوقعة؟.